في قامشلو: محاضرة أخرى للدكتور فاروق اسماعيل

(ولاتي مه – شفيق جانكير) ضمن سلسلة المحاضرات التي يلقيها الدكتور فاروق عباس اسماعيل عن تاريخ الشعوب والحضارات التي تعاقبت على المنطقة, نظمت – مساء أمس الجمعة الموافق في 11/8/2006م – اللجنة الثقافية لمنظمة شرق قامشلو لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) الندوة الرابعة له في مدينة قامشلو.

بداية رحب عريف الندوة باسم الحضور بالدكتور فاروق عباس اسماعيل: الأستاذ في قسم الآثار والتاريخ بجامعة حلب, المتخصص في لغات وحضارات الشرق القديم من ألمانيا, وأوجز التعريف به للحضور, مذكراً بأعماله المنشورة وأبرزها (الحوريون تاريخهم وحضاراتهم من خلال حضارات الشرق القديم – ملحمة ملك كل الديار البابلية – اللغة الآرامية القديمة – اللغة اليمنية القديمة – اضافة الى عشرات البحوث المتعلقة بالشرق القديم, لغاتها وآثارها وحضاراتها, ونشر نصوص بالكتابة المسمارية, اكتشفت في تل ليلان وتل بيدر)
وقد استهل الدكتور فاروق المحاضرة بالاعتذار للحضور عن عدم تمكنه من القاء المحاضرة باللغة الكردية بسبب تخصصية المحاضرة وما تحملها من مصطلحات علمية يصعب التعبير بها باللغة الكردية, ثم ترجى الدكتور من المهتمين بالاعلام والصحافة, الذين اكد بانهم أساؤوا اليه دون حق, حيث قال: لهم الحق في ان يكتبوا ما يريدون لكن ارجوهم ان ينقلوا بأمانة, وان لا يقتطعوا الأفكار , وان لا يقطعوا الجمل, واضاف الدكتور بانهم قالوا على لساني او كتبوا على لساني جملاً لم يكملوها, فبدت وكأني لا أمت الى الأكراد بصلة, وأضاف: أنا قلت مثلاً الميدييون ليسوا وحدهم أسلاف الكرد, فقالوا هم: (شطبوا كلمة وحدهم) وادعوا ان الدكتور فاروق عباس يدعي ويزعم العلم والمعرفة ويقول ان الميدييين ليسوا أسلاف الكرد, وهذه جملة بسيطة تبين الفارق الكبير. وأضاف الدكتور فاروق : انا اقول الميديين ليسوا وحدهم أسلاف الكرد, لأننا اذا قلنا الميديين وحدهم أسلاف الكرد, يعني ذلك اننا حرمنا الكرد من أسلاف آخرين, وكذلك تطرق الدكتور فاروق عباس الى مصطلح كردستان, موضحاً ان هناك حقيقة علمية تقول ان هذا المصطلح لم يستخدم قبل القرن الثاني عشر الميلادي, هذا لا يعني ان الكرد لم يكونوا موجودين, وكانت هناك تسميات أخرى تطلق على مناطق الكرد, فأرجوا – وما زال القول للدكتور فاروق- ممن يكتبون أن يكتبوا بأمانة قدر الامكان.
وقبل ان يأتي المحاضر الى موضوع المحاضرة اشار الى سلبيات الاهتمام الزائد بالتاريخ والآثار القديمة, حيث اكد ان ذلك يأخذ منحى سلبيا يمنع الاهتمام بأمور أخرى نحن مقصرون فيها جداً, حيث لا نعرف شيئا علميا بالطبيعة الجغرافية للمناطق الكردية, ولا نعرف شيئا علميا موثقا عن الطبيعة النباتية للمناطق الكردية, ولا شيئا واضحا وعلميا عن الفكر الفلسفي الذي كان موجودا لدى افذاذ كرد قدموا نظرات صوفية تستحق الاهتمام, وكذلك لا نعرف امورا كثيرة تتعلق بالكرد, وتركيزنا في هذه الفترة الأخيرة بات على التاريخ القديم والآثار والأدب والقصة والشعر, انا اعتقد ان الشعب الذي يهتم بالتاريخ والأدب أكثر من الاهتمام بالعلوم الأخرى هو شعب يسير نحو التخلف, لان هذا الاهتمام يمكن ان يعيق التفكير في الحاضر, نحن بحاجة الى علوم تهتم بالحاضر أيضاً, نهتم بماضينا ولكن ليس على حساب امور تخدم حاضرنا وتساعدنا على استشراق آفاق للمستقبل ايضا, ولدينا في هذا المجال تجارب شعوب أخرى مجاورة لنا نعيش بينها, اهتمامهم الزائد بالشعر والأدب والتاريخ كان من علامات التخلف واعاق تطورهم في مجالات علمية أخرى, لذلك اتمنى وخاصة الشباب ان ينوعوا اهتماماتهم في شتى المجالات الثقافية والانسانية الأخرى, والا نكون كغيرنا باحثين دائما عن صفحة مشرقة قام بها اسلافنا, نفذها القدماء ونعتز بها ونتوقف عندها, علينا ان ننظر في حاضرنا وفي مستقبلنا اكثر ما ننظر في ماضينا .
وأضاف: اعتقد اننا ككرد نمر في مرحلة انتقالية في الآونة الأخيرة هي بمنزلة مرحلة الفجر بين الليل والنهار ويختلط فيها السواد الذي نأمل انه شارف على الانتهاء بالبياض الذي سيضيء النهار ويظهر حتماً, وخلال هذه العملية نتعرض لمحاولات الاقصاء, وتهميش وتقذيم للشأن, و أنا في اعتقادي ان هذا الموقف سلبي منا, يجب ان يفرحنا لان ذلك يدل على ان الآخرين يشعرون بتطورنا, وسيرنا الى الأمام, وباتوا يحسبون لها حسابات, وآمل ان نكون واعين لذلك, وان نعمل على التخطيط للمستقبل ولكن بروح علمية , وننهي حالة التخبط والفوضى, وان يكون بيننا تكاتف وتكافل,
ثم تطرق الدكتور فاروق الى مسألة العلاقة بين السياسي والثقافي أو بين رجل السياسة ورجل الثقافة, حيث قال: أعتقد ان هذه المعادلة أيضاً خاطئة وهناك من الطرفين فهم خاطىء لدور الآخر وأتمنى أن يزول ذلك وأن يكون للمثقف مجالاته وللسياسي مجالاته العملية ولكن نظرياً يفترض فيه أن يكون هو مثقفاً أكثر من أي مثقف آخر. في الاطار السياسي نشعر ان السياسيين يهتمون بالمجالات العملية أكثر من المجالات التثقيفية النظرية وهذا واضح ان الاهتمام بتطوير التثقيف للشباب وغيرهم هو ضعيف ولذلك أنا سعيد جداً ان هذه هي المرة الرابعة التي يدعوني الى هذه المحاضرات وأشعر ان هذا الدور هو الذي يجب يمارس الآن.
وفي الجانب الثقافي أيضاً هناك المهاترات, فاذا كان واقعنا السياسي مراً فان الواقع الثقافي أكثر مرارة واذا كانت تياراتنا السياسية تزيد عن العشرة فان كل مثقف هو حزب قائم بذاته, لدينا وضع خاطىء في العلاقة بين السياسي والثقافي ويحتاج الى معالجة تعتمد على منهج وأفق وتخطيط عبر منهج مبرمج لازالة هذه المسألة بمرور الزمن, وانا صراحة اتذكر ليس الآن طبعاً, سابقا كان يقوم به الحزب الشيوعي بالاهتمام البالغ بالثقافة وكان هذا واضحاً ولمسناه جميعاً في الأجيال السابقة أيضاً, انا شخصياً تعرضت الى عدة مواقف من سياسيين تدل على انهم يجهلون اموراً كثيرة ويدعون ان الوصاية بيدهم , الوصاية على المثقفين , مواقف غريبة وعجيبة تدل على جهل واضح لأمور الثقافة العامة ولدي شواهد متعددة على ذلك , أحد كبار السياسيين لدينا كان مزعوجا لانه في البيان الذي صدر عن الوفد الثقافي الذي قابل الدكتور نجاح العطار , ان الوفد كتب ودعى الى تحسين وضع الثقافة الكردية في سوريا, اعترض على هذه الجملة وهو يرى ان تحسين تعني ان الوضع حسن ولكن نرجوكم ان تجعلوه أحسن وبسبب هذه الجملة قاد حملة ضد الوفد وهو يجهل معنى المصدر التفعيل في اللغة العربية. مسؤول آخر قبل أيام مصادفة في الشارع طلب مني كتاباً يتضمن أشكال الحروف المسمارية التي كان يكتب بها القدماء, فارشدته الى معجم, فاستغربت عندما قال انه يريد ان يقدم قراءة جديدة لهذه الحروف.
بهذه التوضيحات المهمة التي بدت للبعض وكانها خارج موضوع المحاضرة, الا ان الدكتور كان حريصا على اثارتها وتوضيحها وبالأخص ما نقل على لسانه في المحاضرة التي ألقاها في بلدة (كركي لكي).
ليعود بعد ذلك الدكتور فاروق الى صلب المحاضرة والتي تركزت على أهمية الاهتمام بالتاريخ القديم, وأصول دراسة التاريخ وواقعها الحالي, وعرض شامل للشعوب والحضارات التي قامت في شمال بلاد الرافدين وعلاقتها بالمناطق والشعوب الأخرى, وقد سبق وأن استعرض (موقع ولاتي مه) مضمونها في تقارير سابقة قام بنشرها في سياق تغطيته للمحاضرات الثلاث السابقة للدكتور فاروق اسماعيل, والتي أقيمت في كل من قامشلو , وديرك, وكركي لكي, حول نفس الموضوع .
وقد حضر المحاضرة جمع من المهتمين بالشأن الثقافي الكردي , الذين أغنوا المحاضرة بمداخلاتهم واستفسارتهم حول مضمون المحاضرة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…