باسلات الشعر الكردي (5) أوركيش ابراهيم

  إبراهيم حسو

تشبه كتابة اوركيش إبراهيم  للشعر بذلك الطير الذي يبني أعشاشه في أعلى غصن من الشجرة , هذه الكتابة التي تتعرض دائما للرياح الشمالية الباردة  و غبار السنوات العجاف الذي يلفي بحياتنا الإبداعية , كتابة مهيأة  للنسيان السريع و مشنّعة  للتلف الدائم لأنها مقامة على ارض لدنة و جدران من القش أو البلاستيك لا فرق , و خواء يغلقه الكلام العادي و المفردة العادية و الصور السريعة الراكضة المرتجعة و التكوين المرتجل الذي لا أس له و لا تربة متينة.

كتابة اوركيش للشعر هي رد الاعتبار للاستئثار بالمجانية و التلقائية و الأستسهالية , وهي مقبرة حقيقية لكل ما هو فاتن في حياتنا الشعرية.
وظللت في مرآتي
وميضا ونبضاً

وزهر الرمان في يديك يتكور

ونبضت بك سماء وأرضاً

حتى غفيا على شريط
ذكريات الصور .
وعشقتك ألفاً وقبلتك ألفاً

وناجيتك بكل زهر الرمان

أن
تعود لتحيي ياقوت أزهار الرمان .

إلى جانب هذه الاستسهالية في كتابة نص شعري يتفوق حبٌ ما لكتابة الشعر قابل للعيش و الحياة و صنع ما هو بديع في حياتنا السريعة اللامبالية , ولعل اوركيش رغم تعاملها (الحانق) مع نصوصها و عدم مراجعتها أو حتى تنقيحها (الفائضة) بالأخطاء اللغوية , تظلُ هي الشاعرة الكردية الأوفر موهبة والوحيدة التي تنّوع في مواضيعها الشعرية و لديها أفكار و زوايا شعرية مخبوءة , لا تعرف كيف تبديها و بأية منظومة لغوية مناسبة , و هي الأكثر انبساطا على إدراج معان جديدة ذات مضامين حسّية إنسانية تفوق أحيانا حواسنا التخيلية :

وردة ذابلة
من طعن خنجر الزمن الراحل

من خداع الأحبة

من كذب الأصوليين

من جرح الزمن المبكي

من رياح
الأشواق الرافضة
من أحاسيسي الماطرة

من أيامي الحزينة الفياضة

في قلب حبيبي الذي يحتضن كل هذا الويل

الطافي في صفحات
أجلي
أيا زهر الرمان
الذي
تدلى فوق الجبين
أياقوت أم عقيق يرصع التاج

أم أنه مرآة سعير
العين .

و لو أدركت اوركيش إبراهيم أدواتها و حسنّت من تعاملها مع اللغة , فأنها تستطيع أن تبني عمارة شعرية شاهقة , و هي قادرة فعلا أن تكون الأكثر تميزا بين قريناتها في الشعر الكردي ألا إنها تقاسى سوء التجاوب في طرح تلك المواضيع المخبوءة و تتردد في أن تكون هي المبادرة لطرق ذلك الباب الذي حتما لا يحتاج إلى كلمة السر أو(افتح يا الشعر) أبواب الشعر مفتوحة دائما و على كل التجارب الجديدة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

“إن لم تجدني بداخلك، فإنك لن تجدني أبداً”
قول قاله جلال الدين الرومي، تذكرته وأنا أطوف بين أعمال التشكيلي رشيد حسو، بل أحسست أن أعماله تلك تخاطبني بهذه الجملة، وكأنها تقول لي: التفت إلى دواخلك فأنا هناك، وإذا أردت أن تقرأني جيداً اقرأ ما في…

فراس حج محمد| فلسطين

تعالَيْ
متّعي كُلّي بأعضائكْ
من أسفل الرأس حتّى رَفعة القدمينْ
تعالَيْ
واكتبي سطرينِ في جسدي
لأقرأ في كتابكِ روعة الفنَّيْنْ
تعالَيْ
واشعلي حطبي على شمع تلألأ
في أعالي “الوهدتين”
تعالَيْ
يا ملاكاً صافياً صُبّ في كأس امتلاء “الرعشتينْ”
تعالَيْ
كي أؤلّف أغنياتي منهجاً لكلّ مَنْ عزف الهدايةَ

في نضوج “الزهرتينْ”
تعالَيْ

كيْ أقول لكلّ خلق اللهْ:
“هذا ابتداع الخلقِ ما أحلاهْ!
في انتشائك شهوة في موجتينْ”
تعالَيْ
مُهْرة مجنونة الإيقاعِ
هادئة عند…

“في الطريق إلى نفسي” هو عنوان الديوان الثالث عشر للشاعر الكردي السوري لقمان محمود، وقد صدر حديثًا عن دار 49 بوكس في السويد. في هذا الديوان يكتب الشاعر قصائده بخبرة شعرية واضحة المعالم، بما تملكه من حساسية الرؤية وخصوصية الالتقاط والتصوير والتعبير. فالشاعر شغوف منذ ديوانه الأول “أفراح حزينة” عام 1990، بشدة التكثيف اللغوي وحِدَّة…

خالد جميل محمد

في وظيفة اللغة والكلام

لا تخلو أيُّ لغةٍ إنسانيةٍ من خاصّيةِ المرونةِ التي تجعلها قابلةً للاستخدام ضمن جماعةٍ لغوية كبيرة أو صغيرة، وهي خاصيّة تعكِس طواعيةَ اللغةِ، وقدرتَها على التفاعل مع المستجدات، بصورة تؤهّلها لأن تُستخدم في عملية إنتاج الكلام بيسر وسهولة، متوسِّلةً عدداً من الطرائق التي تَـزيدُ اللغة غِنىً وثراءً، ويمكن أن تتمثل…