طاولة

إبراهيم محمود

طاولة قائمة على أرجلها الأربع
ثمة مساحة واسعة جداً جداً 
فاصلة بينهما
هكذا تقول رغبتهما
تنتظرهما لحظة مباغتة
يداها في متناول يديه بالنظر
يداه في متناول يديها بالرغبة
اللحظة على نار رغبة ساخنة
طنجرة القلب البخارية الخاصة
تتولى الرغبة العرّابة
يقول صمته الناطق
أريحي يديك على يديّ
يقول صمته الناطق بالتناظر
لا بد من الاحتكام إلى الطنجرة 
لتبث حرارة كافية
 في نسيج الطاولة
الطاولة لا تخفي دهشتها الصاعدة
الحرارة تخرج الطاولة 
من صمتها الخشبي
يداها ترجعان الخشبَ
 إلى عهدته الشجرية
الطنجرة ذاتها لا تخفي حنينها 
إلى معدنها النابض فيها
يداها تحاولان منْح الطاولة ثقة معتبرة
الطاولة مشاعر فائحة الصدى
اليدان تثيران الطاولة
 الطاولة تشع طرباً 
على وقْع إيقاعهما
يداه تختلجان
 على متتاليات نظرات كاشفة
عيناه تتابعان يديها 
عن كثب دقيق
يداه تشعران
 بالطاولة المرهفة الإحساس
الطاولة تنتعش بزواياها الأربع
 ثمة كرسيان
 يتلقيان ذبذبات مسامات أيد ٍ أربع
كرسيان لا يخفيان دهشة هندسية
يبذلان جهداً ليلامسا الطاولة
بين اليدين والعينين أكثر من فضاء
الفضاء يضاء بلذة لقاء منتظَر طويلاً
الأيدي تمنح الوقت بُعده الرابع
شعوراً أطلسياً بخصوصية اللحظة
نظرته الموجهة إليها
 تقول بنبرة استفهام:
هلّا ساءلت يديك
عما فعلتاه بالهواء الناعس
على سطح طاولة وهو يتثاءب؟
الهواء تصحصحَ 
على رنين يديك الحميم
ليديك كامل الشكر 
على فضيلة الملامسة
من قال أن الطاولة لا تملك روحاً
وعينها تطل
 على كامل الفراغ المحتدم
 بأنفاس صاخبة
من قال أن ليس للطاولة
من صلة نسَب بروحها النباتية
رغم الترحيل القسري 
من بلطة طاغية؟
طاولة قادرة على إدهاش الجليد
ليستحيل سائلاً 
يخفقان سيولة دافئة
بين يدين
عينين
رغبتين
تحرقان المزيد من الأوكسجين
تصيّره الطاولة بخاراً ثملاً
تصل حُباً فصيحاً
بين يدين يدين
بين عينين عينين
تصبح الطاولة شاهدة عيان
على صمت صاهل في الكثير منه
تتكفل بوصْل غير مسبوق
سطح الطاولة يتخلى عن صلابته
أي نعومة دافئة 
ناقلة للأحاسيس البينية تنفد فيه؟
أي وسيط سحري
يصل ما بين أيد أربع
تتوسط روحين هاذيتين
لحوار تغار منه اللغة
تنتظران لحظة تلاق
شكراً للروحين المتعانقتين وأبعد
تقول الطاولة
شكراً للطاولة ذات الكرم الحداثي
يقول قلباهما المحلقان
في طنجرة الرغبة التي
 تصفّر أنفاساً نفاثة عالياً 
بتسارع لافت
يتردد لهاث الصفير المتقد
 إلى مسافة بعيدة بعيدة
تتنبه له البرّية المأهولة بحياة 
على قدم وساق
وتشعل الضواري
 شمع الرغبة الوشيكة الحدوث
نخْب حياة مرتجاة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

في لحظة ثقافية نادرة، يتصدّر الموسيقار الكوردي هلكوت زاهير المشهد الموسيقي العالمي بعدد أعمال معتمدة بلغ 3008 أعمال، رقمٌ يكاد يلامس الأسطورة. غير أنّ أهمية هذا الحدث لا تكمن في الرقم نفسه، بل في ما يكشفه من تحوّل جذري في مكانة الموسيقى الكوردية ودورها في المشهد الفني الدولي.

فهذا الرقم الذي قد يبدو مجرّد إحصاء،…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

صبحي دقوري

يضع كتاب أزمة العالم الحديث لرينيه غينون قارئه أمام أحد أعمق التشخيصات الميتافيزيقية لانحدار العصر الحديث، تشخيص لا ينطلق من داخل الحداثة بل من خارجها، من أفقٍ تقليدي يرى العالم لا من زاوية التاريخ بل من زاوية المبدأ. غير أنّ هذا التشخيص لا يكتمل فهمه إلا إذا وُضع في موازاة جهود مفكرين كبار واجهوا…

ناصر السيد النور *

يدخل الروائي السوري (الكردي) والطبيب في روايته الصادرة مؤخراً عن دار رامينا اللندنية -هذا العام- إلى تجاويف سردية غائرة بدلالاتها السيكولوجية في تعبير جريء وشاخص لشخصياته روايته التي اتخذت مساراً سردياً يغلب عليه التفصيِّل في شمول سردي يتخطى أحيانا المساحة (الفضاء السردي) المتاح. بافتراض أن التطابق ما بين احالات النص السردي وقيمة…