(فينوس فائق : رغم أنني لست سياسية و لا أحب السياسة ، لكنني لا أستطيع التخلص منها ، لذلك تجدني أتأثر بأحداث الداخل أكثر من الذين يعيشون في الداخل .)
حوار: حسين أحمد
ربما استطاعت الصحفية الكوردستانية فينوس فائق وخلال مسيرتها الكتابية من إثبات حضورها في المشهد الإعلامي الكوردستاني بقوة وفاعلية مطلقة ,لقد قدمت جهدا طيبا في محاولتها لإبراز الوجه المشرق للصحافة الكوردستانية وخاصة في القضايا الكوردية .
اما فيما يتعلق في حقل الشعر فللكاتبة الصحفية باع طويل لا تقل أهمية عن مجالها التخصصي في الصحافة لما لديها من ملكات شعرية تخاطب العقل والمشاعر والأحاسيس وذلك لما لديها من رؤى إنسانية اجتماعية سياسية فكرية تتسم بالصدق والموضوعية .
س1- فينوس فائق حبذا لو تحدثيننا عن بدايات الارتطام بلذة الشعر, والكتابة .؟!
ج- حينما يولد الإنسان من رحم أرض موبوءة بالحروب و الاضطرابات السياسية يصبح الشعر قدره .. لا أدري متى كتبت أولى قصائدي ، و لا أدري متى عشقت أول شاعر قرأت له في حياتي ، ربما قبل أن ألد ، طفوت فوق سطح الشعر قبل الأوان ، اكتشفت الشعر بداخلي قبل أن أعرف له اسم ، فعندما قرأت لشعراء كبار عرفت أنني مصابة بداء الشعر ، كنت ما أزال في الثالثة عشر عندما اكتشفت أول نص كتبته ، لكن للأسف كان قدري أن أمزق ما أكتب ، لم يكتب لي أن أنشر إلا بعد سنوات طوال ، لحسن الحظ أن الشعر ليس له أوان ، ففي ذلك الزمان لم يكن أمامي من قارئ سوى أبي ، كنت أكتب و أقرأ له و بعدها أمزق أو لا أدري أين كنت أخفي قصائدي .. عاودت الكتابة و مزقت و كتبت و مزقت ، إلى أن اندلعت الانتفاضة و فتحت آفاقاً و أبوابا واسعة أمامي للانطلاق ..
س2- الشاعرة والكاتبة والصحفية فينوس فائق أين تضع نفسها من بين كل هذا وأين تجد ذاتها أكثر ..؟!
ج- لو كان عالم الإنسان عبارة عن شيء واحد لكان مملاً ، الكتابة عملية تنفس بالنسبة إلي ، و هذه العملية لها أشكال منها الشعر ، الصحافة و كتابة الخواطر السياسية ، و هذه العملية أمارسها على مدار الساعة ، لذا يصعب علي أن أعرف أين أنا من بين كل هذا ، كل ما أعرفه هو أن الشعر قدري الجميل ، الصحافة مهنتي التي أعشقها ، الكتابة هواية أتلذذ بها ، أجد نفسي في الثلاثة ، لكن يبقى الشعر يسكن المنطقة الأكثر خضاراً في أعماقي..
س3- تكتبين المقالة , وتكتبين الشعر,. فكيف توفقين بين هذا وتلك ,
ومتى تكونين مهيأة لكتابة الشعر.؟!
أين تجد فينوس فائق نفسها في الشعر أم في المقالة ..؟!
ج- أعود و أقول أن الشعر قدري ، لا أكون مهيأة دائماً لكتابة الشعر ، بالرغم أن أجمل اللحظات عندي هي عندما أختلي بنفسي و أمارس طقوسي الخاصة و أنجب قصيدة.. المقالة قد تكتب حتى في الحافلة ، أو على طاولة الغذاء في مطعم مزدحم ، لكن الشعر لا يكتب إلا مع طقوس خاصة ، لأن آلهة الشعر تحتلني عندما أكون في مكان آخر و هذا المكان الآخر هو مكان افتراضي لا يوجد على الأرض و إنما يوجد في عالمي أو بداخل كل شاعر هناك مكان جميل يختلي فيه بنفسه عندما يكون مهيأً لكتابة قصيدة بعيداً عن الأرض ، بعيداً عن النفس و داخل الروح.. أجد نفسي في المقالة بشكل و في الشعر بشكل مختلف تماماً ، في الحالتين أجد نفسي ، لكنني أجد نفسي في المقالة بين الناس و الأحداث ، و مع الشعر أجد نفسي مع نفسي أكثر ، و لكل حالة من تلك الحالتين صفاتها الخاصة ، فعندما أتهيأ لكتابة الشعر أتحول إلى كائن آخر بألوان شفافة و أحس نفسي جميلة جداً ، الجمال بمعناه الفلسفي الشعري ، و عندما أكتب المقالة أكون نفسي بشحمي و لحمي و شكلي العادي جداً ..
س4- بما انك مغتربة وتعيشين في هولندا..
أي بعيدة عن الوطن ,
إذا كيف تتواصلين مع الحالة الثقافية والسياسية في الداخل الكوردي؟ .
ج- أحياناً يفقد المكان تأثيره ، كحالة الاغتراب تماماً ، لا علاقة بالمكان حين تشعر بالاغتراب ، فقد تشعر بالاغتراب و أنت في بلدك ، تماماً كالحنين ، قد تحن إلى الوطن و أنت تعيش داخل الوطن ، فعلاقة البشر مع الوطن علاقة متميزة جداً و من طراز آخر لا تخلقها المكان أو ليس بالضرورة أن تبتعد عن الوطن لتكتسب صفة الاغتراب و لأن يداهمك حالة الاغتراب و الحنين ، ربما خروجي من كوردستان قربني من مفهوم الوطن أكثر و جعلني قريبة من الأحداث أكثر من ذي قبل ، و دعاني للتواصل أكثر من قبل ، فالحالة الثقافية في المهجر هو في اعتقادي امتداد للحالة الثقافية في الداخل ، أو أنهما يكملان بعضهما البعض ، خصوصاً إنني بدأت في الداخل ، و واصلت المسيرة في الخارج. السياسة هي من الأمور التي أتعاطى معها دون إرادة مني على مدار الساعة ,رغم أنني لست سياسية و لا أحب السياسة ، لكنني لا أستطيع التخلص منها ، لذلك تجدني أتأثر بأحداث الداخل أكثر من الذين يعيشون في الداخل ، أو أكثر مما أتأثر بما يحدث حولي في البلد الذي أعيش فيه.. ثم لا تنسى أنني صحفية و الصحفي مهمته البحث عن الحدث أينما كان ، فما بالك لو كان هذا الحدث في بلده..
س 5ـ كيف تنظر الشاعرة فينوس فائق إلى المشهد الثقافي الشعري النسوي الكوردي,
و المشهد الشعري في إقليم كوردستان عموماً .؟
ج- المشهد الثقافي الكوردي النسوي بخير ، و لا أدري إن كنت تقصد الأدب النسوي الذي لا أؤمن به ، فأنا اقصد الأدب الذي تكتبه المرأة كالأدب الذي يكتبه الرجل ، و يصبان معاً في خانة الأدب الإنساني .. تطور المشهد الثقافي النسوي الكوردي في السنوات لأخيرة أكثر من ذي قبل ، مع تطور المستوى الثقافي و الأدبي للنسوة في كوردستان الذي رافق فترة مابعد الانتفاضة ، و ازدياد الوعي الثقافي الذي رافق الانفتاح السياسي و الثقافي في كوردستان على خارجه و تعامله مع معطيات الثقافة خارج حدود كوردستان ، لكن الذي يحزنني هو قلة الاهتمام بتعلم اللغة العربية ، فبدون شك أن اللغة هي هويتنا ، لكن من المهم جداً أن يتقن المثقف الكوردي لغة أو لغات أخرى إلى جانب لغته الأم ، فبعد تخلص كوردستان من النظام البعثي الفاشي ، نشأ جيل لم يتعلم اللغة العربية و بالتالي يصعب عليه الإطلاع على الأدب العربي باعتباره الأقرب جغرافياً و شريكه في التأريخ ، و بالتالي أجد الأسماء النسوية الكوردية قليلة جداً في مجال الكتابة باللغة العربية قياساً بعدد الكتاب الرجال الكورد الذين اقتحموا الساحة الثقافية العربية .. النسوة في كوردستان يقدن حركة ثقافية جيدة ، الآن توجد في كوردستان أعداد كبيرة من الأديبات و الصحفيات و الكاتبات و الشاعرات قياساً بفترة قبل الانتفاضة و حتى بداية تحرير كوردستان ، حيث أن عدد النسوة الناشطات في المجال الثقافي في مدينة السليمانية مسقط رأسي مثلاً آنئذ لم يتعدى عددهن عدد أصابع اليد الواحدة ، لكن الآن و بفضل الحركة النسوية في مختلف المجالات هناك تحرك آخر نحو نيل المزيد من الحقوق الثقافية والإنسانية ، و هذا دليل آخر على ازدهار الوعي الثقافي و ارتفاع درجة الوعي بالهوية الثقافية الكوردية بين النساء الكورديات و الذي يقاس من خلاله درجة رقي المجتمع نفسه ، لذا أنا متفائلة رغم كل شيء..
س6-الأدب النسوي الكوردي قليل فأنت ككاتبة كيف تنظرين إلى واقع المرأة الكوردية ثقافياً .. ؟؟
ج- أعتقد أن جواب هذا السؤال ممكن قراءته بين سطور جوابي على السؤال السابق ، فواقع المرأة الكوردية ثقافياً ليس سيء ، و أنا أتكلم هنا عن الجزء المحرر من كوردستان و هي كوردستان الجنوبية ، لأن كوردستان الشمالية و الشرقية و الغربية ما زالت ترضخ تحت سيطرة المحتل و بالتالي فالواقع الثقافي الكوردي في تركيا و إيران و سوريا أجدها تحت الصفر عدا الأصوات النسوية التي نتابعها في خارج كوردستان ، لأن المثقف الكوردي عدا عن انقسامه بين أربعة دول محتلة ، هناك جزء كبير منه في المنافي ، و هذا الجزء هو الأكثر نشاطاً ثقافياً ، فهناك أصوات نسوية كوردية من كوردستان الغربية مثلاً وصلن إلى مسويات جيدة و غيرن جزءاً من الواقع السلبي الذي كان مفروضاً عليهن في الداخل ، فعند دراسة الحالة الثقافية الكوردية بشكل عام و النسوي منه بشكل خاص لابد أن نقسم ذلك الواقع على أربعة أجزاء تنقسم بين أربعة دول تحتل كوردستان بالإضافة إلى واقع ثقافي في المهجر و الذي هو أكثر تطوراً و هو امتداد لما هو في الداخل ، و لأن كل دولة محتلة لكل جزء من كوردستان تنتهج سياسة معينة و خاصة بها لتذويب و تشويه المعالم الثقافية الكوردية في ثقافتها التي هي السائدة التركية و الفارسية و العربية ، و المرأة المثقفة باعتبارها النصف المهم من المجتمع فهي أيضاً جزء من الكل و هي أيضاً تتعرض إلى سياسة القمع الثقافي و التشويه على كل المستويات ، لكن و بفضل التكنولوجيا و بفضل وجود عدد لا بأس به من النساء الكورديات الأديبات و المثقفات من الأجزاء الأربعة لكوردستان في المهجر ، يقع على عاتقهن التعريف بثقافتهن للأوساط العالمية و العمل على تثبيت المعالم الأصيلة في ثقافتهن و التمسك بها بين ثقافات الشعوب لتمييزها بين تلك الثقافات ، على أساس أن الثقافة هي هوية الشعوب ..
لأن مفهوم الثقافة واسع جداً لا يمكن اختصارها في معان محدودة ، هناك حركات نسوية تأخذ على عاتقها مسألة تحرير المرأة من قيود المجتمع داخل كوردستان في الجزء المحرر الجنوبي و هي تشكل جزءاً من المنظومة الاجتماعية المدنية في كوردستان ، و لطالما هناك حركة ثقافية نشيطة في المجتمع الكوردي و المرأة الكوردية باعتبارها جزء من هذا المجتمع عليها أن تأخذ مكانها في مقدمة هذه الحركة الثقافية..
س – كيف تنظر فينوس فائق إلى التجربة الشعرية الكوردية بصورة عامة…
نود رأيك بوضوح كامل .؟؟
ج- باعتبار أن الشعر هو أحد النتاجات الثقافية و أهمها ، و عليه فإن الشعر هو المجال الثقافي الأكثر تأثراً بالتقلبات و التغييرات السياسية في المجتمع ، عليه فإن التجربة الشعرية الكوردية مرت بتجارب كبيرة و كثيرة ، مرت بإحباطات و مرت بفترات ازدهار ، تبعاً للتقلبات السياسية و الاجتماعية في المجتمع ، فكما قلت عند الحديث عن أي تجربة ثقافية كوردية من غير الممكن إغفال مسألة مهمة و هي انقسام كوردستان الكبرى على أربعة دول محتلة و عليه فإن التجربة الشعرية الكوردية في كوردستان الجنوبية تختلف عنها في كوردستان الشمالية و هي تختلف عن تجربة كوردستان الشرقية و التي تختلف بالتالي عن تجربة كوردستان الغربية ، و عليه ما من دراسة شاملة يعطي حق هذا التقييم حقه مالم نأخذ في الاعتبار كل المعطيات الثقافية و السياسية و الاجتماعية و الأزمات التي مر بها المجتمع الكوردي على طول التأريخ و الصراعات السياسية و الكبوات و الانتصارات ، لكن تبقى مسألة مهمة و هي أن عجلة الشعر تبقى تدور في كل الأزمنة ، فإذا نظرت إلى تأريخ الأدب الكوردي بشكل عام فهناك أسماء لامعة و مازالت حاضرة في الأذهان ، أسماء شعراء كانوا يقاتلون العدو بقصائدهم و يحاربون الحكومات الفاسدة التي تحتل كوردستان على مر التأريخ ، و نفس الشيء يتكرر لو نظرنا إلى التجربة الشعرية الكوردية الحاضرة ، في كوردستان الغربية أو الشرقية أو الشمالية مثلاً ، مع أخذ مسألة أخرى مهمة في الاعتبار و هي أن التجربة الشعرية الكوردية تأثرت بشكل أو بآخر بتجربة أدب الدول المحتلة لها ، فتجد ملامح الأدب العربي يغلب على نتاجات بعض الشعراء الكورد في كل من كوردستان الجنوبية و كوردستان الغربية ، إلى درجة أن هناك شعراء للأسف لا يكتبون باللغة الأم ، يكتبون فقط باللغة العربية و هذا ما يحزنني كثيراً ، و حتى أن أدباء من كوردستان الشمالية أيضاً تجد تأثير ألأدب التركي واضح على نتاجاتهم و نفس الشيء بالنسبة لأدباء كوردستان الشرقية ، و قد أشرت سابقاً إلى أهمية تعلم اللغات الأخرى بجانب لغة الأم ، و هنا أ,د أن أشير إلى أهمية الكتابة بلغة الأم إلى جانب الكتابة بلغة البلد المحتل ، لكن في النهاية تبقى الهوية واحدة لأن القضية دائماً واحدة..
س7- أثارت مقالاتك الصحفية ضجيجا في الأوساط الثقافية .؟!
فماذا تقولين في تلك التجربة التي مررت بها؟
ج- كانت تجربة جميلة و جديدة علي و على القراء ، و لطالما أستفيد من هكذا تجارب ، و كانت بداية جديدة لي ، و كانت بمثابة كسر بعض الجدران بيني و بين و الآخر ، و محاولة لاختراق عقل الآخر و مخاطبته بعيداً عن الشعارات و الخطابات الجامدة و الكلمات المتكررة و ابتكار أسلوب جيد للتحاور مع هذا الآخر ، حاولت من خلال بعض المقالات أو “الخواطر السياسية” هكذا أسميها حاولت كسر الطوق الرتيب ، و أن أدخل عالمه رغم اختلافنا ، حاولت أن أسمع (بضم الهمزة) صوتي كامرأة و ككوردية إلى الآخر و أن يتقبلني برغم اختلافنا في وجهات النظر ، فليس بالضرورة إن كنا مختلفين أن نكون أعداء ، فقد نكون مختلفين و أصدقاء في آن واحد ، و كانت تجربة جديدة حتى على القراء ، فأنا بت أمل من المقالات الجامدة التي تتحدث عن الأحداث و كأنما تتحدث عن شيء جامد لا مشاعر له ، فالمقالة التي تحرك المشاعر لا تكون مقالة ، و الكتابات التي نشرتها حركت مشاعر البعض سواء بالسلب أو بالإيجاب و هذا ما أثار الضجة ، فقد اعتدنا دائماً على المجاملات حتى في مقالاتنا السياسية ، كان الكتاب و حتى الآن الكثيرين منهم يكتبون المقالة بعيداً عن مشاعرهم الخاصة ، و بالتالي فهم يعبرون عن شيء جامد و جاف ، لكنني تلقيت ردود فعل إيجابية و جميلة من الكثير من القراء و قربني منهم ، فمهمة المقالة تختلف عن مهمة الصحفي و التحقيق الصحفي أو المقابلة ، إذ على الصحفي أن يكون محايداً تماماً و أن ينجز مشروعه الصحفي بأمانة دون تدخل مشاعره الشخصية ، لكن كتابة المقالة أو الخاطرة السياسية شيء آخر تماماً أتحدث من داخل قناعتي الشخصية و بشفافية ، من هنا جاء الضجيج ، فالقارئ لم يتعود على مثل هذه الشفافية و من كوردي لطالما كان مكبوتاً و مقموعاً ، و بالأخص من امرأة لطالماً كانت تابعة لآراء الرجل ، فأن تأتي امرأة و كوردية و تتكلم بشفافية و مقالة أو خاطرة سياسية و بطابعها الأنثوي الخاص ، في كل الأحوال لم تكن تجربة سيئة و كانت مفيدة لي للقراء في آن واحد..
س8- كيف تقرأ الكاتبة فينوس فائق المشهد الانترنيتي الثقافي الكوردي وخاصة بعد ملاحظتنا في الآونة الأخيرة وكأن الانترنت أصبح عمل العاطلين عن العمل…
حبذا لو تسهبين في ذلك .؟؟
ج- ليس كل ما يكتب يدخل في خانة المقال السياسي أو الثقافي ، و ليس كل ما ينشر على شبكات الإنترنت يكون موافياً لكل الأعراف الصحفية و قوانين الكتابة و أصول الصحافة ، و ذلك الإشكال يأتي من كون الصحافة الالكترونية هي صحافة حرة بكل المقاييس و لا تخضع لأي اعتبارات و أعراف صحفية تعلمناها في عملنا الصحفي و تقيدنا بها ، فأن يأتي كاتب هاوي اليوم و يريد أن يقول أي كلام و لا تنشر له الصحف و الجرائد المطبوعة أي كلام بطبيعة الحال ، و يجد نفسه أمام هذا المد الإنترنيتي الهائل من شبكات خبرية و معلوماتية و مواقع الكترونية تنشر لكل من هب و دب دون أن يسألوا من هذا الكاتب و من هو صاحب هذا الاسم ، فطبيعي أن يتحول الإنترنت عند الكثيرين إلى عمل العاطلين عن العمل ، و بالتالي هناك كتاب هواة يزاولون الكتابة على الإنترنت ، ناهيك عن أن الإنترنت يفسح المجال أيضاً أمام مزاولة الكتابة بأسماء مستعارة ، فالإنترنت مثلما هو إنجاز علمي و تكنولوجي عظيم يقدم خدمة عظيمة للبشرية ، إلا أنه في نفس الوقت يهيأ الأرضية الصالحة لممارسة الإرهاب الفكري و الترويج لبعض الأفكار التي ليس لها وجود على ارض الواقع ، و بالتالي فقد برزت أسماء في عالم الكتابة في السنوات الأخيرة من خلال الكتابة في المواقع الالكترونية لم يكونوا موجودين قبل ذلك ، و لما كانوا سيوجدون لو لم يكن هناك شيء أسمه المواقع الالكترونية ، و نفس الشيء ينطبق على المواقع الالكترونية نفسها ، فهناك أيضا مواقع لا تعرف لها صاحب و لا هوية ، و بالتالي يكتبون فيها أسماء لا يمتون إلى عالم الكتابة لا عن قريب و لا عن بعيد ، و إنما الهدف هو الترويج لفكر معين أو محاربة فكر معين أو الربح المادي..
و عليه عندما تفتح الإنترنت تجد نفسك تنتقل من موقع إلى موقع بحيث تذهب بعيداً و لا تعرف من اين أتيت ، فتصل إلى مواقع غريبة و عجيبة ، فكثيراً ما أدخل على مواقع كوردية جديدة لا أعرف من يقف وراءها و من الذي يحرر فيه و حتى من هم الكتاب الذين يكتبون فيه ، و عليه من الصعب أحياناً تقييم المشهد الإنترنيتي الثقافي و الكوردي منه على وجه الخصوص ، لأنها هي أصلاً إشكالية بحد ذاتها..
س9-الإعلام الكوردي- السياسي منه يطرح –يوميا أسماء وعناوين جديدة إلى الساحة الثقافية لكننا لا نلتمس تطورا في الحالة الثقافية…
كيف تحللين هذه الإشكالية ..؟؟
ج- تحرر المجتمع من قيود المحتل و انفتاحه على حياة جديدة و تعاطيه مع مفردات الديمقراطية بغير حساب و دون قيود ، بالإضافة إلى عدم وجود رقيب ، الرقيب بمعنى الأعراف الصحفية و الإعلامية ، عدم وجود توازن في نمو إدراك الفرد لما يحدث حوله بالمقارنة مع نمو الوعي الثقافي و الاجتماعي و السياسي و عدم وجود منظمات المجتمع المدني بسبب عدم وجود حكومة أو نظام حكومي موحد يحكم كوردستان الذي يمنع في الواقع قيام منظمات المجتمع المدني ، هذا في محصلته ساعد على إيجاد تلك الحالة من عدم التوازن في الساحة السياسية الثقافية ، فليس بالضرورة إن كان المرء سياسياً أن يكون مثقفاً في ذات الوقت ، فلدينا الكثيرين من السياسيين الذين كافحوا لسنوات طويلة و حاربوا المحتل ، لكن بدافع وطني و قومي خارج المنطقة الثقافية ، أي أنهم لم يكونوا مثقفين كفاية عندما تحررت كوردستان و تسلموا زمام الأمور و الحكم في كوردستان ، لذلك أرى أن تلك الإشكالية تقوم بين المثقف الحقيقي و السياسي الذي لا علاقة له بالثقافة ، فأن تكون مثقفاً قد يكون بإمكانك قيادة المجتمع ثقافية ، لكن لا يكفي أن تكون سياسياً فقط ليقود المجتمع إلى بر الأمان ، للأسف هذه الإشكالية تساعد على تأزمها القنوات الإعلامية التابعة للأحزاب و تغذيها بجهلهم بها أو بسكوتهم عنها ، يدفع ضريبتها المجتمع و المثقف على وجه الخصوص ..
س10- كيف ترسم فينوس فائق الأفاق المستقبلية للحالة السياسية الكوردية الراهنة ,في واقع يتطلب تغيرات جوهرية وأيضا في واقع يحيط بالكرد أعداء خبيثون وشرسون ,فهل من خلاص للكرد من هذا الرعب القاتل..
وهل الكرد سيكون بإمكانهم الانخراط في كتابة مستقبل شرق أوسطي جديد .؟
ج- إذا أبدأ من نهاية السؤال أقول أن الكورد سيكون لهم شأن و شأن كبير في كتابة المستقبل الشرق أوسطي و حتى منطقة الشرق الأوسط نفسها تعول على الدور الكوردي ، لكن شرط أن تعي القيادات الكوردية كبر حجم المهمة الملقاة على عاتقهم ، فالكورد اليوم على أعتاب تغيير جذري من غير الممكن التراجع عنه ، فهاهم الكورد في كوردستان الجنوبية يقبلون على مرحلة جديدة جديرة بالدراسة بعمق ، و يلعبون دورهم التأريخي في رسم خارطة سياسية جديدة في منطقة الشرق الأوسط ، بالرغم من كل المخططات الجارية لإحباط دورهم التأريخي و إعادتهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية ، الأمر الذي يمكن أن نلاحظه بشكل واضح مع الخطوات الجارية لكتابة الدستور العراقي و محاربة الكورد لكن بأدوات جديدة و بإسم الديمقراطية المزعومة التي لا يفقهها العدو ..
و بدون الدعم الدولي للقضية الكوردية من غير الممكن أن النجاح ، و لكن لو أشركنا إخواننا الكورد في باقي أجزاء كوردستان و كانت عملية التغيير عملية جماعية على مستوى كوردستان الكبرى سيكون للكورد شأن عظيم في رسم مستقبل منطقة الشرق الأوسط بعد تجربة اليهود.. نعم فبقدر أن جزء من كوردستان صار الآن قوياً يصبح عدونا ضعيفاً لو تكاتفنا في الأجزاء الأربعة ضد أللأعداء الشرسين ، لكن متى سيتحقق هذا التلاحم الكوردي بأجزاءه الأربعة في وجه أعداءه؟؟
س11- فينوس فائق ما هي مشاريعك المستقبلية .؟!
ج- مشاريعي المستقبلية هي الكتابة ثم الكتابة حتى آخر رمق من حياتي ، ليس عندي جديد سوى مجموعة شعرية باللغة العربية جاهزة للطبع بعد مجموعتي الشعرية التي طبعتها عام 2001 بإسم (الخطايا الجميلة) و أتمنى أن تظهر مجموعتي العربية في المكتبات في القريب العاجل إن شاءالله..