حب مقدس وليلة مدمرة !! سلسلة ألحان الورد في فلسفة الحب والجمال في الإسلام (10)

د . علاء الدين عبد الرزاق جنكو

لا أتصور أني مسيء في حق أي مجتمع لو قلت : إن من أوضح علامات التخلف فيه ، هي مقدار التبذير والإهدار في الأموال التي تنفق على أمور أقل ما يقال فيها : إنها تطير في الهواء كالفقاعات !!
ولا شك أني معني بمجتمعي أكثر من غيره ، فهو ذو طابعين :
– كردي انتماء وقومية .
–  وإسلامي هوية ودينا ، مع كل احترامي وتقديري لكل الطوائف الأخرى التي تعيش بيننا ، فهم منا ونحن منهم.

ما إن يودع الشتاء بأيامه الأخيرة هذا المجتمع البريء الهادي بطبعه ، المبتلى  بالفقر بشكل عام ، حتى تبدأ الأعراس الفردية بعملها … نعم الفردية ؛ لأن الجماعية في هذا المجتمع محظورة !!  فالعادة لا تحبذها !!
يربط الكثير من المراقبين هذه الظاهرة المبالغ فيها بقلة الوعي والجهل المنتشر وبالعادة القاهرة حتى على إرادة الرجال!
ويربطها آخرون ، بما يعده الحبيب لحبيبته قبل زواجه منها ، أو برضوخه لمن قبلت به زوجا منذ أول خطوة في حياتهما الزوجية..
إن الآثار المترتبة على مراعاة الجوانب العاطفية بين الحبيبين تكون أحيانا سلبية مضرة للمجتمع بأكمله ، لا سيما إذا تحولت تلك الآثار إلى عادات متبعة .
وسبحان الله ، كم هي سريعة الانتشار تلك الآثار التي لها نتائج سيئة!!
في كثير من الأحيان تكون معادلة الحب خاطئة ، ويدفع فاتورتها الحبيبان معا من أجل تلبية رغبة آنية بل وقصيرة جدا كلمح البصر !!
ليستيقظ العروسان الحبيبان في الصباح ويتبادلا أطراف الحديث ويشربان قهوة الصباحية ، ومن ثم يمسك الزوج بالقلم والورقة خلسة ويقوم بحساب تكاليف ليلة العمر- كما يقولون عنها – ليندهش في نهاية الأمر !! أمن المعقول أن تكون هذه الأموال سُحبت من بين يدي وأنا لا أدري ؟!!
ولمن ذهبت ؟
ومن استفاد منها ؟
ومن أجل عيون من ؟
آه لقد نسيت أني قد وعدت حبيبة قلبي قبل زواجنا أن أقيم لها في يوم زواجنا ليلة لا تنسى !!
تنازل فدمار :
     كثيرا ما يقع الحبيب تحت التأثيرات العاطفية لحبيبته فيصبح أجيرا يلبي طلباتها وفي كثير من الأحيان طلبات حماته وشقيقات زوجته !!
     من غير أن يدرك الجميع عواقب الكارثة الاقتصادية لعائلة تريد أن تزوج أبنائها، ولا سيما إذا كانت تلك العائلة قد فعلت المستحيل لتؤمن ( دراهم معدودات ) لتزويج أحد أبنائها !!
     مصاريف يوم الزواج وإرضاء الحبيبة وأهلها باتت باهظة مرتفعة تقصم الظهور في كل المجتمعات حتى الغنية منها !!
– فإيجار الصالة مبلغ كبير ؛ لأنه معيب أن يدعو الضيوف لبيته الصغير ، أو يجلس بضيوفه تحت بيت شعر بطرازه القديم فهو رمز للتخلف !!
– والمغني والمطرب الذي يقوم بترتيب دوره عنده قبل خمسة أشهر من يوم زواجه له أجرته !! حتى يطرب من يحضر ، فلا يمكن أن يرقص ويدبك الأهل والضيوف أمام المسجل ، لأنهم لم يتعودوا على ذلك !!
– وإيجار الكوافيرة وترتيب العروسة لا تقل أهمية عن المغني ، فجمال العروسة بيدها هذه الليلة ، ولم لا ؟ فهي عروس ولمرة واحدة ، ثم ماذا سيقول الناس إذا جاءت من غير مكياج ، أهذه هي التي أحببتها وصرعت الدنيا من أجل أن تحصل عليها ؟!!
– وإيجار السيارات التي ستقل الضيوف من وإلى الصالة ، فهل من المعقول أن يسيروا على أقدامهم ، وإذا أرهقهم المشي ، كيف سيكون حالهم عند الرقص ؟!!
– طبعا قبل العروس وتجهيزها لابد الأخذ بعين الاعتبار مصاريف الأخوات لتجهيز أنفسهن لهذا اليوم ، فليس من المعقول أن تكون العروس أجمل منهن !! وإلا كيف ستشد الفتاة أنظار الجميع لتزاحم غيرها من الجميلات في ليلة يرى فيها الرجال كل شيء .. نعم كل شيء .. ومجانا  !!
     علاقة الحب التي تربط الحبيب بحبيبته لابد أن تكون عونا لهما على السير قدما نحو حياة سعيدة منضبطة منذ أول خطوات اقترانهما  مرورا بليلة زفافهما …
    وأي رجل تستغله حبيبته لمثل هذه الطلبات التي قد تكون في نظر الكثيرين عادية لا تستحق هذا التهويل ، فبرأيي أنها تحفر قبره بيديها.
     ولا يمكن أن يدخل هذا في نطاق ما يسمى حرية الفتاة ، أو احترامها ، أو أي شيء من هذا القبيل ، وهذه الممارسات القديمة التي دمرت المجتمعات المحافظة وأودت بها نحو كثير من المظاهر السلبية والتي دفع أفرادها الثمن غاليا !!
وقفة :
    وفي ختام هذا اللحن من باقة ألحان الورد أهمس في أذن الحبيبين : ماذا لو وفَّرتم لأنفسكم كل هذه التكاليف والمصاريف وأضفتموها إلى ما يتبرعه الأهل والأصدقاء والأحبة من مساعدة ( الشيرانية ) ، ألا يكون مبلغا مفيدا ربما لو عمل الزوج ثلث فترة حياته لعجز عن جمعها !!
فمن أولى بها ؟ 

أنتم ؟ أم من يرقص ويغني ويتلذذ بمناظر لا يتجرأ في الأحوال الطبيعية أن يرفع رأسه للنظر فيها ، وكنتم مع الحب الذي بينكم السبب في كل ذلك ؟!! 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…