جوزيف مختار من متاهة البياض إلى متاهة الغياب

غريب ملا زلال  

” العالم ليس لي وحدي، إنه لي و لكل من يسكن هذه الأرض ” مقولة قالها التشكيلي السوري جوزيف مختار ( 1930 ) و تلخصها كل أعماله، مقولة فيها من الإيحاء ما يجعلها ترسانة قبول للإحالات و الأطياف، ترسانة قبول المختلف و كل تلك الأنساق المحولة منها و الثابتة، و التي يمكن تحديدها بالرغبة المتعلقة بحالة سكونها في لحظة مخاضها من المعنى و اللامعنى . 
جوزيف مختار ينتشي تماماً من الحقول التي مرً بها، و حملها معه بكل أبعادها و ألوانها و رائحتها، فمن حلب حيث ولد حمل إيقاع قدودها كحصيلة ممكنة من مفاهيمها و ما يحدد الفعل المنتج كسيرورة مركبة تنتج دلالاتها بالطريقة نفسها و هي تنسج لحظاتها على نحو إبلاغي، إلى الحسكة التي صاغها و وجوهها بحواس مكتفية بذاتها مما جعله يتخذ من إيقاعاتها المختلفة، بملامحها و علاماتها المتباينة و المروية بتراب و ماء، و لها طعم مختلف و مغاير، إلى كندا حيث يقيم و التي فيها رضع الغياب و الغربة و التي كادت تحوله إلى شيء خارج المفاهيم، بين هذه الأمكنة الثلاث راح مختار يتأمل الحالات المتنوعة و يربط الكيانات ببعضها وفق خلاصات معينة تفسر نصه بوصفه وحدة منسجمة دلالياً، غير محدودة زمكانياً، و يرسم الوجوه التي علقت بذاكرته، بعلاماتها و أشكالها الهندسية القادرة على إنتاج دلالتها بتداول علاقاتها وفق تصور إشتقاقي ذهني ما يجعله يبني بينها سلسلة من العمليات الإدراكية التي ستقوده حتماً نحو تثقيب الذاكرة و الإلتقاط منها و من مخزونها ما يمنحه موقعاً داخل ثقافة ما .
جوزيف مختار يشتغل على رسم معالم لها إمتداداتها ضمن وجود المادة التعبيرية ذاتها.، فهو يحيل روابط الأشياء بأقواسه الكثيرة إلى أشكال لها إبلاغاتها تبعاً لوقائعها و ما تفعله في الأشكال من صياغات تحدث التحقق و فعله بوصفهما وحدتان معنويتان في حدود الواقعة ذاتها بغض النظر عن العناصر المشكلة لها في تنظيم سياقها الخاص، السياق الذي سيحقق لأشكاله تلك حالة معطاة في حدود نواياه و زمنها، و في ضوء ذلك يمكن لمختار أن يقود منحنياته بعملياتها المتتالية نحو تحققات أخرى ممكنة، مرتبطة على نحو ما بنظام قيمي عام مع إفتراض وجود فضاء إنساني خارج حدود زمنه، و هذه معرفة جديدة منها قد يتسلل مختار نحو إشتقاقات أخرى ستثير إهتماماتنا في حدود زمنها الإنساني، و تجعله قادراً على السير بإنحياز في جهة معينة لإنجاز أشكال خاصة قابلة على إنتاج مقولات ذات حمولة معرفية و جمالية، و هذا ما يمنحه خصوصية الإرتباط بنسق الوجود و إدراكه، و إن في مساره التأويلي الذي يحمل مصالحة ذاتية بينه و بين نفسه، و بينه و بين الممكنات الأخرى .
و يمكن القول إن جوزيف مختار، و في كل حركاته الهلالية، في كل منحنياته، القصيرة منها و الطويلة، الصغيرة منها و الكبيرة يدون سجلاً من الأشكال التي فيها من التواصل الدلالي ما يكفيه ليعبر عن ضفافه كحصيلة لوجود ذات مبصرة قادرة على البرهنة مشهدياً بأن طبائع حالاته لا تقتصر على الرؤية الأفقية بل تبتسم للرؤية الرأسية / العمودية فيها تسكن مجمل عوالمه الحسية التي تنتمي بدورها لثقافة مختلفة و خاصة، ثقافة مزاميرها تتدفق فيضاناً من الحب و الهروب إلى الإنسان النابض بروح الرب، و غالباً ما تكون حاملة لأحلام هي القيم الجمالية التي يودع فيها مختار إنحناءاته الروحية و الباحثة عن وطن متنقل لينام فيه .
مختار دائماً يطرح على قارئه تساؤلات هي بكثرة الندى على أوراق الربيع، تساؤلات فيها من الإسقاطات البصرية و الحسية ما يجعل حركة تكويناته في أشدها و كأنها زخم من معطيات فنية ترغب في الولادة دفعة / دفقة واحدة، و هذا الأمر يجعله يسعى بلوحته نحو الصدى لتلك السيرة الناقصة لعتمة العتبة لأشيائه التي تواجه متاهة الغياب و متاهة البياض، فهو لا يكتفي بإعطاء اللوحة زخماً من القلق و الإضطراب و لو للحظات بل يتنقل بها بين أمكنة الذاكرة بألوان متفجرة قد تشكل عوالمه الجمالية بتطلعاتها الهاجسية بلا أي إرتباط إلا بمناخ فيه الكثير من هويته غير القابلة للتجريد، فهو يضفي الكثير من البنى الهندسية ( منحنيات، مثلثات، مربعات …..إلخ ) كأشكال تراكمية لتجلياته اللحظية و الإيحائية تعوم في فضاء حر و متداخل في الآن ذاته ليواجه نفسه و الحياة بتأملات مرمية كصراخ يحمل من التغيير الكثير، و يزداد درجة هذا التغيير كلما دق الناقوس ممجداً الحب و الإنسان .


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شكري شيخ نبي (ş.ş.n)

 

يوشوش المطر

يوسوس المطر

كأن القلب به شطر

بصرخة الهزيم

في حمحمة الحلم ..!

أ.. تكون صدى الله

في كمأة الحب ..؟

أو صدى الوجس

في إغواء أبليس ..!؟

لا يقين ..

لا وجه للسفين ..

سوى نمنمة هسيس وشوشة المطر…!

 

يوشوش المطر

يوسوس المطر

كأن القلب به طفر

وقال المطر :

أنا طريد السماء

أحلت دمي

عندما رأيت أبليس

صامت في حبه كالصنم ..؟

لا شهيد ..

في السماء سوايا

أنا من ..

اعتليت صهو المنايا

وأوقدت نار…

تُعتبر الصحافة مرآة تعكس حياة الشعوب وتطورها، ولا يقتصر دورها على نقل الأخبار والأحداث فحسب، بل تتجاوزه لتكون أداة أساسية في بناء الثقافة، وصون اللغة، وتشكيل الهوية.

بالنسبة للشعوب التي لا تمتلك كياناً سياسياً مستقلاً كالشعب الكوردي، تكتسب الصحافة أهمية مضاعفة، إذ تتحول إلى وطن متنقل لمثقفي الأمة ومنبر رئيسي للحفاظ على إرثها الثقافي ونهضتها الفكرية.

وفي…

بنكين محمد
شعبٌ إذا أراد أن يتكلم،
يصمت العالم ليعرف ماذا سيقول.
وإذا أراد أن يغضب…
ترتجّ الأرض تحت أقدام الذين اعتادوا رمي الحصى من قاع الجُبِّ نحو قممنا العالية.يقولون: نشوّه صورتهم
فليجرّبوا.
فالماءُ لا يتسخ من يدٍ غارقة في الوحل،
والجبلُ لا تنال منه صيحاتُ من يعيش في ظلّه.نحنُ قومٌ
لم نتاجر بخوف طفل،
ولم نُسقِط امرأةً تحت سيف،
ولم نُلَبِّس تاريخنا ثوباً ليس…

ا. د. قاسم المندلاوي

توفي يوم الاربعاء المصادف 24 نوفمبر 2025 احد ابرز نجوم موسيقى وغناء الكورد الفيليين الفنان ” خليل مراد وندي خانقيني ” عن عمر ناهز 78 عاما … وبرحيله تخسر كوردستان عامة و خانقين ومندلي وبدرة و خصان ومنطقة كرميان خاصة صوتا قوميا كورديا كلهوريا جميلا في الغناء الكلاسيكي الكوردي الاصيل نسئل الله الباري…