الروح والجسد

محمد علي علي

أيتها الموسيقى ..أيتها الكلمات …
انسابي في الجرح ألما
علها تنزف لذة ونشوة
في الروح السرمدية !

كم تتوق الروح أحيانا كثيرة أن تنعتق من  قفص الجسد وان تعتنق وردا لتفوح عطرا في الأفق عند الشفق بين الكروم والغدير ،على الينابيع والبحيرات العذبة التي تعانق ضبا بات الصباح المنعشة وطيور البجع واليمام !
وكم تتوق النفس أن تتغلغل بين زغب غيمات تائهات في صدر سماء لازوردية ممتطية نطف البرد وذرات الثلج وحبيبات المطر ! لتجوب كل الأكوان في كل مكان وزمان .

 آه.. كم أنت رائع وشفاف أيها اللازورد السرمدي الحر الطليق في عنان السماوات ، وفي عباب البحر والمحيطات !
 و كم أنت حر في كل الفضاءات ! بين المجرات والأقمار، والأفلاك والمدارات :حرية زرقاء ، ريشها النقاء والصفاء،جناحها الريح وحدودها الكون الرحب الفسيح!
كم تتوق النفس أن تسير على درب طويلة ..طويلة كمتسول عجوز يحمل لفافة تبغه و كيسه المتهرئ من الجوع وتعب السنين، يشق سراب المسافات الطويلة ، ليتوه في آفاق بعيدة , بعيدة في اللامنتهي، حيث لاتصلها أشعة الشمس !
كم تتوق الروح أن ترتاح تحت شجرة هرمة يتيمة هادئة، عتيقة في العراء،وارفة الظل والسكون ، تقبع على رابية ، في بقعة ارض مهجورة ، منسية من قهرالدهروآلام النهار ، تصغي لمواويل الصمت وهبهبات الريح وصدى البراري الممتدة في الفراغ ، تعاشر النسائم والأطيار ، والطمأنينة والاستقرار !
كم تتوق النفس لو تعيش في كهف مظلم على سفح جبل شاهق، لاينيره إلا بصيص أمل في النهار وأن تغرق في الليل حتى الموت في التأمل عن حقيقة الظلام وماهية النور والألوان.
كم تتوق النفس أن ترفع رأسها إلى السماء وان تصرخ وتصيح من الأعماق في كل الأصقاع ، دون صدى وتصيح : الظلام ليس موطني ، والظلم ليس مشربي، بل وطني الحرية و السماء ومشربي النور والضياء !
كم تتوق الروح إلى البكاء حتى سكرة الموت كناسك متعبد يذكر الله خاويا ، يتمتم بتراتيله منتشيا بسكرة التصوف والعبادة في بيت خشبي معتق برائحة العفونة والرطوبة، والخمرة و البخور في غابة حزينة من أشجار النخيل والزيزفون لتغرق في بحر من الحزن والدموع ، علها تتطهر من الرذيلة وجموح الشهوة والذنوب!
كم تتوق النفس أن تذوب في قطر ة ندى نقية ندية  تعانق عند الفجر ورود ألليلك والسوسن وشقائق النعمان .
كم تتوق الروح أن تنسل كريشة بين جناحي طير باشق ، باسطا بجناحيه في الأعالي غير مبال بعصف الريح والأعاصير، وقصف الرعد والبر وق ، يسمو عن الأرض وما عليها ويرى بعينيه الثاقبتين كل من هب ودب عليها .
كم تتوق الروح لو تنبعث من جديد  في أماكن أخرى ،في أزمنة غابرة أوقادمة و في أشياء كثيرة اندثرت تحت أقدام الماضي وتحت ممالك ومقابر الزمن.
أيتها الروح الحزينة ، يا توأم الجسد !حرام عليك أن تبقي رهينة الجسد كل هذا العمر ،وحرام أن لا تتحرري منه إلا بالموت ، فالموت ليس له أي حلم أو أمل بالانعتاق من ظلمة القبر.
وأنت أيها البوهيمي البائس- اليائس ، ماذا تنتظر  ؟ فهنا ينتهى مشوار دربك ! فاذرف بصمت شذرات دموعك الحبيسات في شهقاتك المتبقيات على أيامك الخوالي الحبلى بالانكسارات والانتكاسات ولاتنتظرتحت أشعة الشمس ، بل احمل بجسدك المكفن بالحزن ، المحشو بالألم وخيبات الأمل، وسر بعيدا بروحك في بحور السراب  على دروب المسافات البعيدة دون أمل ، فلن تصل أبدا إلى حدود الشمس حيث النور والضياء !

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…