خابوريّات

عبدالرّحمن عفيف

كوني أختك ولكن لا تعجبني أختك
كوني صفراء وبرتقاليّة في المزهريّة
وكوني بيضاء في المدرسة
لأنّني ضعيف اللّحظة
سأقع في حبّك وأختك لن تكون أنت.
من أين سيكون لها اسمك
وسمّك البرتقالي!
وخطوتك في الصّف التّاسع

ثمّ في الثّانويّة!
شِعر في خابور الجزيرة الذي نقشه شعراء
كهول الآن كانوا يصفون الجزراويّ
متعبون ومرضى في المنافي
قلوبهم مليئة بالمخدّرات لأجلك
أيّهاالخابور الضحل التّعيس
مثل سيف صدىء مهزوم.

نهر الجقجق
الجرائد وأعلام مزركشة
منكّسة، سريّة
ومختفية
مدينة منقّطة بالمساء
كأن لا مساء في مدينة أخرى
وفتيات على الشّوارع
كالمصابيح
في الوحل يجلبه الجقجق
والصّبغ تصنعه الذّكرى.

رعد البساط بين الحرمل
برق جدّي في الصّلوات على التّلال
تزحلقت السّطول مع بشرها
والعنزة والكبش بقرون اللّوز
بيت المختار
خنجره على قلب الضّيوف
على الحرمل المنسيّ.

النّبتة المخمليّة على جدار البلوك
الموضوع على بعضه
بالوحل في الحارات النّائمة
في الظّهيرة
وفي الطّنجرة الكبيرة
يغلي القمح ومن أسطح البيوت الأعراس
تزوّج فلانٌ وطلّق علاّن
وسيارة صفراء خلف سيّارة فضّية
كلّ ما أراه
قطعة البطّيخ يأكلها طفل
وخلفه أعراس الذباب
على الأبواب والمدراس
والمستوصفات المغلقة أيّام الأعياد.

السلّم ذلك بعرضه وقع
على الطّريق وسلّمت عليه
السّنبلة المعوّجة
تلّ في القريب
مثل بئر فوقه
أصحاب الزّرع القادمون
الشّعراء في محنتهم
مطرٌ كثيف لا يتركهم يتنفّسون.

سأقول كانت الخرزة خرزة زرقاء
تشبه البئر في الصّيف
والصّيف على الخرزة الحمراء ستقولين
في العام العاشر على فراقنا الأبديّ
ولك يدٌ نسيتها
ولي قلب نسيته السّلالم الخشبيّة
في أصيافها.

الرّيش المتبعثر على طرقات الشّتاء
الذي دعس بمطره
كديك بقلب بدل المنقار
صاح الدّيك المذبوح
في العصر:
على البئر الدلو الفارغ.

مطر غاب بين السّلال
والتّلال
وأشرق وأشرق
ذات يوم
على طرق القامشلي
هطل المطر وأسرع النّاس
في السوق
فتحوا مظلاّتهم
نظروا وضحكوا
جاعوا فأكلوا
وأقاموا الأعراس
فوق السّطوح أو تحتها
قبل المطر
وبعد شروق الشّمس
في العام الذي قبل هذا العام بأعوام.

في حارة المسيحيّين
تكلّمت إليّ الكنيسة
وفي حارة المسلمين تكلّم إليّ الهلال
والمحراب الكبير
وقال: إلى أين؟
قلت:
إلى الجامع الصّغير المسكين
الذي خلف قزحيّات القامشلي.

حول رأسي نهر الجقجق
حول هلال المساجد
وصلبان المحبّات المجتهدة
في آلاف السّيوف
وتلال سندسيّة
نصف مدينة على هذا الجانب من النّهر
والجانب الآخر آتيه في باص بطيء
كسائح من قرون الحروب.

آخ أيّها الخابور
ذو القشّ البنيّ المهترئ
آخ أيّها الخابور
بين الفتيات الوحيدات بأثواب طويلة وأفواه كتيمة
وقرى غطّاها الوحل
وغلبها النّسيان وكتمها الضّعف

أيّها الخابور.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…