مكاشفات الأعمى

إبراهيم محمود
هذا النهيق المترامي الأطراف
لا يدعني وشأني
يلاحقني حتى عزَّ نومي
يهتز الفضاء
من وقع الحمير المأخوذة بدبكاتها
على مدار الساعة
وفي الهواء الطلق
رغم أنف الحجر
***
هذا النقيق الذي أخرسَ النهر كثيراً
أشكل عليَّ سماع الهواء
أحال دون رؤية الطريق الصاعد إلى الغد
في هسيسه
أي سلالة ضفادع تفقست
لتجمد الأشجار في ذهول مما تسمع ؟
***
هذا النباح يتسرب إلى زوايا بيتي
إلى دهاليز أذني
إلى أعالي خيالي رصيدي الوحيد
أي وقاحة تمثّلها ليكون لها هذا الحضور
أي استنبات كلاب ألجم اللغة
يا لأرض تعرت على وقع صداها
كيف لي أن أعزل صوتي عن المستنبحين
***
هذا العواء أضاع على حلمي الليلي طريقه إلي
ذاكرتي يثقلها الحنين إلى شرفة مؤكسجة
قلبي مرتاب في كل أغنية حب
تعلمني صخرة في الجوار أن الأرض فاقدة وعيها
يدي تخشى التلويح لنجمة على هامش ليل مضطرب
كيف لهذه الذئاب أن تمارس سفورها في وضح النهار
كيف لي أن أصطحب حفيدتي إلى حديقة مجاورة شبه مهجورة
***
كيف صودرت الحمير من نهيقها
الكلاب من نباحها
الضفادع من نقيقها
الذئاب من عوائها
بمثل هذه الهندسة غاية في التسارع والمحسوبية
كيف لهؤلاء الذين أعرفهم بأسمائهم الثلاثية
أن استحمروا 
أن استكلبوا
أن استفضدعوا
أن استذأبوا
أن تناسلوا بذكاء صناعي يتنكر لأصولهم
رغم أنف الجينات الطبيعية
***
هذا الظلام الذي يكاد يعمي خطاي
الظلام الذي ألهم روحي حتى الأمس القريب
بالكثير مما يطرب له أفق من بعيد
يدكّ الإسفين بيني وبيني
بين عيني وعيني
بين مني وعني
بين شرياني ووريدي
أي صفاقة لليل الذي استغرق بلاداً بكاملها
ليغشى على الصباح إلى أجل غير مسمى؟
***
هذه العفونة التي احتكرت الروائح
مارست قيمومتها عليها
ركّعت الأنوفَ لها لتتنفسها طرباً
كيف لاكتساح القاذورات هذا
أن يجعل الينابيع تحبس أنفاسها
أن تفارق الحدائق خفة أخضرها؟
أن تنذر الأكسجين في عقر دارها
وتعدُ الخرائب بالمزيد قريباً جداً
***
هذه الأرصفة التي هربت من مدنها
هذه الأضواء التي تحررت من مصابيحها
هذه الساحات التي تسربت خارجاً
هذه السطوح التي اتشحت بوحدة أفقدتها رشدَها
هذه البيوت التي أقفلت على نفسها فجأة
أي تاريخ سيدوَّن برعاية خرائب تقاسمت الحياة
وثمة من يمجد لشمس من رماد برد جداً
وسماء تاهت غن نفسها بغير حساب؟
***
كيف لي أن أقيم علاقة مع نجم
عبر سمسار لا يقيم للضوء وزناً
كيف لي أن أعاين روحي بنبع زلال
عبر مُراب ٍ معترَف به مسكون بفوبيا الماء الزلال
كيف لي أن أدعو بلبلاً إلى ضيافة وحدتي
بإذن من مربّي الطيور الجارحة
***
أين لي بطريق غير موصّى عليه بحاجز شؤم
أين لي بهواء لا يقود إلى كربون مستفحل
أين لي بصباح ليس في عهدة ليل يكره الساعات
أين لي بِلي إذ أقودني إلى عمري المتبقي 
في هيئة ذئب ينتظر رحيله
 على هامش قطيع جائح

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن حديثاً المجموعة القصصية “تبغ الفجر” الشاعر السوري الكردي علي جازو، في كتاب يضم اثنتين وعشرين قصة قصيرة تتنوع بين النصوص اليومية المكثفة والمقاطع التأملية ذات الطابع الشعري والفلسفي.

تتّسم قصص المجموعة بأسلوب سرديّ دقيق، يبتعد عن الزخرفة اللغوية ويميل إلى الكتابة من الداخل. الشخصيات تتحدّث من دواخلها لا من مواقفها، وتُركّز…

خوشناف سليمان ديبو

 

يُعد الأديب والفيلسوف الروسي فيودور دوستويفسكي من أبرز وأعظم الروائيين في تاريخ الأدب العالمي. فقد أدرِجت معظم أعماله ضمن قوائم أفضل وأهم الإبداعات الأدبية وأكثرها عبقرية. وتكمن أعظم ميزات أدبه في قدرته الفذة على سبر أغوار النفس البشرية، وتحليل خفاياها ودوافعها العميقة. قراءة رواياته ليست مجرد متعة سردية، بل رحلة فكرية وروحية تُلهم…

غريب ملا زلال

شيخو مارس البورتريه وأتقن نقله، بل كاد يؤرخ به كسيرة ذاتية لأصحابه. لكن روح الفنان التي كانت تنبض فيه وتوقظه على امتداد الطريق، أيقظته أنه سيكون ضحية إذا اكتفى بذلك، ولن يكون أكثر من رسام جيد. هذه الروح دفعته للتمرد على نفسه، فأسرع إلى عبوات ألوانه ليفرغها على قماشه…

فواز عبدي

 

كانت شمس نوروز تنثر ضوءها على ربوع قرية “علي فرو”، تنبض الأرض بحياةٍ جديدة، ويغمر الناسَ فرحٌ وحنين لا يشبهان سواهما.

كنا مجموعة من الأصدقاء نتمشى بين الخُضرة التي تغسل الهضاب، نضحك، نغني، ونحتفل كما يليق بعيدٍ انتظرناه طويلاً… عيدٍ يعلن الربيع ويوقظ في ذاكرتنا مطرقة “كاوى” التي حطّمت الظلم، ورسمت لنا شمساً لا تغيب.

مررنا…