يؤلمني أن يطلب تسهيل الزواج وتذليل العقبات من الفتاة فقط، وكأنها الوحيدة التي تتحمل ذنب صعوبات الزواج، مما يؤدي إلى قبولها بأول فرصة من غير أن تفكر فيما تريده من خصوصيات تهم حياتها برفقة حبيبها، وإلا فاتتها الفرصة ، وحينها يأتيها العتاب من كل صوب !!
في الحقيقة وأنا أعيش هذا اللحن ، اعتز بالمجتمعات الإسلامية التي يحرص فيها الرجل الذي يرغب في الزواج والاقتران بزوجة حبيبة أن يكون زواجه صحيحا مستوفيا أركانه وشروطه حتى لا يقع في المحظور الشرعي …. نعم اعتز بذلك فالزواج عقد مقدس يجمع تحت مظلته الحبيبين ليصنعا معا شهد الهوى ، وحلاوة الحياة وطعم التلاقي .
للمرأة كلمتها :
أثناء إبرام عقد الزواج قد يكون للمرأة شروط تذكرها ، فهل من حق الحبيبة أن تشترط على زوجها ؟ ثم ما موقف الشريعة الإسلامية من هذه الشروط ؟ وماذا لو خالف الحبيب شروط حبيبته بعد أن وافق عليها طواعية في بداية مشوار الزوجية ؟
قال الفقهاء : إن للمرأة أن تشترط ما تشاء أثناء إبرام عقد زواجها على ألا يترتب على شروطها ترك واجب أو الوقوع في محرم .
إضافة إلى هذا الضابط ، قال الفقهاء أيضا : أي شرط يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية من الزواج فهو شرط مختلف فيه ، والصحيح من أقوال العلماء أنه لا يجوز .
وبناء على هذين الضابطين : يجوز للمرأة بعض الشروط دون بعضها ، وكذلك يختلف تأثير الشروط حسب حكمها في الجواز وعدمه على فساد العقد وصحته .
شروط باطلة :
فمن الشروط الباطلة وغير الجائزة مثلا :
1 – اشتراط المرأة عدم الإنجاب ، وعدم المجامعة الجنسية ؛ لأن هذا الشرط يخالف المقصد العام والأساسي من الزواج ألا وهو التناسل البشري ، وتكثير سواد الأمة ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَم ) رواه أبو داود (2050) .
كما أن حاجة الإنسان إلى التمتع بشهوته الجنسية مطلب شرعي، إن لم يحصل عليه بالطرق الشرعية والجائزة فلا يؤمن وقوعه في شراك الشهوة المحرمة التي تؤدي بالإنسان إلى مهالك الرذيلة ، لذا يقول حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) أخرجه البخاري (5065) ومسلم (1400)
وفي إطار هذا الشرط يقول الخطيب الشربيني من علماء الشافعية : ( وإن أخل الشرط بمقصود النكاح الأصلي كأن شرط أن لا يطأها الزوج أصلا, وأن لا يطأها إلا مرة واحدة مثلا في السنة أو أن لا يطأها إلا ليلا فقط أو إلا نهارا فقط أو أن يطلقها ولو بعد الوطء ، بطل النكاح لأنه ينافي مقصود العقد فأبطله ) . مغني المحتاج 4/377.
2 – ومن الشروط التي لا تجوز للحبيبة اشتراطها على الزوج أن يترك أهله، سواء كان بر والديه أو صلة الرحم مع أقاربه، لأن التعارف وصلة الرحم والمحافظة عليهما من أهم مقاصد الشريعة في الزواج .
وبناء على الضوابط السابقة الذكر: فإن هذه الشروط لا يجوز الموافقة عليها، ولا اشتراطها مهما كانت مكانة حب هذه المرأة في قلب حبيبها؛ لأنها فاسدة ومخالفة لمقاصد الشريعة من الزواج، والواجب عليها – والحالة هذه – أن تتق اللهَ تعالى في نفسها ..
شروط جائزة :
أما الشروط التي لا تحرم حلالا ولا تحل حراما، ولا تخرم في مقاصد الشريعة من الزواج فهي جائزة وإن كانت تعارض بعض الأحكام الجائزة، ومن تلك الشروط :
1 – أن تشترط الحبيبة في عقد قرانها أن لا يتزوج عليها حبيبها يوما من الأيام ، فهذا شرط وإن كان يخالف حكما شرعيا جائزا وهو جواز التعدد للرجل وزواجه بأكثر من امرأة ، إلا أن اشتراطه لا يخل بمنظومة الزواج في الإسلام ، إلا إذا ألغي التعدد من بين الحكام الشرعية ، حينها سيكون لكل حادث حديث !!
2 – وإن اشترطت أن لا يخرجها من وطنها ، أو تطلب تأمين السكن والخادمة لها وحدها فلها ذلك .
3 – كما ويجوز لها أن تشترط حفظها لمالها وراتبها وان تكون مستقلة في حقها المادي ، ولا يحق لزوجها في حالة هذا الشرط ، التصرف بمالها إلا بإذنها .
هذه الشروط يجب على الزوج أن يلتزم بها ، لأنها شروط صحيحة لازمة ، وإلا فإن رفض الزوج شيئا منها فلها الفسخ ، وما يترتب عليها من حقوق .
شرط مدمر :
في بعض الأحيان تتجاوز المرأة سقف مطالبها سواء كان ذلك طموحا منها أو تحريضا ودفعا من قبل غيرها – وفي بعض الأحيان تكون مستغلة بتعلق حبيبها بها ، وفي جميع أحوالها تكون هي الضحية لمثل هذه المطالب والأهداف ..
ومن هذه الشروط : أن تكون عصمة الطلاق بيدها ، وهي الأنثى المعروفة بضعفها في مواجهة عواطفها وانفعالاتها ، وهو شرط أشبه ما يكون باللعب بالنار بين أكوام القش والحطب !! ، وتلغيم لأركان أسرة بدأت لتوها ، ولا يعلم موعد انفجاره المتوقع في أية لحظة !!
نعم كل مسلم يتق الله في نفسه ، سيكون مراعيا لوضع المرأة التي تتألم عندما تهدد بالطلاق ، لأنه تهديد يهدم عشها الدافئ ، ومملكتها العامرة ، وعرشها الوقاد ، وتبخر لأحلامها التي تخطط من خلالها للمستقبل السعيد !!
نعم اشعر بذلك ، ولكن في الوقت نفسه أرى أن الرجل، هو الأقدر من المرأة في الغالب على ضبط عواطفه وبتحكيم عقله ، وخاصة عندما تقع المشكلات الزوجية ، بعد أن بنيا حياة زوجية ملؤها كل خير منذ أن سرى نسيم الحب في قلبيهما .
كما أن حصر الإسلام الطلاق في يد الزوج إنما يعود لكونه المتضرر الأول من الطلاق من الناحية المادية فهو الذي يجب عليه المهر والنفقة لمطلقته ولعياله طوال فترة العدة والحضانة، هذا الأمر يجعله أكثر ضبطاً لنفسه من المرأة التي قد لا يكلفها أمر رمي يمين الطلاق شيئاً.