روجين حاج حسين… إيقاع متناغم في عناق اللوحة واللون

نصر محمد / المانيا
وكأنما ولدَتْ من بطن الفن، أو كأنها سليلة الريشة واللون، فنانة بالفطرة، تعتمد على عالمها الداخلي وشعورها الباطني، فتترجم ما يختلج دواخلها إلى لوحات تتكلم فصاحة عن روح حالمة متمردة معطاءة في آن، هي ابنة قامشلو، والمقيمة حاليا في هولير، الفنانة التشكيلية الكردية “روجين حاج حسين” وهذا حوارنا معه لإلقاء بعض الضوء على تجربتها الفنية:
ـ روجين الإنسانة والفنانة كيف تعرفينها، ومتى عانقت ريشتها اللوحة؟
*روجين الإنسانة هي نفسها الفنانة، ربما امتزجت روحي بالفن على غفلة مني، ربما خلقنا معا بروح واحدة وكبرنا معا، الشيء الذي أدركه تماما تلك الروح الصغيرة، التي جبلت بالكثير من الفن والإنسانية المرهفة، والفن الوسيلة الوحيدة للتعبير عنها.
 ـ تختبئ داخل كل مبدع روحه الطفولية، التي تظل تلازمه، وتمثل مصدر الدهشة، التي لا تنتهي، ماذا تبقى من الطفلة داخل روجين؟
* الطفلة التي كانت تحمل الواناَ صغيرة بسيطة لواقعٍ كبير، الآن تحمل ألواناً كبيرة لواقع صغير ومعاناة أكبر، تأثرت بالطبيعة، وأشكال البيوت، والشوارع، ومعاناة الأرواح، التي كانت تصادفني منذ طفولتي، يا للهول كيف لي أن أصنع رغيف خبز لجائع، ومعطفاً لفقيرٍ يرتجف من البرد، كيف لي أن أرسم ابتسامة لأم فقدت فلذة كبدها، وعكازة لأبٍ أنهكه الدهر ولقمة العيش، كنت أشتاق دوما لمزج الألوان بشكل عشوائي دون معرفة، وكيف للخطوط أن تتشابك، تتعارك، تنسجم، حتى تجسد الخيال الصاخب، الصامت في رأسي على الورقة البيضاء الصغيرة، والتي تبث فيها الروح.
ـ ما الذي يثير اهتمام روجين حاج حسين بالرسم؟ وما المغريات التي تفرضها عليك مساحة اللوحة وبياضها؟
* طبعاً ما يثير اهتمامي أني أستطيع أن أخلق عالماً جميلاً أكثر عدلاً وسعادة وحرية، أنا هنا لا أتكلم عن روجين، بل أتكلم عن معاناة شعبٍ كامل وأرواح تمثلني، أتكلم بصوت أعلى عن آلامهم، وأحلامهم، ورغباتهم، وحريتهم المفقودة، مرسمي هو الفضاء، الذي أحلق فيه بألواني، التي تكسر قيودي وتشرع لي أبواب الحرية، إني أرى الألوان بشكل مختلف تماماً، إنها أرواح تعيش معي، نضحك، نتخاصم، تارة تغلبني وتارة أغلبها، إلى أن تكتمل اللوحة وتنتهي بنشوة الإنجاز، علاقتي بالفن هي علاقة عاشق ومعشوق، إنها علاقة عشق سرمدي بيني وبين ألوان لوحاتي وفني.
ـ وأنتِ في مرسمكِ، ما الذي يحفزكِ ويدعوكِ للإبداع؟ وما المساحة واللون التي تفضلينهما؟
* أرى مرسمي غرفة عمليات لروحي، ولأرواح أراها في الواقع أو أشعر بها، أستطيع من خلاله أن أنجز عملاً هادفاً جميلاَ، يستطيع المشاهد أن يلمسه بقلبه وعقله قبل عينيه، يرى نفسه بروح كاملة افتقد أجزاء منها في ساحات كبيرة من الواقع، وعثر عليها في المساحة الصغيرة للوحاتي، هذا الشيء يدعو للتأمل والإثارة، أستخدم طبعاً في لوحاتي أدوات متنوعة مختلفة من الطبيعة وأيضاً الأسمنت، والجبصين، وأفضل ألوان الأكرليك والزيتي والباستيل، هدفي هو أن أحصل على ما هو ملائم وأكثر جمالية للشكل، الذي أريده، وأحياناً أستخدم في لوحة واحدة أنواعاً متعددة من الألوان والأدوات حتى أحصل على المراد، بالنهاية الفكرة وجمالية المنظر هي الأهم من نوع المادة.
 ـ ما رأي الفنانة التشكيلية روجين حاج حسين بالثقافة الذكورية المنتشرة في المجتمعات الشرقية، والتي تمعن في الحط من قيمة المرأة، ومكانتها وبممارسات وأقوال لا حصر لها؟
* المرأة مخلوق جميل، والفن جمال، لا نستطيع أن نفرق بين المرأة والفن، كل امرأة قادرة على أن تكون لوحة تتفرد بلونها وشكلها عن الأخرى وتميزها عن غيرها، هي قادرة أن تكون المحور والأساس، وأن تصل إلى أبعد الأمكنة بجمالها، وأنوثتها، وفكرها، وطموحها، ليس لها حدود في العطاء، هي منبع الحب، فأنا لست مع فكرة أن المرأة هي كل المجتمع، لأن المجتمع هو رجل وامرأة، لا يكتمل أحدهما دون الآخر، مهمة المرأة أن تمنح الجمال والخصب، أما مهمة الرجل هو الحفاظ على هذا الجمال والاهتمام به، علاقة الرجل والمرأة هي علاقة اللوحة واللون، والنهار والليل، والورد والمطر، والمطر لا فائدة له دون أن تزهر الأرض بقطراته؟ أعتقد بأنهما نصفان مكملان للعشق، العشق لا يكتمل بواحد دون الآخر، والحياة لا تكون حياة دون حب وعشق.
ـ لكل مبدع ومبدعة قضية يحاول الوصول بها إلى وجدان وعقل القارئ، ما قضية روجين حاج حسين الأولى؟
 * قضية روجين الأولى طبعاً الإنسانية، والعدالة الإلهية، والحقوق، التي تجعل هذه الحياة جديرة بأن تعاش، ما رأيناه ونراه في هذا العالم، يترك فينا ندوباً موجعة كالظلم، والفقر، والتشرد، والحرب، هذا هو وجعي الأكبر، هنا طبعاً لا أتكلم عن نفسي وشعبي حسب، إنما أتكلم عن شعوب العالم أجمع.
 ـ هل يجب على الفنان التشكيلي أن يكون مطلعا على الأعمال العالمية بشكل مستمر؟ وهل يؤثر ذلك على إبداعه؟
* التأثر بمن حولي هو جزء مهم من الإبداع، جزء مهم من الفنان بالتأثر بكل ما حوله، هذه الرؤية تكوّن لها احتمالات وأفكار جديدة يستطيع من خلالها تكوين مادة مبدعة تحل مشكلة ما، يستطيع من خلالها أن يوصل فكرة ما صعب عليه أن يوصلها، وتكون أكثر وقعاَ من الكتابة والكلام.
ـ هناك مدارس للفن التشكيلي مثل الكلاسيكية، والتكعيبية، والواقعية، والتجريدية، والسريالية، فإلى أي المدارس الفنية تنتمي روجين حاج حسين؟
 * كل فن له جماليته، وتأثيره، وإبداعه، اعتقد أن الفن هو يختار الفنان حسب تأثره بالواقع والحاضر الذي عاشه، وهذا ضروري جداً في المجتمعات، التي تحاكيها بزمنها، وبماضيها.
يغلب على لوحاتي الطابع السريالي الواقعي، فأرى روحي كثيراً في التجريدية، التي هي تكوينة جديدة وبناء أفضل للمجتمع والفرد بشكل خاص، هي تعبر عن عمق الإنسان، وجنونه، وعقلانيته، إنها مساحة أو أرض لا حدود لها من الحرية والإبداع والابتكار، الفن يكسر القيود والتقاليد، التي تحجم جمالية الفكر والروح، أعتقد إن لم تكن حراَ في الفن فلن تكون حراَ أبداً.
ـ يقول النحات والرسام الإسباني بابلو بيكاسو الرسم طريقة أخرى لكتابة المذكرات، هل تعارضين أم توافقين هذا المعتقد ولماذا؟
 * الرسم هو طريقة لكتابة المذكرات، هذه ليست الإجابة كاملة، أعتقد أن الرسم هي طريقة لتحسين الماضي، الحاضر والمستقبل أيضا، ربما أرسم ما في مخيلتي، وما وقع، نعم إنما أنظر للمستقبل من خلال الواقع الذي أعيشه، ربما كانت خطة فعالة للتغيير، وللبناء؟ وللإصلاح، الفن ليس ما وقع وحصل فقط، بل هو ما سيحصل أيضا، وما أتوق إليه وأرغب في المستقبل القريب أو البعيد، هي حياة مشروع فني، لا ينتهي بزمان ومكان معين.
ـ بعض الناس تعدُّ الفن التشكيلي خربشات، ليس لها معنى، ما مَرَد ذلك؟
* تلك الخربشات التي يراها البعض ما هي إلا انعكاس للروح، هي أنفاس نواتج روحية تعبر ما بداخلها، هي دلالات نفسية تكشف جوانب معينة تحاول الوصول لعمقها أو إلى الآخر، هذه الخربشات تحتاج إلى ذكاء العمل، تحتاج إلى لون معين وفراغ معين وخط، لكل منها دلالة معينة، تلك الخربشات التي يراها البعض، ما هي إلا شيفرة روحية تعبر عن ذات الإنسان وما يجول في داخله، من العاطفة والخيال، لا يستطيع قراءتها إلا الفنان ذاته، أو القارئ والمشاهد الذي يملك ثقافة فنية عالية، هذه الخربشات هي ولادة روح جديدة تحررت من قيودها بكل جرأة وقوة.
ـ القارئ للوحات روجين حاج حسين، كيف يقرؤها؟ هل هناك صعوبة في القراءة؟ هل ترسم روجين للنخبة؟
* ما يجمل اللوحة أعتقد بساطتها الغامضة، أنا أغوص داخل الإنسان، وداخل الطبيعة، لأخرج ما في الأعماق بصورة جذابة جميلة قابلة للرؤية والقراءة، أعتقد أن اللوحة تقرؤني وأقرأها، لكن عندما أغوص في أعماقها، أكتشف الكثير غير المرئي من خلال اللون والخط، كلما غصنا في البحر، والإنسان، والسماء، نكتشف الكثير والأروع، نعم أرسم للأرواح، التي تتلمس حريتها، وسعادتها، وألمها، ورغباتها المكبوتة، دائماً أترك لهم مكاناً دافئاً يأويهم بكل حب دون خوف أو قيود، أتركهم يغنون، ويرقصون، ويبكون، ويعشقون، ويرممون أرواحهم ويمنحوها ما كان ينقصها في الواقع على لوحاتي.
ـ ما مساحة الوطن، والمرأة، والبيئة، في لوحات روجين حاج حسين؟
* أرى المرأة والطبيعة وجهان لعملة واحدة، إنهما رمز العطاء، الحب، الجمال، الربيع، أما الوطن فهو الأب الأكبر أو بيتي الكبير الذي أنتمي إليه، نحن مجبولون على حب الوطن، هو طفولتنا، اكتشافنا الأول، خطواتنا الأولى التي مهما بعدنا عنها، ستظل قلوبنا عالقة به.
ـ لو تحدثينا عن معرضك، الذي أقيم مؤخرا في هولير؟ وما مشاريعكِ المستقبلية؟
* كان أول معرض لي في هولير، طبعاَ تبنته وزارة الثقافة، مشكورة، وكرمت أعمالي من مدير الثقافة فرهنك مصطفى، وأشكرهم على التكريم، عُرضت خمس وأربعون لوحة كانت ذات مواضيع مختلفة متنوعة عن المرأة، والوطن، والمعاناة، والغربة، والحب، لاقت حضوراً وصدى في الإعلام والصحافة، ولدى رواد المعرض، وأغلب الحضور كان من أساتذة الفن التشكيلي وطلاب الفنون والطبقة المثقفة المتذوقة للفن، سعدت بآرائهم ومدى قربهم من جوهر لوحاتي، طبعاً هناك جمل من الثناء ترسخت في ذاكرتي، وعبارات حلقت بي في السماء، وحملتني المزيد من المسؤولية، كنت سعيدة بهم، وأنا فخورة جدا، أنهم من كبار الفنانين، وأنا لست سوى تلميذة صغيرة مقارنة بهم، فأنا لست إلا روجين.
فيما يخص القادم من المشاريع إذا سنحت لي الفرصة ان أعمل معارض فردية أخرى في مدن ومناطق أخرى في كردستان، وأرغب أيضا في المشاركة وإقامة معرض فردي في الدول الأوروبية المتذوقة للفن، لأرى ثقافاتهم وفنهم وأيضا ليشاهدوا ثقافة بلدي من خلال لوحاتي.
ـ روجين حاج حسين كفنانة تشكيلية كردية كيف تساهمين في إبراز الهوية الثقافية الخاصة بالشعب الكردي؟
 * نعم، أغلب لوحاتي تحمل الطابع الكردي سواء كان رمزاً أو شكلاَ أو مجسماً، أو حتى عن طريق الألوان، فاللون الكردي أعدُّه لون الربيع، ولون الفرح والسعادة، و أن ألواني الكردية ترقص وتغني على لوحاتي، وأنا سعيدة حقاَ بأن أوصل ثقافة شعبي وبلدي إلى العالم، الفن لغة مقدسة نتداولها فيما بيننا لنعبر عن حضارتنا، وثقافتنا، وتاريخنا، بأجمل وجه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…