القربان .. مسرحية قصيرة

أحمد اسماعيل اسماعيل

  -1-
   (ساحة عامة :وسط الساحة ينتصب تمثال كبير الحجم،الرأس المعتمرة طربوشاً مخروطي الشكل مرفوعة بأنفة ، واليد اليمنى ممدودة إلى الأمام في هيئة من يحيّ بود،حارسان يتجولان حول التمثال وكل واحد منهما يقبض على بندقيته في حالة تأهب،الوقت : : :منتصف الليل) 

الحارس1   : ( بهمس) هل ترى شيئاً ؟
الحارس 2  : (بهمس) لا ، وأنت ؟ 
الحارس 1  : لا شيء .
الحارس 2  🙁بعد صمت ) كن حذراً ، قد يفاجئنا أحدهم .
الحارس  1 : مثل من ؟

الحارس 2  : ومن غيرهم : العصاة :الغوغاء يا فهمان .
 ( يدوران حول التمثال بخطوات حذرة )

الحارس 1 : الوضع آمن .
الحارس 2 : لكن لا بد من توخي الحذر .
الحارس 1 : هل يفعلوها مرة أخرى  ؟
الحارس 2 : ربما ، من يدري ؟ا
الحارس 1 : يسقطوه مرة أخرى ؟!
الحارس 2 : (يقاطعه بخوف) لا تقل يسقطوه يا غبي ، لا تقل يسقطوه .
الحارس 1 : (باستغراب ) ألم يسقطه ذلك الفتى ؟
الحارس 2 :(بحنق) الفتى ؟! بل قل الغوغائي .
الحارس 1 🙁 بخوف .بعد تفكير ) ترى ما حاله الآن ؟
الحارس 2 : (بسخرية) لا شك أنه الآن يتربع على الخازوق .
الحارس 1 : مسكين .
الحارس 2 : مسكين ؟!
الحارس 1 : (بخوف) أقصد ليذهب إلى الجحيم .
 ( يتمايل التمثال،ينتاب الحارسين خوف واضطراب )
الحارس2 : التمثال يهتز !
الحارس 1 : إنه يسقط .
الحارس 2 : الغوغاء .
الحارس 1 : (بصوت مخنوق) من هناك ؟
الحارس 2 : (بصوت عال ومضطرب ) قف .
الحارس 1 : قفوا .
   ( يدوران حول التمثال باضطراب وخوف، يتمايل التمثال أكثر،يحاولان الإمساك به فيسقط فوقهما..يموتان) 
   -2-
   ( مكتب ذو أثاث أنيق و باذخ ، القائممقام يجلس إلى طاولته،وأمامه يقف النحات أوزال بانكسار وضيق )
القمائممقام    : (بعد صمت قصير) بدأ صبرنا ينفد يا أستاذ .
النحات        : أكاد لا أصدق ما يحدث  .
القائممقام      : بل صدق. لقد سقط التمثال مرة أخرى .
النحات         :(بحرج) سيدي ..
القائممقام      : سقط هذه المرة دون أن تمسه يد فاعل !
النحات         : غريب !
القائممقام      : ولولا تضحية الحارسين بنفسيهما لما وجدته سالماً هذه المرة .
النحات         : لم يسبق لي أن أشرفت على تنصيب تمثال،أي تمثال،وسقط بمثل ما يحدث لتمثال سيادته !!
القائممقام       : أصبحنا سخرية كل من هبَّ ودبَّ .
النحات         : لقد استخدمت كل وسائلي العلمية من أجل تثبيت هذا التمثال في مكانه،ولكن دون جدوى !!
القائممقام       : اسمع يا أستاذ، سنمنحك فرصة أخرى..وأخيرة ، بعدها لكل حادث حديث.
النحات          : (بخوف) سيدي، أرجو إعفائي من هذه المهمة.
القائممقام       : (يضيق) إعفاؤك ؟!  مستحيل، يجب عليك وحدك تثبيت التمثال في مكانه..وبسرعة .
النحات          : ولكن ..
القائممقام       : (بحزم) مع السلامة .
النحات          : (برجاء) ولكني..
القائممقام        : مع السلامة يا أستاذ .
–         3 –
 
  (غرفة التحقيق- الجدران كابية اللون،والإضاءة خافتة،طاولة وحيدة يجلس إليها محقق في متوسط العقد الثالث من العمر،وأمامه يجلس السجين الفتى جوان،على الطاولة دفتر وقلم يبدو على الفتى آثار تعذيب واضحة )
المحقق       :  (وهو ينقر بالقلم على وجه الطاولة) أهلاً جوان .
جوان       :..
المحقق       :  والآن ستقول لنا من طلب منك إسقاط التمثال ؟
جوان       : لا أحد يا سيدي .
المحقق       : ( بضيق مكتوم ) لا أحد ؟! حسن . من حرضك على إسقاطه ؟
جوان       : لا أحد .
المحقق       :  نحن نعرف أنك لست من صنف هؤلاء الزعران المخربين. فلماذا تكذب ؟
جوان       : أنا لا أكذب .
المحقق       : (بغضب )كذاب .
جوان       : ..
المحقق       : ماذا يعمل والدك ؟
جوان       : مات أبي منذ سنتين ، مات في حادث سير .
المحقق       : إذن عمك هو من حرضك على هذا الفعل ؟
جوان       : لا سيدي.
المحقق       : خالك ؟
جوان       : لا .
المحقق       :(يزداد عصبية) من إذاً يا حيوان من ؟ جدك. جارك. رفيقك. من. قل من ؟؟
جوان       :  (يصمت بشيء من التحدي )..
المحقق       : اسمع يا ولد ، إذا بقيت مصراً على الإنكار فسنضاعف عقوبتك ،قل لي ،كم وجبة طعام
                تقدم لك في اليوم ؟
جوان       : واحدة ، سندويش فلافل واحدة في اليوم.
المحقق       : ( بسخرية ) معقول ؟ سأطلب من الشباب في القبو أن لا يبخلوا عليك بالطعام. تكرم عينك .
جوان       : ( بألم ) اليوم صباحاً ،ركلني السجان وقال لي تفضل إلى القبو لتأكل يا حيوان.
المحقق       : (بسخرية) وهل أكلت ؟
جوان       : لا ، بل..
المحقق       : بل ماذا ؟
جوان       : بل ربطوا أسلاكاً كهربائية ب..
المحقق       : بماذا ؟
جوان       :(بخجل وقهر) بأعضائي السفلية .
المحقق       : (يضحك بسخرية ) حقاً ؟
جوان       : كان ذلك مؤلماً، كدت أموت .
المحقق       : ستموت إذا بقيت على عنادك هذا .
جوان       : ومن سيعيل أسرتي من بعدي ؟ 
المحقق       : معلمك ، معلمك الذي كنت تأتمر بأمره سيؤدي واجبه مع أهلك .
جوان        :( بحنق ممزوج بالألم ) أوغلو .
                  (ينتفض المحقق من مكانه كالمصعوق)
المحقق       :  أوغلو ؟!  قل يا جوان ..من هو أوغلو هذا ؟ تكلم يا ولد .
جوان       :  السيد أوغلو هو معلمي الذي كنت أعمل لديه.
المحقق       : أحسنت يا جوان ،لقد بدأت تتجاوب. تكلم ،قل من هو وسيفرج عنك في الحال .
جوان       : (كمن يتخيل ) منذ زمن..
المحقق       : منذ زمن ؟! المسألة قديمة إذاً ؟ أكمل .هيا .   
جوان      : عندما مات والدي ، تركت المدرسة وعملت في السوق لأعيل أمي وأختيَّ الصغيرتين،وفي السوق تعرفت عليه، أخذني إليه بعض من كان يعمل لديه .
المحقق      : أكمل . أكمل .
جوان     : (وهو يتخيل ) لم يكن السيد أوغلو يتكلم معي كثيراً، كان كل صباح يأتي إليّ في مكان عملي الذي حدده لي ..
( يتجسد ما يرويه للمحقق )

 

–         4 –  
( الساحة العامة،حيث ينتصب التمثال، يقف تحته الفتى جوان وهو يحمل علب الدخان و ينادي بصوت عال، يبتاع أحد المارة علبة دخان ،ينقده الرجل ويمضي،يدخل أوغلو، وهو رجل ربعة،يرتدي الزي العسكري، يتقدم من جوان الذي يرفع صوته أكثر عندما يشاهد أوغلو )  أهلاً معلم  .
أوغلو     : كيف يسير الشغل يا حيوان ؟
جوان     : (بخوف ) اسمي جوان يا سيدي .
أوغلو     : (بعنجهية ) كيف سار عملك اليوم ؟
جوان     : تمام يا معلم.
( يقدم جوان بعض النقود لأوغلو )
أوغلو     : (بضيق.بعد أن يعد النقود ) وهل تسمي هذا شغل ؟
(يرمي إلى جوان قطعة نقدية من فئة الخمسين ليرة ،يلتقطها جوان عن الأرض )
هذا يكفي .
جوان      : (بعدم رضى ) خمسون ليرة فقط ؟!
أوغلو     : (بسخرية ) لا. ليس فقط. لقد نسيت حبة المسك.
  ( يحمي جوان وجهه بيد، ويحمي مؤخرته باليد الأخرى،يركله أوغلو ،ثم يصفعه، ينظر جوان  بألم إلى معلمه، يضحك أوغلو بسخرية ) مولانا هو الذي صفعك ولست أنا, فهو لا يحب من يغشنا. وسيفعل ذلك دائماً إن عدت إلى الغش. مفهوم ؟
جوان      : (بخوف وغبن ) مفهوم معلم .
–         5 –
  ( غرفة التحقيق، ما يزال جوان شارد النظرات،ينتفض المحقق بعصبية )
المحقق      : كذاب .اليوزباشي أوغلو عسكري تمام.أنت تكذب ،قل الصدق .من حرضك يا ولد ؟
جوان      : لقد قلت الصدق يا سيدي  .
المحقق      : (بخبث ) ومن الذي صفعك ..اليوزباشي .. أم تمثال مولانا ؟
جوان     : المعلم أوغلو يا سيدي ،كنت أعرف إنه هو  ، لكن كلما كان يوجه لي صفعة قوية،كان يقول لي : إن مولانا هو الذي صفعك .
المحقق     : وهل كنت تصدقه  ؟
جوان    :  لا. لا أعرف ، ولكني حين سألت رفاقي عن هذا الأمر، قالوا لي : المعلم أوغلو يوزباشي وابن حكومة ،ولا بد أن السلطان يحبه ويحميه.
المحقق     : (بسخرية ) ولذلك حطمت تمثال سيادته يا بغل ؟
جوان     : حين رأيت الشبان في الشارع ينتفضون، ويهتفون بصوت عال ضد قوات الجندرمة ،ويحطمون نوافذ وأبواب مقرات الحكومة ، بحثت عن اليوزباشي لأحطم رأسه وأرد له الصفعات التي كان يوجهها لي، فذهبت إلى موقع التمثال، وعندما لم أره هناك .. (يصمت )
المحقق     : ( بسخرية وحنق ) حطمت تمثال مولانا .حسن ، وستنال على عملك هذا مكافأة معتبرة ،سنقدم  لك أشهى المأكولات،سأطلب من الشباب في القبو أن يحسنوا ضيافتك .
جوان       : (بخوف وهو يتحسس جسده ويتكوم على نفسه ) أنا لست جائعاً .أنا شبعان .
المحقق       :(بسخرية وحنق ) لا باس . سنطعمك حتى تصاب بالتخمة .

 

–         6 –
 
( الساحة العامة،حيث مكان التمثال،التمثال ممدد على الأرض بجانب قاعدته العالية ،وإلى جانب القاعدة يجلس أورهان مساعد النحات بحيرة، يدخل النحات أوزال، ترتسم على وجهه علامات الدهشة والضيق فجأة، الوقت: قبيل الغروب )
النحات    : ما هذا يا أورهان ؟!  لماذا لم يتم تثبيت التمثال في مكانه بعد ؟
أورهان     :  لا فائدة يا أستاذ . كلما حاولنا تثبيت قدميه في القاعدة ، تأرجح ..ثم سقط.
النحات     : (بقلق ) هل أصابه مكروه ؟ هل تحطم فيه شيء ؟
أورهان     : إنه سليم تماماً، لم يصب بخدش .
النحات     : (بارتياح ) عظيم .
أورهان     : القاعدة هي السبب يا أستاذ .
النحات     : ولكن القاعدة  قوية وصلبة جداً .
أورهان     :  سطحها هو السبب ، إنه..
النحات     : هل تم بناء القاعدة بالأسمنت الجيد ؟
أورهان     : طبعاً ،ورغم ذلك لم نستطع تثبيت قدمي التمثال بالقاعدة ،وكأن في داخل القاعدة عفاريت وشياطين، لا أسمنت وحديد .
النحات    :(بضيق شديد) أقسم أنني لم أعد أفهم شيئاً، لم أدع وسيلة ،أو طريقة هندسية علمية حديثة إلا واستخدمتها في تثبيت هذا التمثال ،ولكن دون جدوى .لقد فشلت، أعترف أنني فشلت .
أورهان    : هدئ من روعك يا أستاذ ، الذنب ليس ذنبك. إنه ذنب العفاريت والشياطين التي سكنت داخل هذه القاعدة .
النحات    : (بسخرية وقهر ) عفاريت وشياطين يا أورهان ؟!
أورهان    : نعم . ولذلك لا بد من إراقة دم عند قدمي التمثال ، فإراقة الدماء كفيلة بتخليص  مولانا..أقصد تمثال مولانا السلطان المعظم من الشياطين و العفاريت التي ربما سكنت في داخله أيضاً .     
النحات   : (بانزعاج  ) كف عن هذا التخريف ودعني أفكر بحل يا أورهان .

 

–         7 –     
 ( زنزانة صغيرة ومعتمة ،في أحد جدرانها بابان :باب المدخل الحديدي،وإلى جانبه باب المرحاض الخشبي المهترئ، وفي أعلى الجدار المقابل لهما تقع كوة صغيرة ،مشبكة بقضبان حديدية،حزمة من نور القمر الفضي الباهت تتسلل من خلال الكوة إلى جوف الزنزانة لتعكس، في زاوية حادة ،ظل الكوة المشبكة بالقضبان على منتصف صدر الجدار المقابل ،وتنثر بقايا ضوء على وجهين منقبضي القسمات وقد افترش جسداهما الأرض كبقايا صور متناثرة .الوقت : مساء. يهب الفتى جوان من نومه كالمصعوق )
جوان   :   مزكين..عودي يا مزكين،مزكيني..
 (يهب الفتى آراس من نومه مفزوعاً، ينظر إلى جوان باندهاش )
آراس   : جوان .
جوان   : ارجعي يا مزكين ، امسكي بها يا أمي ، مزكين..
آراس   : اهدأ يا جوان . 
جوان   : (يهدأ كمن يستيقظ من كابوس ) مزكين أختي ..
آراس   : أفق يا جوان. إنك تحلم .
جوان   : (يهدأ) كان حلماً مزعجاً . كان كابوساً .
آراس   : اهدأ .
جوان   : شاهدت مزكين، أختي الصغيرة مزكين تتجول في السوق وهي ..وهي تشحذ
آراس   : إنه مجرد حلم .
جوان   : ماذا يعني هذا يا آراس ؟
آراس   : عد إلى النوم ، يجب أن تأخذ قسطاً من الراحة..استعداداً لحفلة غداء الغد .
جوان   : ..
آراس   : إنهم وحوش .
جوان   : (بعد صمت قصير ) قل لي يا آراس ، هل سيُفرج عنا ؟
آراس   : (بعد تفكير قصير ) لا أعرف .
جوان   :كم اشتقت لأمي .ولأختي مزكين وليلى .
آراس   :…
جوان   : آه . لو أمكن لي أن أرى أمي وأختي  !! لا بد أن تكون أمي الآن قلقة عليَّ كثيراً، إنها امرأة حنون. حنون جداً .
آراس   : (يشهق بالبكاء ) البارحة، عندما كانوا يضربونني، شتموا أمي، قالوا عنها .قالوا ..( كالملسوع ) أمي ليست عاهرة . أمي أيضاً طيبة وحنون .
جوان   : الأوغاد شتموا أمي أيضاً ،كانوا أربعة ، وكنت بينهم مثل الكرة ،كل واحد منهم كان يركلني في جانب  من جسدي وهو يشتم، وشتموا أختي أيضاً .
(يحبس شهقاته الحارقة، تبرق عيون آراس بنظرات قلقة ،يسود صمت ثقيل للحظات )
آراس     : اهدأ . إنهم بلا شرف .
جوان    : (بعصبية ،وانفعال وهو يضرب جدار السجن بقبضتيه ) أمهاتكم هن العاهرات ،أخواتكم هن
           العاهرات .
آراس    : (بخوف ) اهدأ .اهدأ يا جوان، سيستيقظ أحدهم على صوتك ،حينها ..أنت تعرف ماذا سيفعل .
جوان    : فليستيقظ .
آراس    : ( بهلع ) إذا استيقظ سيجلدنا .يجلدك ويجلدني معك .أرجوك .أرجوك أن تهدأ يا جوان .
             (يهدأ جوان وهو ينظر إلى آراس بشفقة ) لقد شتموا أختي أيضاً ،ولكن عندما سألوني عن     اسمها،لم أذكر لهم اسمها الحقيقي، كذبت وقلت لهم :إن اسمها غالية، فراحوا يشتمون غالية، أنا
لا أعرف من تكون غالية، لذلك لم أنزعج عندما بدأوا يشتمونها .كنت تحت التعذيب أحبس الضحك رغم الألم الذي تعرفه .
جوان   : سينتقم الله منهم .
آراس   : متى ؟ متى يا جوان ؟
جوان   : ( وهو ينظر نحو النافذة كالحالم ) لا أعرف . ربما حين نخرج من هنا يا صديقي .

 

–         8 –   
  ( مكتب القائممقام،  يقف النحات أمام القائممقام بانكسار، يدور القائممقام حول   النحات كقط وهو يفكر. الوقت: نهار )

 

القائممقام     : وأخيراً .وأخيراً ،  وجدنا حلاً لمشكلة تثبيت تمثال مولانا .
النحات        : (بفرح ) حقاً ؟ ما هو هذا الحل ؟
القائممقام     : إنه حل مجرب، استخدمه القدماء في حالات أعقد من هذه ونجحوا .
النحات        : لقد شوقتني لمعرفته يا سيدي ، ما هو ؟
القائممقام     : ( بسرور ) القربان ، قربان بشري .
النحات        : (غير مصدق ) قربان بشري ؟!
القائممقام     : نعم . قربان يقدم إرضاء لتمثال جلالته.
النحات        : (باستغراب ) هل أنت جاد يا سيدي ؟ لا شك أنك تمزح .
القائممقام     : لا. أنا لا أمزح يا أستاذ . أنا جاد جداً .
النحات        : (كالمأخوذ) لا. لا يمكن أن أصدق ذلك !! إنه حل غير منطقي .إنه حل خرافي
القائممقام     : (بغضب وسخرية) ماذا قلت يا أستاذ علمي ؟ اسمع يا فنان، لا بد من قربان يُقدم لتمثال سيادته.فإذا لم يكن ذلك الفتى الغوغائي الذي أسقطه ، فسنقدم آخر بدلاً عنه، وقد يكون هذا الآخر فناناً .    
النحات        : ( يمسك رقبته بخوف) ولكن يا سيدي..هذا .إنه غير. أقصد..
( باستسلام بعد أن يلاحظ نظرات القائممقام الحادة وغير المطمئنة )
    حاضر . كما تشاء يا سيدي.

 

القائممقام     : ( بمكر ) الآن فقط تأكدت أنك مواطن غيور، مواطن يحب بلده ووطنه ومولاه السلطان المعظم . وكنت أخشى أن تكون غير ذلك .
النحات        : (بخوف ) لا يا سيدي، أنا كذلك. أنا كذلك. أحب مولانا ..أحبه كثيراً.
القائممقام     : أحسنت . في صباح الغد سنقوم أنا وأنت بتنصيب تمثال فخامته. وذلك بعد أن نقدم القربان المناسب .
النحات        : أنا وأنت ؟!
القائممقام     : نعم . أنا وأنت فقط .
النحات        : ولماذا لا تقوم الجندرمة بذلك .
القائممقام     : قد يفشي أحد عناصر الجندرمة ما سنفعله ، والذي يجب أن يبقى سراً. 
النحات        : ما رأيك أن نستعين بمن هو ثقة ؟
القائممقام     : قلت : أنا وأنت فقط .لا نريد فضائح أخرى يا فناننا الكبير.
النحات        : (بخوف واضطراب ) ولكن يا سيدي .أنا..
القائممقام     : كفى جدالا يا أوزال أفندي . مع السلامة.
النحات        : (بذهول ) أنا أفعل ذلك ؟! 
القائممقام      : ( بحزم ) أوزال أفندي.موعدنا هنا غداً. فجراً . فلا تتأخر. مفهوم ؟
النحات        : (وهو يخرج مضطرباً خائفاً ) حاضر .حاضر يا سيدي .

 

–         9 –  
  (موقع التمثال، قاعدة التمثال مفتوحة كفم .يدخل القائممقام يتبعه النحات وهما يقودان جوان،المقيد اليدين،والمعصوب العينين ،النحات في حالة من الخوف والذهول ،بعد لحظات من التردد ، يومئ القائممقام للنحات ،فيدفعان جوان إلى جوف قاعدة التمثال، ثم يبدأان بطمس فتحة القاعدة. الوقت: فجر يوم ربيعي )
صوت جوان  : النجدة .هواررر..
القائممقام     : (بعصبية ) بسرعة يا أستاذ. بسرعة يا حمار.
    ( يحملان التمثال إلى مكانه فوق القاعدة التي تم سد فتحتها،ينظران إليه بخوف تنفرج أسارير القائممقام عندما يجد التمثال وقد وقف بثبات،يحيه بمزيد من الإجلال، ثم يغادر المكان .يتبعه النحات بخطوات متثاقلة .يقف فجأة .ويعود إلى التمثال. يحملق في القاعدة بخوف. تتكرر استغاثة جوان في أذنه .يلتفت حوله بشك . يبحث عن مصدر الصوت في كل زوايا المكان كالمجنون)
النحات     : من ؟ من هناك ؟! من ..من أنت ؟
   ( يتكرر صوت جوان ، يلصق أذنه بالقاعدة وينصت باهتمام .ثم يطلق قهقهة عالية كالمجنون)  إنه هو .. القربان يتكلم .القربان حي . إنه هو (يطلق قهقهات عالية . يصعد على القاعدة . يهز التمثال. يدخل القائممفام )
  إنه حي .الفتى حي .(للقائممقام ) القربان حي يا سيدي. إنه حي..
(يحاول رفع قدمي التمثال عن القاعدة . يطلق القائممقام النار عليه و يخرج. ينزلق       النحات الذي ُيصاب بطلق ناري عن التمثال، ويتكوم عند قدميه )
     النهاية                                             
          قامشلي 10-11-2007
تنويه :
– يمكن أن يؤدي ممثل واحد دور كل من أوغلو والمحقق والقائممقام .

– كما يمكن أن يؤدي ممثل واحد دور كل من آراس و أورهان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…