أحمد مرعان
المنافسة التجارية تستدعي عرض البضائع بأسعار منافسة للسوق المحلية، لجلب الزبائن والتمدد بالسوق ريثما تتقبل عقولهم الفكرة وتستقر الحالة النفسية، حتى ولو ازداد السعر عما كان عليه في بداية الطرح، يبقى الشعور الخفي بالرضا قائم خاصة إذا كان التعامل سلسغ إلى حد ما، إضافة إلى مراعاة الحاجة إلى الاقتراض الزمني، ناهيك بأن التاجر يظهر لك معاناته وربما خسارته وعطب بعض البضاعة والمشاكل التي يواجهها مع الجهات التي يستورد منها، وبيروقراطية التعامل معهم ..
ثمة من يتعامل بحذر جزئي أو كلي، ويراعي مصالحه الذاتية لدراسة الوضع المادي بجدية، ويملك القدرة على التحكم بما هو ملزم وضروي وما هو كمالي لا يستدعي شراؤه الآن، وثمة من ينخرط بالاستجرار دون النظر ما سيكلفه من دفع فوائد، ليرزح تحت الديون، ما يضطر إلى عرض ممتلكاته للبيع بأرخص الأثمان لاستيفاء الدين، فيما لو التقى بمن يساومه على الشراء ..
ما أريد قوله: يجب دراسة الوضع القائم والتوازن بين المداخيل والصرف الضروري ( إدخالات وإخراجات ) كي نكون على علم بوضع جدوى اقتصادية للميزانية، هذا على مستوى الأسرة بأقل تقدير ..
وقس هذا على مستوى العلاقات الدولية التي بدأت تأخذ منحى مماثل لفرز العالم اليوم إلى عملاء يخدمون مصالحهم كتعامل المجتمع مع التاجر ..
وما الحروب التي قامت وتقوم وستقوم إلا تبتغاء مرضاة الطغاة، وإطلاق صفارة البداية لجني الأرباح ، وما المتحاربون سوى جناة حمقى تدور بهم رحى الطواحين إلى الضياع، وفي النهايات يستغيثون بالجناة لعلهم يتنفّسون الصعداء والبقاء على قيد الحياة ..
وما العالم اليوم إلا تقاسم الأدوار على حلبات الصراع عند متعهدي ضمان الساحات، أصحاب صناع القرار، وهم يدركون النتائج قبل بدء المباريات، بيدهم مفاتيح الأبواب الموصدة ، يفتحونها متى ما شاؤوا، ويغلقونها كيفما شاؤوا، الكل رهائن وفرقٌ مشاركة رغما عنهم في دوري التلاشي بعبث وعبء المكان، دون تحضير وتدريب أو استعداد ..
يتنافس الكبار ، والضحايا صِغار لأنهم لا يملكون القرار، ومن يخذلهم يتعرض للفرار والتشرد من الديار، حيث التهم جاهزة والمواثيق محفوظة في أرشيف الإدانات، الكل متهم، والإثارة بالثورة عارمة تطيح بكراسيهم المهزوزة ، التي صنعت بأيديهم الماهرة ، فإلى أين المفر، جحيمكم في الدنيا نار مستعرة ، أموالكم أولادكم رهائن في بلادنا محجوزة ، ليس لكم إلا الطاعة يا أصحاب السيادة ، وإلا مصيركم إلى المجهول ، ويلعنكم التاريخ عاجلا أم آجلا ويرميكم إلى المزابل بلا هوادة..
دولٌ تغنت بالسيادة ، وكذلك يتنافس المتنافسون ، وما هي إلا دولٌ عظمى تتقاسم المنافع والريادة ..
الضحايا بعشرات الملاين لحروب مضت، وشرارتها لا تستحق هذه الأحقاد، أنما تنخرط خوفا من استغلالها أو طمعها في معمعة الأحداث لتكون لها حصة من الغنائم أسوة بغيرها في لحظة الاتقضاض ..
الصراع قائم، وما التدخلات الجارية ممن تسمى بالدول العظمى لترمي بوصاياها وتقاسم الكعكة، وما الحروب القائمة الآن إلا لوضع فرضيات المؤامرة، وتقسيم مناطق النفوذ قبل غيرها، وما الأطراف المتقاتلة إلا ضحايا بالنيابة عنهم، فهي سوق تصريف للأسلحة والتنافس بالوكالة، والرزح تحت الديون الطائلة، والإستسلام للآليات التي تفرضها تلك الدول، فأصبح العالم رهينة بيد هؤلاء المتنفذين المتمرسين في الأبراج يلتقطون كل حركة على حد سواء مذيلة بإدانة محسوبة للبقاء بأمد زمني حتى تستنزف الخيرات الظاهرة والباطنة على حد سواء، وهي من تملك الإرادة والإدارة في التوجيه والبقاء ردحا من الزمن، ريثما تتبدل تكنولوجيا المعلومات، وتسود مظاهر آخرى لأسلوب الحياة، ربما ترفع عنهم بعضا من لوائح العقوبات إن شاءت، والتكهن بالغيبيات في هكذا مواقف ليس من حق أي أحد، إلا الساسة في العالم الذي فقد شرعيته، فأصبحت القيم والمبادئ الإنسانية النبيلة التي باتت جزءا من الماضي تسرد كحكايا أسطورية لم يتخيلها الجيل القادم ولم تناسب مستوى تفكيرهم وقناعاتهم وتطلعاتهم المستحدثة ..
إننا أمام مجريات أحداث تتسارع مع الزمن، ويقبلها العقل بأريحية دون اعتراض ، أو حتى إبداء ردة فعل حيالها، فقط الاقتصاد من يحرك المجاديف في قارب النجاة نحو مستقبل مبهم المعالم، ويفوق حد التصورات بالخيال الذي يقرأ الصراع المحتدم اليوم، دون التفكير بماهية التاريخ القادم ..
هذه المفارقات تخلق حالة نفسية تقارع ديمومة الحياة الآنية ، دون التكلف أو حتى المحاولة في البحث عن إيجاد فرص مفتوحة الإحتمالات لغدٍ أكثر أمنا واستقرارا ..
كم أصبحت الحياة مقيتة لعدم جدوى الأمان لقادم الأيام، على المستوى المعيشي والسياسي والعسكري والاجتماعي والثقافي والإنساني بشكل عام، أصبحت قوانينها تترنح للانقياد إلى شريعة الغاب ..