من سِفْر تكوين مجهول…

إبراهيم محمود
هوذا أنا
إذا قلتَ لي :
طفلٌ
قلت لك
وردٌ
حيث يقطف لك نجمة
ماء
حين يهبك أرضاً حالمة
هواء عاصف
حين يعدك بالألم
منعطف خطير
حين يطلق عليك ضواريه
عدَم مباغت
حين يؤلب عليك جهاته
هوذا أنا فأسألك:
هل كنتَ ورداً
لتكسو عائلتك،
حارتك،
ملعبك الترابي أريجَك…
لتسندك نجمة في علاك
ورجْلاك تمازحان طريقك المفتوح
هل كنت ماء
لتخشع لك شجرة عمرك،
يومك،
غدك،
أمامك في لباس نومها
لتوهب خضرة
وتراقصك أرض تنتظر اكتمال ثندؤتك
ويداك تشدان طفولتك وراءك باقتدار…
هل كنت هواء عاصفاً
وأنت الألم مجسَّماً
ويجرفك ليل نهار عتيّ
يخطّىء طفولتَك في ألف باء حسابها
ولا يسترك سوى جوعك المتناوب
هل كنت عدماً مباغتاً
وأنت لا أنت حقاً
لا فراشة تهدّىء ساعة روحك
لا نسمة تمشّط  عشب وجهك الملول
لا مساء من ترنيمة يعدّك لنوم مسالم
هوذا أنا فأذكّرك:
في أي نوع صحن تناولت لبن صباحك
صحبة كأس شاي ” سيلان “
صحبة خبز يضحك سخونة
دون أن توقظك يد
تشدك من شعرك
لتكتشف طفولتك المبتلي بها أنت
لتوجّه عنوة راعياً غنم جيرانك
حاملاً عصا تتجهم في طفولتك
والسماء تكاد تتهشم على رأسك
أتذكر- ولو لمرة واحدة- أن أباك
أشركك في صينية عدسه
أو برغله
أو أفرحك قليلاً بلقمة من ملعقته الفظة
وأن أمك الأم تدخلت
لتحميك من عقاب يومي تُعرَف به
هوذا أنا فأقول لك:
هوذا أنت
حيث كنتُ أنا
كبرت مساحة أرض عمرك
وما أقل أقل غلالها
وما أطول الأيادي التي عبثت بها
تنوعت طرق رؤياك
وما أرهب مسالكها
اتسعت سماء بنجومها في وضح النهار
يا لرعب القصاص المسجَّل عليك
تكاثفت غابات روحك
يا للظلمات الفخية التي تتلبسك
اغتنت لغتك وأنت مشدود إلى عمر غير مصنَّف بنوعه
يا لخيباتك في الذين ينتظرونك ضحية مجهولة لفشلهم المرسوم
أُسْكنتَ وطناً
يا لحسراتك وأنا لا تعرف كيف تخرج من قبرك الدائر بك
هوذا أنا
للمكابدات صلة طبعاً…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…