إجراءات طارئة

إبراهيم محمود
-1-
المساء الذي قرصتُ شحمة أذنيه
” لعلّي بالغتُ في إيذائهما-
تنازل عن حقه مكرهاً
كان وجهه مخطوفاً بعتمة مصدومة
مطأطىء الرأس
بأن استعجلَ الصباح
-2-
الصباح الذي هززت على ظهره 
كرباجي العابس
اختفى وراء سحابة عابرة فضاء
متجنباً ألسنة موجية قاذفة
وليحتمي بجبل واثق من عرض منكبيه
وقمته المحجَّب نصفها
وهو فاغر فاه
مستغرباً مما يجري
-3-
الهواء الذي شددته
 في جديلته المنبسطة
تأوه وجعاً
وتقرفص مرتبكاً
وهو يميل جانباً
وأجَّل إعصاره
إلى إشعار آخر
-4-
النار التي هددتها بقبضة سائلة 
لا تعرف المزح
أجهضت قابليتها للاشتعال
وتهاوت على مؤخرتها الحلزونية
لائذة بسكون مهيب 
خشية وقوع معركة خاسرة سلفاً
وقد تراءى رماد مصقّع أمامها
-5-
الماء الذي كتمت أنفاسه بذراعيّ
جحظت عيناه
وانمحت معالم وجهه بالكامل
فألزَم موجه المتباهي الصمت
تجنباً لضربة قاضية محتملة
-6-
الطريق الذي ضغطت على رقبته
كانت تفاحة توشك على الانفجار
سحب رجليه سريعاً
وأسبل يديه جانباً بهوان صريح
وكاد أن يختنق
وهو يتكور على نفسه
وأنا أدحرجه بمزاجي المجاز
-7-
الشوك الذي واجهته برصاصة متقدة
انصعق للتسديدة الملقمة
انكفأ على نفسه
راجياً دبوسه العاري
التزام الركوع 
قبل فوات الأوان
-8-
الورد الذي دعكت ورقه
 ببعض القسوة وأكثر
بكى سائله بدمع مكتوم
وتداعى على قوامه
متمنياً ألا يحدث لسائله صدى 
يكلّفه كثيراً
-9-
الزجاجة التي هددتُها بمطرقة عاتية
إن حجبت بوزها كما تريد
ملوّحاً  بسدادة متجهمة
كان عنقها شاغلها الأكبر
وفتحت فاها على وسعه
متحاشية غطرسة المطرقة 
-10-
ذعر المصباحُ 
وأنا أهدده بسحب لسانه
ليلفظ أنفاسه في ثوان
إن لم يعمل بِطاقته الكاملة
كان دمه يضطرب في أسفله
وترتفع درجة حرارته 
ويتقد جلده الشفاف
ولسانه يشتعل حمرة عالية
-11-
أنذرتُ النهر
أنه إذا لم يضاعف رصيده
من احتياطيّه النبعي
سوف أعميه بسد
لا يعود قادراً على تلمس طريقه
ارتجت تربته
وهو يضغط على مؤخرته
طالباً خزانه العميق بالرفد دون تردد
-12-
اصفرت الشجرة
تملكتها قشعريرة
وهي تبصر منشاراً بيدي
والمسافة تتقلص بيننا
مهدداً إياها 
بوجوب إعادة دورتها الدموية
قبيل استدعاء الحطاب
لينفّذ المهمة العاجلة
-13-
برسالة ضوئية صاعقة 
أنذرت السحاب
إن لم يعبُر مخاضه المدلهم
بضحكات تعيد للأرض صبوتها
انكمش على نفسه قنفذياً
وانفجرت مساماته من الأعلى إلى الأسفل
وجسمه الأسطوري يرتجف كالرجّاج
-14-
قرّبتُ المقراص من الباب
وهو بعناده الأخرس
إن لم يأتمر قفله بتوجيه مفتاحي
لسان المقراص المندفع
أثار رعباً في مفاصله
في رفة جفن تقلقل القفل
وتباعد مصراعا الباب
نافضاً عنه غباراً تناثر في الجوار

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

بطبعة أنيقة وحلة قشيبة، وبمبادرة كريمة وعناية كبيرة من الأستاذ رفيق صالح، مدير مركز زين للتوثيق الدراسات في السليمانية، صدر حديثا كتاب “علم التاريخ في أوروبا وفلسفته وأساليبه وتطوره”، للدكتور عصمت شريف وانلي، رحمه الله. والكتاب يعتبر عملا فريدا من نوعه، فهو يتناول علم التاريخ وفلسفته من خلال منهج علمي دقيق لتطور الشعوب والأمم…

خلات عمر

في قريتنا الصغيرة، حيث الطرقات تعانقها الخضرة، كانت سعادتنا تزهر كل صباح جديد. كنا ننتظر وقت اجتماعنا المنتظر بلهفة الأطفال، نتهيأ وكأننا على موعد مع فرح لا ينتهي. وعندما نلتقي، تنطلق أقدامنا على دروب القرية، نضحك ونمزح، كأن الأرض تبتسم معنا.

كانت الساعات تمر كالحلم، نمشي طويلًا بين الحقول فلا نشعر بالوقت، حتى يعلن الغروب…

عبدالجابر حبيب

 

منذ أقدم الأزمنة، عَرَف الكُرد الطرفة لا بوصفها ملحاً على المائدة وحسب، بل باعتبارها خبزاً يُقتات به في مواجهة قسوة العيش. النكتة عند الكردي ليست ضحكة عابرة، وإنما أداة بقاء، و سلاح يواجه به الغربة والاضطهاد وضغط الأيام. فالضحك عنده كان، ولا يزال يحمل في طيّاته درساً مبطناً وحكمة مموهة، أقرب إلى بسمةٍ تخفي…

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…