ذكرتني مها في قصيدتها الجديدة “نص يلمع من البهجة”
بصديقي الشاعر المصري “حسن طلب”
في إحدى قصائده الجديدة:
“هكذا ينسدل الليل..ولا يبقى سوى هذا الشعاع”
أجل ذكرتني به…
وهي تقول في رثاء “سركون بولص”بأسره:
“يهرم الغريب
يهرم الغريب… وتبقى الأشواق خضراء..
تسطع تحت وميض الشعر الذي هو أيضا أخضر..
على ذمة نزار قباني:”الشعر قنديل أخضر”
ذكرتني مها بألمي.. بندمي..
لأني لم أقرأ” سركون بولص” بما فيه الكفاية..
هذا الشاعر الذي كتب عليه المنفى…
كما كتب على الذين من قبله..
وكتب عليه الموت في منفاه قبل الأخير..
ليدفن في منفاه الأخير..
مها.. دائما توقظ العصافير الهاجعة في الروح..
تضمد جراحاتها…
وتطلق في سماء الشعر فراشاتها العاشقة
للضوء والحياة..
“نص يلمع من البهجة”
إنها بهجة الشعر الذي يجعل المنفى
أقل وطأة وصفاقة….
والموت أكثر جاذبية وحلما..
ألم يشف” بولص” من مرضه بالموت؟؟
على نهج المتنبي:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا
وعلى طريقة السياب في قصيدته اللندنية “سفر أيوب”
“بولص” ..حسب مقولة مها:
“ترك ظله نصا
يلمع من البهجة
يرف في النحيب
ويغيب في المدى”
القصيدة” المهوية”:
مدججة بالخيال الخصيب..
بالإيحاء المدوي..
بالكلمات الحبلى بالنجوم..
بعنقاء الحرية..
بصهيل الحب الجامح..
إذا لم تصدقني فاسمع:
“يضع الليل خده
على زند الغريب
ويحلم بربع نجومه
يضع الليل خده
على زند الليل
ويحلم بكسرة حرية
وريحان يشعله في
مرآة الأمل”
مها باختصار:
شاعرة مختنقة بغبار الشعر..
وصهيل الكلمات..
ورذاذ المنفى…..
تحدق في نجوم الكلام…
كما” ناظم حكمت” الذي كان:
“قلبه يخفق مع أبعد نجم”
تحلم بالحرية التي دونها الحياة
باطل وقبض ريح
تغرس الريحان في أصص الروح..
ثم..ثم تمشط شعرها بالشعر..
وهي تحدق في مرآة الغيم
في غيبوبة الحلم
وكما نزيه أبو عفش:
“تداري كآبتها..
بالجميل من الكلمات”
وكما البياتي.. تصرخ:
“يا لها من بنت كلبه..
هذه الدنيا التي تشبعنا
موتا وغربه”
مات” سركون” قريبا من” مها”
مات قريبا منا جميعا..
×××××××
في نصها الآخر “قد أكون قطرة حب… “
كأني بها تحتكر الكلام….
من أول حرف.. إلى آخر قطرة أمل ..
إنها دائما تقف على قمة القصيدة…….
ومن عليائها توقن أن السماء غدت أقرب
وأنها قادرة على قطف نجوم الكلام..
لتوزيعها على الأهل والأصدقاء-أمواتا وأحياء-
كسكاكرو”كليجات” الأعياد” العامودية”
لا أتخيل كائنا شعريا بهذا الفيض الغامر من الصدق و الصداقة
حين تجهش بالغربة
فكأنها لسان عيوننا وأفئدتنا المتلهفة إلى” الذي يأتي ولا يأتي”
وكأنها أم القصيدة.. تنجبها.. تعلمها.. تؤدبها.. تشذبها..
ثم ترسلها إلينا سربا سربا.. والى حارات بلدتها الغبارية
والى أكواخها الباذخة..العابقة بالألم والأمل…
تحاول أن تخفف شظف الحنين
وقساوة الفصول الذائبة في مياه الحلم ..
تسبغ صفاتها الجميلة.. المحمودة على الآخرين..
لأنها هي” الهواء الذي نحتاجه دائما”
وهي لوحة” خليل” الأولى والأولى..
ليس لدى” خليل” اللوحة الأخيرة..
الهواء سليل الماء والنار والقصيدة
هي الهواء.. منذ بدء هبوبه..
به بدأ الخلق.. بعيدا عن موت سري أو معلن
على قارعة المنافي..
والحياة نفسها منفى… أينما كنت.. هنا أو هناك
ولا خلاص منه إلا بالخروج من العالم
والدخول في أغوار النفس المظلمة
ظلمة الرحم.. وظلمة القبر
وما بينهما من سيرة منفوية لا حد لها
و الاحتراق أبدا في مجمرة الوقت
لولادات جديدة..
“رحم الأرض مكتظة بالأجنه
والقصيدة أحصنة كفرت بالاعنه”
هذا ما قلت ذات قلب ثائر
وكم أحن إلى كلمات
تفوح منها رائحة الخبز المحروق
رائحة الحنين
تحن مها إلى أمها..
وخبزها.. وقهوتها.. ولمستها..
أمها التي” تنقش وجدها على خيالات القامشلي
وتذوب على زهرة في ثوبها..
في يديها المباركتين”
المغسولتين بالزمزم.. والكوثر..
المضرجتين بحناء الحنين الذي لا يلين..
نصها الشعري هذا..
لا يمكن الإحاطة به ببضع كلمات..
ولا بكل الكلمات..
” ما أمر اللغة الآن.. وما أضيق باب الأبجديه”
اللغة دائما محدودة.. قاصرة.. ناقصة..
خاملة.. خاذلة..
لا يمكن لها أن تواكب مسيرة الروح..
كاتب فرنسي قال:”أنا خلف زجاج النافذة والثلج يهطل في الخارج..
لكنني أتصبب عرقا في معركة.. خصومي فيها الكلمات..”
الكلمات التي كانت في البدء..
هي الآن لا تغيث المستغيث إلا بالنزر..
وقد يكون هذا لصالح الشعر..
كي يستمر…
“فحياة بلا شعر.. أقل جدارة أن تعاش”
يخيل لي أني بتعليقي على ماتخطه الروح..
روح مها..
أسيئ إلى قبرات الفجر
إلى نصها العابق برذاذ العمر
وحرائق الشعر..
ولكن لا يمكن الامتثال إلا له..
والاحتذاء إلا به..
لأنه قادم من الوادي المقدس..
وادي عبقر..
××××××
ضيق..
كل هذا الكلام
واسع..
ظل قبري الذي
لا ينام
آه..
“سبحان هذا الظلام”