بين الإعلام والتربية والثقافة

عبد الرحمن آلوجي

 

لا ريب أن ثمة تداخلا بين الإعلام والتربية والثقافة , حيث نجد أن مادتها جميعا هو الإنسان بقيمه ومثله وتراثه الحضاري , وعلومه وآدابه وسائر مقومات تطوره , وارتقائه في سلم الحضارة الإنسانية , فالثقافة حصيلة المعارف والعلوم والآداب والفنون بمقاييسها وقيمها وحصائل المعرفة الإنسانية , وهي بالتالي ملك للبشرية بمختلف أقطارها وأصقاعها وشعوبها وأممها , ولغاتها ومناهجها .
وتربية الإنسان  حصيلة خبرة تراكمية ومعارف أولية وفنون وعلوم وآداب وقيم أخلاقية وروحية , ومفاهيم تراثية ومعاصرة . والإعلام هو الوجه والوسيلة والمادة لرفد وصقل وتوجيه وبناء الشخصية الإنسانية مستفيدا من مقومات ومواد الثقافة والتربية , وموجها لهما , ومعبرا عنهما , وساعيا بمختلف أدواته وبرامجه ومقاييسه الفنية والإبداعية إلى صقل وتهذيب الشخصية الإنسانية وتوجيهها , سواء في طابع الثقافة القومية والمحلية أم في بعدها الإنساني الشامل , ومقاييسها التطورية , وقيمها الحضارية .
و الإعلام الكوردي وهو يتصدى لمناهج الثقافة والتربية والإعداد وبناء الشخصية الكوردية وصقلها وتهذيبها بحاجة إلى وقفة متأنية لترتيب معاييرها , وفهم وإدراك فلسفتها , وما يمكن أن ترقى إليه من سويات ومفاهيم تقترب أو تبتعد من المفهوم الحضاري والتقني , للمفهوم الإعلامي المعاصر , وما يستوجب من مقاييس عالمية يمكن أن ترقى إلى المقياس المطلوب في درجة التأثير وعمقه , ومقدار أداء وظيفته , والسمو بها في إطار منهجة الفكر والثقافة والإعداد .
والإعلام الكوردي وهو يخوض هذه التجربة بأدواته الأولية سواء في المقروء أو المسموع أو المرئي , يخطو خطواته الأولى باتجاه تقرير وبرمجة ومنهجة الإعلام  , وفق الطاقات والإمكانات المحدودة والمتفاوتة في مختلف أجزاء كوردستان ووفق المرحلة الحضارية في كل جزء في تفاوت أيضا , سواء كان ذلك في تراكم الكم النضالي , وصلابة الفهم التحرري وآفاقه أم في المقاربات والمقاربات المتعلقة بالأمم والشعوب المتعايشة , والتشارك الحضاري في القيم والمفاهيم  ودرجة التأثر والتأثير المتبادلين , ومقدار الثقافات والآداب المقارنة ومدى تداخلهما , وما يجمع بين هذا وذاك من تقاطعات وتناقضات , وتماه ٍ وتواصل , وتعارض وتكامل , مما يجعل مهمة الإعلام الكوردي متشابكة ومعقدة , ليخرج من كل ذلك بحصيلة تراكمية وعقائدية مكتنزة , وأدوات ووسائل إلى الإيصال والتبليغ والتأثير بما يوفر الحد الأدنى والمطلوب من التجاوب والتفاعل في طريق بناء الشخصية الكوردية المتكاملة , وحسن إعدادها , ودرجة تهيئة عوامل ومقدمات هذا الإعداد , في تواصل مع الشخصية القومية المتجاورة والتآخية , عربية كانت أم فارسية أم تركية , بغض النظر عن عوامل الصراع وتعقيداته , وألوان التمييز والمعاداة والأدوات المستخدمة في القهر والتسلط والاستعلاء , بمراعاة الأفق الإنسانية الوضيئة , وما ينبغي أن يكون لذلك من دور رفيع في التواصل مع الأعراق والأجناس والأمم والشعوب وثقافاتها وقيمها ومثلها الإنسانية المشتركة , في ترويض وإعداد وتقويم متواصل ومراجعة دائمة ومستمرة لفحص وتدقيق البرامج والمناهج ومواد الإعلام , ورفدها باستمرار بالطاقات والقيم الجديدة , في تطلع واستشراف إلى كل ما هو حديث وجديد ومبدع في العلوم الإنسانية والتطبيقية والتجريبية , في صقل وتهذيب ومراجعة لأسس وقواعد المنهجية العلمية والتربوية .
إن دراسة متأنية لواقع الإعلام العالمي ودراساته الواسعة وميادينه ووسائله وأدواته , والفهم العميق لثقافات المنطقة , وتراثها الملقن والأدوات المسخرة على مستوى شبكات البث الإلكترونية والفضائية والصحافة والكتب والدوريات والدراسات والأبحاث , ومراكزها ومعاهدها ومقراتها , وما يتداخل ويتماهى معها من الإعلام الكوردي بمختلف شعبه وميادينه ومناهجه ووسائله . إن ذلك كله يضعنا أمام حقيقة وجود إعلام كوردي يخطو وسط كل ذلك وهو يتلقى ويرسل وينفعل ويتفاعل ويتأثر ويؤثر , ليجد سبيله وسط صعوبات جمة وبالغة- سوف نأتي على ذكرها في حينه – مما يجعلنا نشعر بخطورة المرحلة وأهمية دور الإعلام في تجاوز الزوابع والمحن والعقبات دون ضياع الهوية القومية , وصبغتها , ووضوح آفاقها , في تلمس للتاريخ وأوابده , وفهم للواقع وتعقيداته , وتطلع إلى المستقبل وآفاقه , كل ذلك في ضوء إمكانات متواضعة وحصار فكري وثقافي طال أمده , وقمع وتمييز واضطهاد تتفاوت درجاته , ولكنها تتفق في تحطيم الهوية القومية واقتلاعها من جذورها الراسخة في الأرض وفروعها الباسقة في السماء , مما يفترض معه أن تتواصل الجهود والمساعي الفنية والعلمية والتقنية , ويتوحد الخطاب السياسي الكوردي في خطوطه العريضة والعامة , ويتسع ويعمق المنهج التاريخي الاستدلالي الموثق , لبناء معالم فكر تطوري دلالي , يستند إليه الإعلام ويتماشى مع التسارع في مختلف ميادين الفكر والعلم والأدب والفن , في منظور عالمي يتخطى المحدود والضيق في المحيط المحلي والإقليمي .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…