لا أتصور أن مظهرا أو مشهدا يجسد مبدأ المساواة كما يجسده مشهد حجاج بيت الله الحرام وهم واقفون على جبل عرفة، وقوفا اعتبر أساسا للحج كما ورد عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ” الحج عرفة “، وعلى الرغم أن الحج كان موجودا قبل الإسلام وبعده إلا أنه أعتبر من أعظم العبادات، بل أصبح ركنا أساسيا من أركان الإسلام الخمس.
ضيوف الرحمن في يومهم هذا يمزقون كل عصبية ، ويقتلون كل ضغينة ، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، تسقط بين صخور جبل عرفات كل النعرات ، وتتحطم على أحجارها الشعارات ، الكل فيها يعرفون حقيقة واحدة أن الجميع من آدم ، وآدم من تراب .
وإذا كان عدد حجاج بيت الله الحرام هذا العام أكثر من مليوني حاج ، فلا شك أن أدعيتهم تشمل كل المسلمين في العالم ، وفي هذا تكافل وتعاطف قل نظيره في بني البشر ، اللهم ارحم المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ..
كما أن المسلمين في جميع أنحاء العالم مرتبطين بمشاعرهم مع حجاج بيت الله الحرام من خلال صوم هذا اليوم العظيم ، وهو التاسع من شهر ذي الحجة ، وقد أجمع المسلمون على أن صوم يوم عرفة من أفضل صيام التطوع على مدار السنة ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، أنه قال : ” صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ” [ رواه مسلم ]
وفي هذا الوقوف معان عظيمة وإشارات واضحة جليلة لكل العالم بوحدة الأمة الإسلامية ، فالواقفون جمعتهم كلمة الإسلام على الرغم من تباعد الديار واختلاف البلدان والأوطان ، دون غيرها ، وهذا أكبر دليل على من قال بوهمية الأمة الإسلامية !!
والموقف هذا موقف خير ، فالكل متوجه إلى رب العالمين بالدعاء والتضرع والرحمة لهم وللمسلمين وهو اجتماع سنوي أشبه ما يكون بمؤتمر شعبي منظم ، الكل يعرف ما سيفعله قبل تحركه من بيته!!.
والحج فرصة لتبادل الثقافات ، فعشرة أيام كافية لأن يلتقي المسلم بعدد لابأس به من المسلمين من غير قوميته وبلده وجنسيته ، يأخذ منهم ويعطيهم ، وبذلك يكون المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ..
تعجبت من قول أحد المثقفين – كما يصف نفسه – أن هؤلاء الذين يصرفون هذه الأموال الطائلة ما أقل تفكيرهم !! ماذا يستفيدون من هذه الرحلة ؟!
أعتقد أن صورة الوقوف في عرفة أعظم رد عليه وأمثاله ممن يقولون برأيه الذين يأخذون الفوائد بالمقاييس المادية ، ولا عجب من هذه المواقف ، وخاصة أن هذا ما تم تداوله في مجلس العموم البريطاني ، وتمت مناقشته كوسيلة من وسائل القضاء على الإسلام ؟
عندما قال غلادستون في خطاب له في البرلمان البريطاني :”لن نستطيع القضاء على الإسلام ألا بالقضاء على ثلاثة أركان :
أول ركن : هذا المصحف- واخرج مصحفا من جيبه-” فقام أحد الأعضاء وقطع ذلك المصحف فقال غلادستون”أيها الأحمق ما أردت تمزيقه واقفا إنما أردت تمزيق آياته من صدور المسلمين .
الركن الثاني : القضاء على صلاة الجمعة إن هذا لشيء عجيب كيف يترك المسلمون تجارتهم وكل إعمالهم بمجرد النداء للصلاة .
والركن الثالث : هو القضاء على حج المسلمين وقطع روابطهم بالمسجد الحرام ، من خلال التخطيط للقضاء على ذلك ..