ريبر هبون
ما ينبغي الإشارة إليه في بداية هذه القراءة وهو تجشم المؤلف عناء تأليف هذا الكتاب وانفضاض البعض عن مساعدته إما خشية أو غيرة منه، لكنه سعى بإصراره على أن يضيف للمكتبة الكوردية موضوعاً غاية في الأهمية وهو تأريخ وأرشفة النضال الكوردي في المهجر، أشار الكاتب علي جعفر إلى استقدام العثمانيين لأبناء العائلات الكوردية الارستقراطية وإبعادهم المتعمد من قبلها إلى أوروبا ليتم تسخير وجودهم كطلبة في خدمتها وذلك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كعائلة بدرخان وجميل باشا وبابان زادة وعائلة بوجاق حيث درسوا في مختلف دول القارة الأوروبية وأمريكا، هذا يبين قدم وجود الكورد في الخارج مشيراً إلى جلادت بدرخان ومصطفى رمزي بوجاق وجانب يلدرم”غاندي الكورد” .
طريقة طرح الكاتب لهذه الوثائق وأسلوبه اتسم بالوضوح والتكثيف وتقديم المعلومات بطريقة تبعث على الرغبة في تقليب تلك الصفحات واكتشاف الآتي، يشير أيضاً لفظاعة قمع أتاتورك للشعب الكوردي في شمال كوردستان الأمر الذي كان سبباً في الهجرة للخارج.
بدأ الكاتب في ذكر جمعية الطلبة الكورد”هيفي” من ثم جمعية تقدم وتعاون كوردستان، وكذلك جمعية نشر المعارف، الهدف من كلا الجمعيتين وفق مذكرات قدري جميل باشا هو زيادة الوعي القومي بين الطلبة وتعريف قضية الكورد لللأوروبيين، حيث أشار علي جعفر لنشاط الجمعية الإعلامي وإصدارها لصحيفة” روج كورد” عرج بعد ذلك الكاتب للحديث عن سير الجمعيات الطلابية في كل من لبنان وسوريا وجنوب كوردستان وشرقها، حيث استند المؤلف على جملة من المصادر والمراجع في عرض هذا الكتاب وأولها مذكرات نور الدين زازا وكذلك كتاب للدكتور عبد الرحمن قاسملو بعنوان” كوردستان والكورد” إلى جانب كتاب نهضة الكورد الثقافية والقومية للكاتب جليلي جليل وكذلك كتاب للكاتب هوزان سليمان الدوسكي بعنوان جمهورية كوردستان الذي يعتبر دارسة تاريخية سياسية إلى جانب كتاب هام آخر يعكس مذكرات خطها عصمت شريف وانلي وكتاب البارزاني والحركة التحررية الكوردية للكاتب مسعود البارزاني وكذلك كتاب أكراد لبنان وتنظيمهم الاجتماعي والسياسي للمؤلف أحمد محمد أحمد وكتب أخرى، إن ذلك يدفع المرء للإشارة إلى دور هكذا جمعيات ببلورة الوعي القومي إزاء مجتمع يتناقص عدد أفراده على حساب استمرار الهجرة إلى أوروبا نتيجة الظروف الحالية، حيث لا تلقي الأحزاب الكوردية في غربي كوردستان بالاً لتلك الهجرة وإنما تستمر في سياستها التنازعية التي تصب في خدمة أعداء كوردستان والقضية، فالسياسة التي تتبعها تلك الأقطاب المتنازعة المتناحرة فيما بينها ساهمت في خلق مناخ لا قومي لاوطني، ودفع بالكثير من العوائل الكوردية المقيمة في الخارج لقبول الانصهار بالبوتقة الأوروبية، حيث الآلاف من الأطفال الكورد في طريقهم لتشرب القيم الأوروبية من لغة ونمط حياة وذهنية على حساب نسيان وضياع اللغة الأم أو أي روابط تمت بالوعي القومي، حيث باتت الاتحادات الثقافية نسخة محاكية للأحزاب بل قائمة بالنيابة عنها في الدفاع عنها ضد الجهة الخصم باستماتة قبلية جاهلية لا تمت للغيرية القومية بصلة، وذلك أسهم في بث عدم الثقة والتنابذ وتلويث المناخ الاجتماعي الكوردي في المهجر،فآخر يعادي الإدارة الذاتية مثالاً وينسفها نسفاً وآخر يعادي المجلس الوطني الكوردي ويشد على من يقوم بالتضييق عليها، في مثل هكذا جو عدائي لن يحبذ الطفل أو عائلته القادمة حديثاً إلا الهروب وتفضيل المناخ الأوروبي الصحي فهو العالم الجديد الخال من كل تلك الروائح الفاسدة، حيث أصبح الجيل الجديد أوروبياً في توجهاته لاعناً كوردستان والقضية واللغة والهوية ورقعة الشرق الأوسط.
أي مهام تنتظر القوميين الأصلاء في ظل هذه الحقيقة خارج معمعة التجاذبات والتنافرات الحزبية الكيدية، تأسيس جمعيات تضع نفسها على مسافة واحدة مع كل الفرقاء السياسيين، لاشك ذلك يعتبر من المهام الجسيمة الصعبة، ولعل الجهد الذي بذله علي جعفر في هذا الجزء والجزء الآخر الذي لمّا أقرأه بعد يصب في خانة البحث عن الهوية المفقودة والعمل على إحيائها، فالتحديات الكبيرة التي تقف بوجه المشروع القومي الكوردستاني ومستقبله إن في داخل الوطن أو المهجر تتمايز عن سابقاتها من حقب بضراوتها واستعصائها، فالأعداء يبذلون قصارى جهدهم للتوحد ومواجهة التطلعات الكوردستانية بما يحوي تقاربهم من عداوات سابقة وباطنة ” التقارب السوري التركي” لأجل نسف مكتسبات غربي كوردستان المبنية على جماجم شهداءه الأبرار كما اجتمعوا إبان إعلان البارزاني للاستفتاء وحاولوا وأد جنوبي كوردستان وإرجاعها لما قبل 2003 ، ما أحوج شعبنا لخطاب قومي كوردستاني جامع ووازن في ظل هذا العصر الصعب فمن يؤدي المهمة بصدق؟!!
سؤالٌ يطرح نفسه على أعتاب هذا البحث الذي يُشكر مؤلفه على إخراجه بهذه الضخامة وهذا الجهد غير المسبوق على صعيد البحوث المعنية بحراك الجمعيات الكوردية في المهجر، وهذا يستدلنا للنقاش بنقطة أخرى متصلة بهذا الحراك والمتعلق بالدبلوماسية الكوردية التي لا تزال غائبة وقد أشار الكاتب إلى وجوب قراءة الواقع الكوردي ووجوب توطيد الروابط المعنوية الفكرية والثقافية بين مختلف المناطق الكوردية.
الخطاب الكوردستاني القومي الأصيل لا يلق هماً او اهتماماً للميول اليسارية المقوضة للحس القومي ويحاول الالتفات أكثر حول القضية التفاتة الأم في احتضان ولديها الجديد والعناية به، وقد أشار المؤلف علي جعفر إلى التاريخ الدقيق لانطلاقة حركة الطلبة الكورد عام 1949 على يد مؤسسها الفعلي نور الدين زازا بمشاركة كل من عصمت شريف وانلي وشوكت عقراوي.
الكتاب لا يزال بين يدي وقد أنهيت مئة صحفة منه وأحببت لفت الأنظار حوله كي يقبل عليه كل مهتم بهذا الشأن ودامت جهود ذوي الأقلام زلفى للحرية والخلاص.