على هذه الصفحة الضوئية

إبراهيم محمود

على هذه الصفحة الضوئية
أمضيتُ عمراً أكنّ له تقديراً لائقاً به رغم مهامه الجسام
عاينتُ حياة وعاينتني حياة وتعلمتُ الكثير مما يبقيني في الحياة الحياة
أردت أن أكون لاتباهياً بالحياة، وإنما ما يكسِب الحياة لوناً، شكلاً، حجماً ومعنىً..
أمضيت بعضَ نهر من الحياة، وفيه تجلَّت حياة تقرّبني منّي وأخرج إليها بظلّ مناسِب
عمراً تسلسل في مئات ومئات من المقالات
في عشرات وعشرات من النصوص الأدبية
أدخلني عالماً رحباً رغم وعورة المداخل والمخارج
ما يستحق من الاهتمام والتذكير
ما يستوجب تأكيد الشكر للمعنيين بها
تكوَّن لي أهل
يا لهم من مضيافين
عرفتُ أحبة عن بعد
أحبة عن قرب
لا مصافحة مباشرة بيننا
لا تناظر حسياً بيننا
لم نلتق ولا في حلم عابر
لم نتبادل السلام ولو سهواً
لكن جودة الأهلية
ونكهة الشعور الفائق بهم
مؤثرتان في هذا النوع من العلاقة بنسبها الالكتروني” الانترنتي “
وهم يتوزعون في جهات متباعدة
كما لو أنهم كستناء القلب
كما لو أنهم الجوز المنضد بسمات الأهلية
كما لو أنهم نكهة التشارك في مأساة ناضجة بديناميكيتها الإنسانية، وليس الكردي بالمعنى الضيق طبعاً. فما أكثر الذين برعت الصفحة هذه في اختبار معدن انتمائهم في مماحكاتهم المضحكة.
أي نوع من الجماد هذا الذي يتلقى أثر الكتابة
أي نوع من الجماد هذا الذي يبث صدى الكتابة
أي نوع من الجماد هذا الذي يصبح ثلاثي الأبعاد
ويكوّن تجمعاً لا صلة قربى بين أفراده لكن قرابته معتبَرة
من قال أن الجماد معدوم الروح ؟
على هذه الصفحة الضوئية
ما أكثر الذين كنت أعرفهم
ما أكثر الذين بدأت أعرفهم
وهم في أعمار متباينة
ومنهم ذوو أعمار ربما في مؤشّرها الأخير
كم قرّبت هذه الصفحة وجوهاً من عالم غير مسمى
ومع الزمن زادت اقتراباً
كم أبعدت وجوهاً وما كان أقربها مني
لعلها الحياة التي تعلّم هنا وهناك
بالنسبة للذين آثروا ” ركوب ” رؤوسهم الضخمة الثقيلة على أكتافها
كم أسهم هذا الجماد الضوئي في تقدير أعمارهم العقلية
يا لبؤسها، يا لهزال قوامها العقلي، مقارنة بأعمارها الفعلية
تلك هي شهادة الصفحة التي لا صلة لها برشوة ما
بتهديد ما
بمراوغة ما
لعلها نظيرة مرآة في إظهار ما هو مودَع لديه
ما أكثر الذين عرفتُهم ثم عرفتهم كما لم أعرفهم من قبل
ربما لا تكفيهم أعمار إضافية ليكتشفوا أنهم دون مستوى أبسط اسم يشير إليهم
يظهرون خلسة بإشارة تعرّي فيهم وقارهم اليومي 
ينبرون وراء عبارة عرجاء بصور تشهّر في خوائهم
ما أبلغهم بلاهة في لـ” لايكاتهم ” لمن يستحقون مجرد النظر إليهم، سوى أن كثافة البلاهة تمثّل العلامة الفارقة على هذا الانخساف الداخلي.
يا لـ” لايكاتهم ” الموزعة هنا وهناك دون حساب بغية كيدية دون رصيد
ويزعمون أنهم ذوو تآليف وخلفية ثقافية
ولهم وطن ينتمون إليه 
ولهم هوية اثنية يشددون عليها
وفي كل ما يتحركون باسمه ليس سوى الهباب
صغائر سلوكياتهم تشهد ببراعة على ضآلة حجمهم في الداخل
ينسون أن مجرد تسطير حرف واحد، اسم معين، ينقل صورة داخلية لهم بفقاعيتها
هوذا مكسب آخر من حيث لا أحتسب وراء صنيع مخجل يُري قطيعاً أنيقاً معمراً ودون ظل..
يا للكردية ” المنفاخة ” التي لا تخطىء في تسميتهم الواحد تلو الآخر
شكراً شكراً شكراً لهذه الصفحة الضوئية التي قادتني إلى معرفة نفسي أكثر فأكثر
لا أحد أسمّيه على هذه الصفحة، كلٌّ مسمّى لحظة إمعان النظر، كل له وجهه المترجِم لمدى امتلائه بتلك الحياة التي تمنحه الاسم الاسم إلى مدىً يتجاوز حدود الصفحة وكل الذي شغلوها أو دخلوها وما خرجوا، أو تسللوا إليها وتبلبلوا أو مرّوا بها وخرجوا سريعاً سريعاً تبعاً لقاماتهم، أو خرجوا ولم يتركوا سوى نتف من ظلال أو أصوات متقطعة لا تكفي لمجرد النظر إليهم..
على هذه الصفحة الضوئية ثمة حياة لا يعلم بأمرها إلا من أدرك معنى الخروج إلى الحياة…!
ملاحظة : أعني بهذه الصفحة ” صفحة ولاتى مه ” التي أكتب فيها منذ أكثر من عقد من الزمن ودون انقطاع.. إنها تجربة قائمة من خلال كتابة تعنيني، وكتابات آخرين، وتعليقات هنا وهناك!
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

شيخو مارس البورتريه وأتقن نقله، بل كاد يؤرخ به كسيرة ذاتية لأصحابه. لكن روح الفنان التي كانت تنبض فيه وتوقظه على امتداد الطريق، أيقظته أنه سيكون ضحية إذا اكتفى بذلك، ولن يكون أكثر من رسام جيد. هذه الروح دفعته للتمرد على نفسه، فأسرع إلى عبوات ألوانه ليفرغها على قماشه…

فواز عبدي

 

كانت شمس نوروز تنثر ضوءها على ربوع قرية “علي فرو”، تنبض الأرض بحياةٍ جديدة، ويغمر الناسَ فرحٌ وحنين لا يشبهان سواهما.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتمشى بين الخُضرة التي تغسل الهضاب، نضحك، نغني، ونحتفل كما يليق بعيدٍ انتظرناه طويلاً… عيدٍ يعلن الربيع ويوقظ في ذاكرتنا مطرقة “كاوى” التي حطّمت الظلم، ورسمت لنا شمساً لا تغيب.

مررنا…

 

نارين عمر

 

” التّاريخ يعيد نفسه” مقولة لم تُطلق من عبث أو من فراغ، إنّما هي ملخّص ما يحمله البشر من مفاهيم وأفكار عبر الأزمان والعهود، ويطبّقونها بأساليب وطرق متباينة وإن كانت كلّها تلتقي في نقطة ارتكاز واحدة، فها نحن نعيش القرن الحالي الذي يفتخر البشر فيه بوصولهم إلى القمر ومحاولة معانقة نجوم وكواكب أخرى…

محمد إدريس*

 

في زمنٍ كانت فيه البنادق نادرة، والحناجر مشروخة بالغربة، وُلد غسان كنفاني ليمنح القضية الفلسطينية صوتًا لا يخبو، وقلمًا لا يُكسر. لم يكن مجرد كاتبٍ بارع، بل كان حاملَ راية، ومهندسَ وعي، ومفجّر أسئلةٍ ما زالت تتردد حتى اليوم:

“لماذا لم يدقّوا جدران الخزان؟”

المنفى الأول: من عكا إلى بيروت

وُلد غسان كنفاني في مدينة عكا عام…