غشاء البكارة … مرة أخرى

  مازن درويش

ارتبطت عفة الأنثى بشكل رئيس في موروثنا الثقافي و الأخلاقي عبر التاريخ , بغشاء البكارة, على اختلاف الأزمان والبلدان حتى أصبحت كلمة “العفة” مرتبطة ارتباطا عضويا بهذا الغشاء, لدرجة أن الأنثى التي تفقد هذا الغشاء ” بطريقة غير شرعية ” تفقد معه شرفها وسمعتها و تصبح عارا على المجتمع وعلى الأهل حتى وان كانت “مغتصبة”, و كم من فتاة فقدت حياتها لمجرد شبهة فقدانها هذا الغشاء … و تناسينا في حمأة الدفاع عن هذه العفة أمرين : الأول أن العفة قضية أخلاقية عامة لا ترتبط بالأنثى فقط.
فالانثى التي تفقد غشاء بكارتها يشاطرها الفعل رجل لا يوجد لديه غشاء نتخذه مقياسا لوجود العفة لديه او عدم وجودها . و الامر الثاني أن العفة لاترتبط فقط بممارسة الجنس فعفة اليد و عفة اللسان و عفة النفس أيضا عفة . و في كثير من الأحيان يتجاوز الضرر الاجتماعي والأخلاقي الذي ينتج عن فقدانها الضرر الناتج عن فقدان غشاء البكارة . و جاءت الديانة المسيحية والاسلامية لتعزز هذا الفهم العميق لهذه القضية الاشكالية _ ناهيك عن الفلسفات الانسانية _, حيث رفضت الديانتان بشكل قاطع و جلي هذا الفصل التعسفي و اللااخلاقي في قضية الزنى بين المرأة و الرجل و أكدت من جانب آخر على تلازم منظومة الاخلاق بشكل متسق فنهت عن الكذب و عن السرقة و عن الغش و الخداع … الخ . حتى انها أبدت تسامحا كبيرا تجاه قضية الزنى مبني على اساس هذا الفهم العميق و لاتزال كلمات السيد المسيح عليه السلام تجلجل الى يومنا هذا كلما شاهدنا نرجم مريما مجدلية أخرى … ( يا أبناء الأفاعي : من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ) و أيضا و أيضا السيد محمد عليه السلام أيد هذه الروح المتسامحة متسلحا بالقرآن الكريم الذي طلب أربع شهود لاقامة حد الزنى على خلاف جميع الحدود الأخرى و المعاملات التي اكتفى فيها بشاهدين فقط لاقامتها حتى أنه أرجع من جاء اليه معترفا بالزنى مرات عدة على اساس هذا الفهم العميق ذاته .
و لطالما أثارمن حفيظتي و حيرتي وحتى ريبتي فهمنا لقضية الشرف و الأخلاق بطريقة متخلفة عن الاديان السماوية التي جاءت اساسا لتتمم مكارم الاخلاق و اختزالنا لقضية عفة المرأة بغشاء البكارة حتى استمعت الى الدكتور علي جمعة، مفتي مصر، الذي أجاز إجراء عملية ترقيع غشاء البكارة للنساء اللاتي فقدن عذريتهن “لأي سبب كان”، قبل الإقدام على الزواج، مؤكدا أنه “أمر مباح”، حيث أكد المفتي، في برنامج “البيت بيتك” على القناة الثانية/ للتلفزيون المصري، مساء الثلاثاء 13-2-2007 ، أن “الدين الإسلامي يدعو إلى الستر، وإذا كان إجراء الفتاة، التي فقدت عذريتها لأي سبب كان، لعملية ترقيع غشاء البكارة سيؤدي إلى سترها، فإن الإسلام يبيح ذلك”.
وأضاف المفتي: “على تلك الفتاة ألا تخبر خطيبها بأنها فقدت عذريتها، كما أن الأمر ينطبق كذلك على المرأة الزانية، حيث لا يجوز لها أن تخبر زوجها بأنها ارتكبت جريمة الزنا”.وأكد المفتي جمعة “أن ذلك الأمر يأتي في إطار السعي للحفاظ على وحدة الأسرة، وبهدف مساعدة الفتيات المخطئات على التوبة والزواج، ولا يعد من قبيل الغش والخداع”.
بدأت أشعر اننا لأول مرة بدأنا نقارب في فهمنا للشريعة مقاصد الله .  شكرا مفتي مصر ….

ثرى

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…