تينة

إبراهيم محمود
عالقة في الهواء
تارة يتمسح بها ضوء القمر
تارة نور الشمس
تنكمش وتتمدد
وهي لا تخفي تكوّرها
وبان فمها نصف مفتوح
كأنها تعيش ذهولاً
خشية السقوط الكارثي
مرئية تماماً
مفعمة بالحلو العذب
تينة في أوان نضجها
يفتر ثغرها عن قطْر لا يُشَك في حلاوته
القطر منطو على كثافته بخبث
تحفظ أصول نكهته في العمق
تينة ملء قبضة اليد
وهي تشد خطوط راحتها إلى محيطها
أي جاذبية ذوق فطرية تملكها التينة هذه؟
بين أخضر زاه وأصفر حالم
سرَّة صغيرة تقابل ثغرها المأخوذ بقطره
أيّ يد ستأخذني براحتها؟
أي فم سيودعني رحابته
لملاءمة بين لعابه وقَطري
تتساءل التينة بخيالها الشجري النافح
أفم حسناء يصطاف الفجر على شفتيها؟
أشفتان تزيدان في عذوبة الملامسة طَعماً يسكِر الهواء في الجوار؟
أتراه فماً أوهن العمر غدده اللعابية
أي فاجعة ستبدد جمعي الحلو الغفير
وطعمي المنشود بلهفة؟
تينة تحلم بيد ناعمة
بفم مهندس ِ ازدراد اللقمة
ملمس يشعرها أنها هي
إنها ترى ما حولها
تسمع ما حولها
تحس بتحولات الهواء
وهي مشدودة إلى غصنها
تنتظر اليد التي تعبر بها إلى عالم آخر
ماذا لو أن أحدهم أصابها بحجر
الأشقياء الصغار لا أكثر منهم
انكمشت على نفسها
وذرفت قطرة من دمها الحيوي
ماذا لو أن منقاراً امتد إلى داخلي
ستكون نهايتي المؤلمة؟
رددتها بصمتها المعهود
أعقبت ذلك بسكب قطرة أخرى من دمها الحيوي
ماذا لو جرى إهمالي
سأموت هنا وقد تيبست كلياً
يا للرعب في الحالة هذه
رعشة مباغتة أشعرتها بمأساتها
لتعقبها بذرف قطرة ثالثة أكبر من سابقتيها
وهي تزداد انكماشاً
ماذا لو سقطتُ لأن فطامي قد آن
أي ارتطام سيحصل لي على الأرض
أي قارصات وسواها ستتناوب على تمزيقي
وربما أنتهي دهساً
اتسع الثغر خوفاً
ولم تستطع إيقاف دمعة استطالت وهي تتهاوى أرضاً
سينتهي أمري هنا وأنا متدلاة من مؤخرتي ….
لكم رددت هذه العبارة وهي تحاول الحيلولة دون المزيد من نزف قطرها
عينها على يد حنون تقطفها
لتشعر أن مهمتها قد انتهت
وليس أن تطيل انتظاراً
وتزداد انكماشاً وتيبساً
تشعر أن الهواء نفسه لم يعد يلاطفها
أن القمر نفسه لم يعد يداعبها بوشاحه الأبيض الحليبي
أن الشمس نفسها بالكاد كانت ترسل إليها ذؤابة من نورها
إنها مرئية من الأسفل
يفزعها من ينظر إليها محركاً يده
وهي تتلهف للحظة القطاف
ثم تبقى وحيدة شاعرة أن أعضاءها تبدأ بالتصلب
حتى خيالها لم يعد يمتد بها إلى ما وراء محيط شجرتها
خيالها بدا يزداد بها التصاقاً
كانت تشعر أن وزنها يخف
أنها تتمرجح في الهواء
ذلك يزيدها خوفاً
تردد يائسة
سأتماسك قليلاً
متجنبة السقوط الفظيع
رغم أن جسمي يزداد يبوسة
تزداد تأرجحاً
بالكاد بدأت تبصر وتسمع
ولم تعد قادرة حتى على سكب قطرة من دمها الحيوي
إشعاراً بأنها لازالت تنبض بالحياة
وقد تقاسمتها تجاعيد في محيط جسمها الكروي بالكامل
وسلَّمت نفسها مقهورة
للحظة غير المرتجاة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…