madobijo@hotmail.com
أصدر الشاعر السوري كاميران حرسان ثلاث مجموعات شعرية إلى الآن, الأولى بعنوان
كاميران في ديوانه هذا كاهن يحمل شموعاً ومفاتيح يفتح بها أبوابا جديدة لينقذ نصه من الصور المتراكمة والمألوفة والروتينية التي اعتدنا قراءتها في معظم النصوص الشعرية الحديثة, كما يمكن أن نصفه في هذه المجموعة بشاعر الأسئلة والتذكر , حيث يسألك أسئلة ويبعدك عن مكان الإجابات الجاهزة والعادية , يقرّبك بخياله من مكان إبداع الجواب , ويذكرك بما مضى في محاولة تكاد تكون أشبه بحلم ابدي, وكل ذلك لتحاول معه أن تفتح المغلق في وجه الخيال وكسر الأفق الضيق للتعبير بحرية أكثر عن الإحساس والشعور.
يضع بين يدي القارئ حالات شعرية جديدة , تدفعه إلى الانفعال المباشر , وقد تصل به إلى حالة من الغيبوبة أو لقاء الإنسان مع ذاته والتجلي معها , تاركاً فراغات واضحة بين الكلمات وبين الجمل ومن ثم بين القصائد ليختار القارئ إمّا أن يملأ تلك الفراغات بما يشاء , أو ليكون مساهماً في تكبير الهوة والفراغ القائم
قصائد فيها أسرار الحياة والوجود والجمال يفك كاميران بعضا من شيفراتها عبر إحساسه الفظيع باللون والظلال والأصوات البعيدة والتي يحاول إعادة هيكلتها شعرياً بعد أن يقوم باستحضارها وقت يشاء, حيث يبني عالماً جديدا وعلاقات جديدة بين الأشياء , لم تكن تلك العلاقات مألوفة من قبل.
يتواصل مع ماضيه ويستجمع ذكرياته معانقا ما كان يحدث هناك لذلك فهو يبدأ أكثر من قصيدة ب ” كان , كانت ” كأنه يخرج من الحاضر ويبقى في ماضيه , يختبئ في أكثر اللحظات حزناً وألماً لينقل لنا ألقها عبر تراجيديا شعرية مكثفة تحتاج أحياناً إلى ما يشبه (فك الضغط)
كاميران في (نجوم من أعماقها) ينظر بعين العقل , لذلك فهو يقدم المعنى بطريقة حسية, المعنى الذي يترك أثره في المتلقي بعد متعة لا محدودة مع القراءة ولأكثر من مرة وفي كل واحدة شيء جديد ومختلف, ويراهن بقوة على تعدد الاحتمالات للمعنى الواحد لأنه يتجاوز الحدود الظاهرية للأشياء والعلاقات المعروفة بينها.
نجوم من أعماقها عبارة عن هموم كثيرة , استرجاع لذكريات وتدوين لحالات , مداعبة للألوان والظلال ومعرفة حجم حزنها , وتجسيم للأفكار .
فلنقرأ هذا الشاعر الذي يستحق أن يرى ولو لمرة واحدة , نبالاً تتعرى للقوس قبل أن تطلق الردى نحوه .
مختارات من ( نجوم من أعماقها )
أسرار الغابة
هل يستحق التألق المنكوب أن يرى نفسه ,
مطوّقاً بالظلام سيد الألوان ؟
أنا
أستحق أن أرى ولو لمرة واحدة , نبالاً تتعرى
للقوس قبل أن تطلق الرّدى نحوي.
أنا دمية في مسرح العرائس , تحركني الشهوة
والأرواح المعتمة كي أنير …
طيف لا أعرف لوناً
جرم
إليّ حجّت الأقمار
فحجبت الرؤية !
أنا من البكاء جئت ,
جئت بقوس قزح ,
بالريح , بتقاطيع فصولي .
عرفت من عينيك وجهي !
مبكى
ولجت إلى العتمة
لا أرى
سوى عيون
تكسوها الدموع
ترنو إليّ .
الناسك
رأته فراخ الإوز النازحة
خلف العظام يصلّي
يدعو لها بالبقاء !!.
أنا من الوحدة أعوي
أنا في البيداء نارٌ
أضرمَتها
العزلة حول خبائي
ذئب بين الثلج يعوي
يناجي من وحشته القطيعَ .
مرثية
قدري: أن أكون حطباً في ذاكرة اللهب
رماداً في قبضة الريح
وهجعاً لامعاً
أُرى ولا أَرى
أُنير ولا أُنار
أن أحمل عيوناً أوسع من البحر
تتسع لسماء زرقاء
يطير منها الإوز صوب المخيلة .