لو إنني لم احبك كثيراً لما تركت مساءاتي تلبس ظلك ..!! رؤية خاطفة في قوافل المطر للشاعرة أفينا شكاكي (زهرة الحبق)

  الند ميتاني – قامشلو

عن دار الزمان بدمشق, صدر مؤخراً ، للشاعرة الشابة- الديركية- ( أفينا شكاكي)  باكورتها الشعرية الأولى تحت عنوان : (قوافل المطر) وهي تحتوي بين طياتها الذهبية على مجموعة قصائد متفاوتة زمنياً وفنياً وهندسياً , فإذ نتأمل عبر قراءة المدى الشاسع والواسع والفسيح لهذا التباين الشعري والإنساني والروحي في كوامن قصائدها وأشعرها.
تبدأ المجموعة بمقدمة قصيرة وملفتة للأستاذ عماد الحسن – يقول فيها : (رغم أن الشاعرة مغرمة بمحاكاة قصيدة النثر فالمغامرة لا تستدرجها في أن تجازف باللغة إلى مكنونات معتمة وظليلة فحين تبتعد بقصائدها عن ثنائية التوتر والتكثيف في بلورة تهشيم حيثيات الغنائية المحضّة والغوص المنحل تقترب في الجانب الأهم إلى الشفافية والوضوح بعكس الابهام والتعقيد ))
ربما أن هذه الرؤية بالذات تؤلب كثير من الإشكاليات الثقافية والمعرفية والشعرية في الحالة الراهنة و التي تخص حالة القصيدة الحديثة التي ذاعت شهرتها في الراهن الثقافي الكردي والعربي على حد سواء . لذلك طرحت افينا شكاكي حضورها وجمالية مفرداتها المميزة في وسط هذه الإشكاليات الشعرية المبهمة والمغبرة , تبوح افين شكاكي في( قصيدتها ) علناً وبصرخة شاعرة والتي عنونتها بـ( المثوى الاخير )..
لوانني لم احبك كثيراً
لما أفرغت أوجاعي
من الأنين
تركت أسراب الحمام
من على قلبي تطير ……  الصفحة ( 37 )
الشعر تجريب مغامرة هتك وكشف في المجهول ، والأساس في كتابة نص شعري جديد هو التمايز الواضح عن الآخرين. أن تكون مختلفاً هذا يعني انك لمست حجرة الإبداع .
فأفينا شكاكي رغم تأخرها كثيراً في إصدار مجموعتها الشعرية ( قوافل المطر) إلا أنها قدمت رؤية مختلفة للشعر وتكنيكاً مختلفا لبنية القصيدة الحديثة وماهيتها المعرفية والثقافية كل هذا عبر قوافلها المطرية… فمثلا قصيدتها …( نسيان ) تقول فيها :
أنا لا أكتبك
لكنني أقرؤك في شراييني
لا أفكر فيك
لكنني اخبئُّ وجهك بين قصائدي
لا اشتاق إليك
كي أعانق حنيناً ينبع من عينيك
وكلما أودعك
أنسى أصابعي بين يديك ……….. الصفحة ( 17 )  
فقوافل المطر  تعتبر مجموعة متميزة جدا إذا قارناها ، بتجربة مجايلها من المجموعات الشعرية التي تصدر هنا وهناك وخاصة في الجزيرة السورية ومن خلالها ندرك ونلمس واضحاً ، أن افينا شكاكي ، لها ادراكاتها العميقة لمسألة الحداثة الشعرية وادواتها الجدية في عالم الكتابة والتلاعب بالمفردات والتعابير ربما هي خطيرة إلى حد الممنوع .. في قصيدتها المعنونة بـ ( عنوان )       
اتخبطُ بين كلمات قصديدتي .
بحثاُ عنك
اعبر الفواصل
وهتاف المطر
لكنني أنسى دائماً
انك عنوان القصيدة … ( ص 29 )   
فقصيدة افينا شكاكي هادئ وحالمة جدا كما روحها الشفافة بعيدة عن الخطابية والمناسباتية ، وبعيدة كلماتها ومفاهيمها للشعر عن الاستهلاك الدارج العام والخاص ، فهي تخص روحها أولا و تلامس كينونتها  كإنسانة متمردة حتى الأفول في هذا الواقع المرير، التي هي جزء من هذا الخراب الإنساني المغبر الذي يسود كينونة البشر وغربتهم الطافحة إلى حد الجنون أو حتى المتاهة الروحية .ولقد جاءت في الصفحة الأخيرة من المجموعة( دعوة )
ملك انا حين تأتين
وحين اكتب نقش عينيك
على قلبي
وعلى الباب الكبير
لقاعة عرشي .       صفحة ( 57 )   
افينا شكاكي علامة مهمة في الحركة شعرية في الجزيرة السورية لا يمكن تجاوزها بالسهولة ، مذ انطلاقتها العلنية في عالم الكتابة الشعرية, قد نفهمها أو لا نفهمها وهذا بحد ذاته يطرح إشكالية خطيرة محملة بمناخات متعددة ودلالات غير مكشوفة في هذه الكونية الثقافية ، وبالتالي تشكل بؤرة شعرية صارخة ، في المشهد الشعري عموماً تعتمد أولا وأخيرا على طرح الجديد في الحداثة الشعرية غير دارج وتدمير الثابت كلياً الممنوع في هذا الراهن الثقافي الملغوم .
ـــــــــــــ     
قوافل المطر – مجموعة شعرية للشاعرة ( زهرة حبق ) أفينا شكاكي
الناشر : دار الزمان – دمشق
عدد الصفحات : 63
الطبعة الأولى 2006
ــــــــــــــــــ
العنوان :  مقتبس من المجموعة ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…