الطبيعة مصدر غلال وسلال *

 محمود عبدو عبدو

 

إن صناعة السلال قديمة جداً و تعود لعصور قديمة , ورافقت نشأة العديد من الحضارات المندثرة وخاصة ً في المناطق القريبة والمحيطة من الأنهار وأماكن توافر الماء كالجداول والمستنقعات كما في أحواض نهر دجلة والفرات ونهر النيل وخاصة جهة جنوب العراق حول الأهوار وريف الجزيرة السورية وحوض الخابور والساحل والعاصي

تتوافر صناعتها والمشتغلين بها في المناطق التي تتوافر فيها النباتات والقصب وأشجار النخيل وبعض أنواع القمح الطري اللازمة لهذه الحرفة فكانت تستخدم لعدة أمور كالسجاد والمكانس والحصير أو كأواني منزلية للحفظ أو أواني مع غطاء كما يستخدم كمصطبة للمائدة أو كطبق للفطور .
كانت حرفة شائعة بين عامة الناس وذات مردود جيد عُرفت بها المنطقة منذ القديم وعمل فيها الكثير لتوفر اليد الماهرة والخبرة المتوارثة جيلا بعد جيل .

ولا تزال الكثير من المنازل تحفل بهذه السلال التراثية , إضافة إلى استخدمها في بعض مناطق الريف السوري لحد الآن وإن قل ّ كثيراً , واحترفت النساء هذه الحرفة بشكل خاص .
حرفة بسيطة ولا تحتاج إلى الأدوات الصناعية وورشات عمل كبيرة خاصة , تصنع عادة كي تفي حاجة المنزل الواحد , فكانت على العروس أن تتعلم هذه الحرفة لتتمم جهاز عرسها لمنزل الزوجية .
إذ تصنع بالقش والقصب وسعف النخل وإبرة أو باليد , وكانت سابقاً تُحمّل العروس بعضاً من تجهيزات عرسها ( السلال والُفرش والبُسط ) إذ تغطى بها الأرضيات أو الجدران ولحفظ التمور والفواكه .
كما كان يستفاد منها في صنع مراوح خفيفة للتهوية أثناء الصيف , أو لـنقل البضائع بسلال كبيرة بدل الصناديق الحالية مع توفير مقبض فيها للإمساك ولحد الآن تُنقل بها بعض الفواكه والثمار السريعة التلف كالتين والعنب كما ينقل بها البيض من الريف إلى المدينة .

وسميت بأسماء عديدة ففي الكويت سميت بـ ( المهفة ) أو المنكسة لعمليات التنظيف والشطف .
وهي من الصناعات والمنتوجات اليدوية الغير المكلفة بتاتاً أما اليوم وبعد ما صاحب الحياة من تطورات على المستوى التقني والصناعي و تمت الاستعاضة عنها بالمواد الصناعية الخشبية والبلاستيكية والأواني والقناني الزجاجية لتحل محلها .
وهناك الآن نوع من ( الإحياء ) لهذه الصناعات والحنين إلى التراث والماضي وذلك بإقامة مهرجانات تراثية تهدف لعرض هذا التراث الثرّ بالمنطقة .
إضافة إلى اقتناء الكثير من العائلات في المدن لهذه السلال للتزيين وتعليق هذه المنتوجات المصنعة بدقة متناهية لتصبح موضة جديدة .
مع ما كان يرسم عليها من تعاويذ وعبارات وحيوانات غريبة وأشكال هندسية …الخ
مع ما رافق حينذاك لهذه الحرفة من قصص تراثية فلكلورية كما في
قصة (سلة العمر) من التراث الصيني والبوذي القديم
وقصة بائع السلال ( زمبيل فروش) من التراث والفلكلور الكردي القديم
وقصة ( السلال العجيبة ) من التراث الداغستاني القديم

كما تحفل الذاكرة العربية البدوية والريفية على وجه الخصوص بالعديد من القصص والحكايا التي وصفت ورافقت هذه الحرفة .
——-
* نشر في جريدة تشرين السورية 12 تموز لعام ‏2006‏‏

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

الكتابة مسؤولية كبرى لا تقبل التهاون، فهي مرآة للواقع وعدسة تُبرز الحقائق وتؤطرها برؤية فكرية تسعى لتفسير الأحداث واستشراف ما وراءها. ومع ذلك، قد يكون من الصعب على الكاتب، لا سيما في زمن الحروب والفوضى، وتحديداً: لحظة اندلاعها، أن يمتلك رؤية متكاملة واضحة لما يجري حوله، إلا إذا كان كاتباً سلطانياً. إذ إنه في…

فراس حج محمد| فلسطين

مع بدء انطلاق الموسم الحادي عشر من برنامج أمير الشعراء لعام 2024، وتأهل ست شاعرات في قائمة العشرين شاعراً، وهن: سرى علوش وأسماء الحمادي وسمية دويفي ونجوى عبيدات وعلا خضارو ومي عيسى رومية، أعيد النظر في البرنامج وأثره، وأذكر جمهور الشعر بالشاعرة العمانية عائشة السيفي وملابسات تنصيبها أميرة للشعراء في ذلك الموسم.

في…

ابراهيم البليهي

 

الوفرة تَخلق الغفلة وبمقدار تعاظم الوفرة تَستَحكِم الغفلة وهذه هي حال الجيل الحالي في كل العالم حيث يعيشون في وفرة هائلة في كل شيء فيغفلون عما عانته الأجيال في الزمن السحيق …..

إن الإنسانية في الزمن الحاضر تعيش وفرةً هائلة في الوسائل والأدوات والإمكانات ووفرة الغذاء وهي نتاج أجيال ممتدة تكوَّنت بالكثير من المحاولة والتجربة…

عقدت اليوم السبت ٣٠ تشرين الثاني ٢٠٢٤، الهيئة الإدارية لاتحاد كتاب كوردستان سوريا، اجتماعها الاعتيادي في مكتب الاتحاد بمدينة قامشلو.

بعد الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الكورد وكوردستان، تطرق الاجتماع إلى النقاط التالية:

١ـ تقييم نشاطات وفعاليات الاتحاد خلال الفترة الماضية

٢ـ متابعة الوضع التنظيمي لفروع الاتحاد في الداخل وممثليتيها في إقليم كوردستان وأوروبا.

٣ـ مناقشة النشاطات المشتركة…