في إهاب ما كان:
على مدى سنوات خمس، نشرت انترنتياً، كماً كبيراً من المقالات، أثار الكثير من ردود الأفعال النقدية، وما أقلها، والانفعالية وخارج سياق الموضوع المحدَّد، وما أكثرها.
في مجمل الحالات، كان ثمة تخوَّف لافت، للنقد (وخصوصاً النقد الذي يجمع في ذاته، ما بين الحراك النصي، والمسلك الذاتي اليومي للمعني بالنقد)، من خلال أمثلة متوافرة كردياً.
في رهاب ما هو كائن:
لعلي، من هذا المنطلق، وبسبب ما أثرت حتى الآن، وقد أمعنت النظر في السنوات المنصرمة، وما قيل وتردد، من سخف الكلام، أو هزيله، أو حتى جميله، كان علي أن أواجه ذاتي، أن أقرأ فيما نشِر، وفيما كنت أسمع وأناقش، وأنا أعيد إلى الذاكرة ، ما كتبته في مقال سابق لي، وهو (الانسحاب)، في محاولة لمعرفة ردود الأفعال المترتبة على إجرائي، ومن ثم عودتي إلى الكتابة، لأجد نفسي، كما لو أنني، في الغالب الأعم، كمن يصرخ عالياً: هل من منازع آخر، هل من مصارع آخر! أي كأنني أتحرك وسط حلبة ساخنة تغطي حدود الكردي هنا، كأنني بالفعل أصادق ذاتياً على أن الكتابة حلبة صراع، وأن النقد استنفار للعشيرة وتوابعها، وليس لي طاقة في هذا المجال، لنأيي الكلّي عما له صلة بالعشيرة وروافدها العصبوية، كما هو المقروء في تاريخ التواصل اليومي الكردي حتى اللحظة، وصار هناك نوسان مقلق، وأنا بين كوكبة الأصدقاء وكولبة الخصوم، فلا أستطيع أن أباري الخصوم لأنال رضى الأصدقاء كما يتمنون، ولا أتمكن من أن أباري الخصوم على طريقتهم، ليبقى الأصدقاء أصدقاء، مثلما أنني تلمست صبراً لدى أصدقاء مقربين أوشك أن ينفد إزاء ما يجري، صبر هو خطاب تنبيه لمواجهة مغايرة، مثلما أنني توصلت في ظل هذا التآخذ البيني : الذاتي، إلى نتيجة منطقية، وهي: إذا كانت الكردية تجد اسمها في شخص هو ابراهيم محمود، وكما تصرَّفت، فلا كانت الكردية ولا عاشت، وإذا كان ثمة حقد وحيد يتمثل في كائن وحيد، بلبل الكردية تاريخياً، يجسده ابراهيم محمود، فلا كان حقد ولا عاش، إذ لم يبق هنا إلا الدخول في حومة التسابق الشتائمي، وما هو أكثر فظاعة من ذلك.
فكان لا بد من اتخاذ الآتي، في مواجهة الانترنت “الكردي” الذي قائمة النزالات الكبرى:
أن أعلن الوداع الأخير للانترنت الكردي، أي كل ما يخص المواقع الكردية الانترنتية، وحتى الصحافة الكردية، أنَّى كان موقعها، ومهما ثقل “معيار” القائمين عليها كلياً. أن أدع الانترنت الكردي لانترنتييه، وأبقي لي “نًتّي” الخاص، مستأنساً به، حتى يبصر نوره!
وأنا أقول : بكثير من الألم النافذ والأمل النافد، أعلن وداعي هذا، تاركاً العربة والحلبة لرموزها.
أصرّح بأنني كنت الدخيل على الحلبة هذه، لأنني لم أتفهم لغة النظارة، ولا لغة القيَمين على المواقع الكردية ودبلوماسية الحوار الداخلي والخارجي، أو حكماء المشهد اليومي للصراع الكردي الكردي، قبل سواه، أو حكام الساحة المفتوحة كردستانياً، إذ حتى في دائرة الصراع والنزاع، يظهر أن لا بد من وعي مركَّب، يظل طرفاً محتدا أكثرمن الآخر، ليبقى الدم نازفاً، ما بقي كردي واحد في المعمورة، وأنا هنا، أعتذر لجملة الحكماء والحكام هؤلاء، عن رداءة فهمي هذا.
أعتذر لساسة الكرد وممثليهم الحزبيين، والتحزبيين ومن هم على ظهور خيلهم، أو سائسوها، لأن هذا الانقسام الحزبي الكردي، والتسفيه المتبادل، وكذلك التنابذ بالألقاب، كان لي يد فيه، حتى قبل أن تلدني أمي الأمية، قبل أن أتلقى أي درس في كيفية الإيقاع بين الأحبة من الساسة الحزبين وأضرابهم، أن أتلقى أي معلومة عن المناقب المُحتفى بها حزبياً، وكيفية النخر فيها.
أعتذر (وهذا يهمني مباشرة)، لكل الذين تحزبوا حباً في الوطن الكردي الممزق مثلهم حدوداً وسدوداً ملتهبة، وقد أسأت الظن في تحزبهم واحترابهم الصريحين، مثلما تحزبوا حباً في أمة تبحث عن وجهها الفعلي في مرآة تاريخ يخلو من غبش التخوين المتبادل، والطعن السهل في هذا وذاك من قبل أقرب المقربين إليه، أعتذر كما قلت، لأنني كنت المسئول الأول عن طرد عظيم زمانه الدكتور نورالدين ظاظا، (وأنا أردد في صمت وبألم : يا شبيهي!)، من حزب ضم أميين ثقافةً، أميين تاريخ وعي ٍبالحزبية، أنني كنت وراء لقب (XIRPO) الذي لاحقه حتى طفَّشه من كل حدود وطنه الممزق وأمته الموعودة، إلى أقصى الأقاصي، في بلاد احترمته في كرديته مثلما آوته بسبب جدارة كردية، انسانية الطابع فيه، وكوني (تخربوتُ) مثله كثيراً من بعده، ولعلي أستحق هذا اللقب، كوني تجاوزت حدوداً يمنع تصور مراصدها، وسميت أسماء، تطأطأ رؤوس ونفوس لها، كما هو العرف العشائري التكياتي الأوليائي بالجملة قبل كل شيء! وحيث لم يبقى كاتب كردي، في حدود علمي (إلا في حالات خاصة)، إلا وقد تعرضت له كتابة، من زوايا مختلفة، والكثيرون منهم اغتبطوا لهذه الكتابة، لأجد فيهم الصمت الآخر (إلا أقل الأقل منهم)، الصمت: الكتابة المضادة لما لا يشتهيه امرؤ، وأعنيني هنا مجدداً، رغم حلو الكلام إميلياً، أقول هذا ليس رغبة في استنفار مواز ٍ دحامي العلامة، وإنما لأن ثمة ما لا يجب التكتم عليه !
أعتذر مجدداً إذاً، لأنني كنت أجهل الجهلاء، إذ لم أستطع تصريف فعل العتمانكية والمحمودكية، إذ لا العتمانكية آوتني لصعلوكية مقامي، ولا المحمودكية (رمت معاطفها علي)، لدونية شأني ولغتي الغريبة على أهلها وأهل أهلها، حيث الكتَّاب الجوَّف يتكاثرون كما هي الطفيليات التي لا تنمو إلا في أعماق الغابة الرطبة، ولا تتحرك إلا في عتمتها، وليس في المهاد الشمسي، رغم أن الكثير الكثير منهم، يظهروسريعاً، ويختفون سريعاً، فتلك هي سيماؤهم الظرفية.
أعتذر لكل الذين انشغلوا بأمثال هاتيك (العطالات)، وأنا أعاهدهم، أنني وبدءاً من هذه المادة التقريعية للذات، سأعيش منبوذيتي الخاصة، دون أن أقلق راحة صاحب أو صديقأ وحريص علي، وأنا أترنم بـ(أغنية إلى نفسي)، دون أن أحشر نفسي فيما لا يعنيني من المعتبر نقداً حقيقياً، حتى لو كان الأمر جريمة كتابية، ومن ثم، وبسبب الإصرار على التستر والترويج لها باعتبارها إفكاً أو تطاولاً، بصمت، أو بدونه هنا وهناك، جريمة أخلاقية تاريخية بامتياز، وهي التي ستأخذ موقعها عندي، إنما في مكان آخر، في مسار آخر لا انترنتي بالتأكيد، بعيداً كلياً عمن يستسهل ارتكاب جرائم السرقة، ومن يمارس فيه تقريظاً، ويتحدث بلغة مسوخية (المسوخية في واقعها، لا يستعذبها إلا من يعيشها، لإيجاد المزيد من شركاء المسوخية واقعاً)!
أعتذر لكل الأصدقاء الذين سأظل بالنسبة لهم في ذمة الحقيقة المقاومة، الأصدقاء الذين عرفتهم وتعرَّفت إليهم بفضل الانترنت، فالحقيقة لها أكثر من مسلك، للجهر باسمها، وأنا أعيد إلى أذهان الباحثين فيها أو عنها العبارة الهادرة (ومع ذلك فهي تدور)، لا بل (إنها تدور، ولم تتوقف عن الدوران)، وسوف نرى ، على من ستدور الدوائر لاحقاً، فالتاريخ بيننا طبعاً. لن أفيق في الصباح باكراً، بعد الآن، قبل صحوة الشمس، لأتابع ما ينشَر هنا وهناك انترنتياً كردياً، وأنا بين كتابة عما هو مستمد في ضوء المقروء اليومي والمتواصل، أو عما يعنيني، لا ربما، سأكون في الحد الأقصى ذلك القارىء الذي يقرأ في صمت، مفسحاً المجال بإطلاق، لكل فرسان الكتابة الكردية، ولمن عرفوا ويعرفون ما نسبة حضور الحقيقة في الحقيقة المتداولة، أن يحتفوا فيما بينهم، أن يرفعوا أنخاباً، ويستمروا أحباباً ما بقي دهرهم الكردي الممهور باسمهم.
ثمة الكثير أمامي، ثمة الكثير بين يدي، بعيداً عن النت (النَّت) الكردي الصاعد دون حساب! إذ إن الذي أنجزته على مدى السنوات الماضية، ما زال يحفّزني على التوغل عميقاً أكثر فيما أثرت وتوقفت عنده، والتعرض له، من أكثر من زاوية، إنما في صمت لا يكاشَف إلا بعد نشره.
——
ثمة ملاحظات عدة:
الأولى تخص الأخطاء التي تحصل معي لحظة الكتابة: سهواً، وبسبب عدم التركيز أحياناً، حيث لا يخلو مقال لي من أخطاء كهذه، كما في حال أخطاء وردت سالفاً (في مدالسات- مثلاً): المقدسة: المقدمة- أورتها: أوردتها-. وفي (حديث في التعارضات) وضمناً يهني: وضمناً يعني- بالمهام هذه: بالمهام- زيادة من هناك: زيادة من هنا- كما هوأوردته: كما أوردته- لم أستطيع: لم أستطع- أكر للقارىء: أذكر للقارىء- تلك جمدته: تلك التي جمدته- كرستان: كردستان- فأذكرر: فأذكر- كان ضؤل: ضؤل…الخ.
الثانية: تخص ما جرى، وما يجري الآن، وبصدد هذا التكتم على هذا “الإثم” الكبير، ومن قبل من يمنكهم المقارنة، وإبداء الرأي، لا بل التعزيز من وجود الحقيقة الملموسة، فأنا أعتبرهم شركاء الإثم هذا، وخصوصاُ الذين اطَّلعوا على كتاب دحام، في ترجمته الجلجامشية، وما صرَّحوا لي به، بأن ثمة لعبة “نتنة” تتم، ورغم ذلك، يتم السكوت على اللعبة النتنة هذه، بينما الحقيقة الكامنة في صلب الوثيقة، يسهل الوصول إليها، من خلال المنشور، والمتوافر من المصادر المسماة، هؤلاء بدورهم، لهم مقام فاعل في تجيير الحقيقة، وليس في سبيل نصرة ابراهيم محمود المهزوم عشائرياً وتكتلياً، وهذه الهزيمة وحدها: وسامي الذاتي الذي لا يقدَّر بثمن.
الثالثة: آمل من أي كان، ودون استثناء، إذا ما أراد إرسال أي رسالة أو إيميل لي، بصدد ما أثرته هنا، أو الموضوع المتفعل فضائحياً (الطبخة الكردية المائزة والشائطة كتابياً)، مهما كان الدافع، أن يتوقف عن ذلك، فمن كان لديه كلمة مفيدة، ويعتبرها مفيدة، حتى لو أنها تشهر في اسمي، في داخل كردستان وخارجها، ما عليه إلا أن ينشرها انترنتياً، أو ليلتزم الصمت كسواه.