طرق جديدة للنسيان

إبراهيم حسو

 (1)
قبل أن تقولي
الريح فتاكة هذا اليوم ‏
أخبريني عن طريقة غير مألوفة لنسيانك. ‏

قبل أن تقولي ‏
الطريق إلى الشعر محفوف بالضباب ‏
و موصد منذ ألف سنة ‏

أخبريني عن طريقة تقليدية للوصول إلى ثديك اليقظ ‏
قبل أن تقولي ‏
الفضاء لا يرحب بأحد منّا ‏
و الغيم كذلك ‏
و الهواء كذلك ‏
و الجبال الناهضة كذلك ‏
أخبريني عن طريقة مفيدة للطيران غير الشعر ‏

قبل أن تقولي ‏
لست بحاجة إلى نهار صغير آخر للكتابة ‏
أخبريني و لو بنظرة عن طريقة خفيفة لسرقة أشعار ‏
محمد عضيمة و شوقي أبي شقرا و اسعد الجبوري و وووو . ‏

قبل أن تقولي ‏
الفرصة غير مؤاتية للغوص في جسدينا ‏
أخبريني عن طريقة فاضحة لممارسة الضجيج مع السكون ‏
هوايتي المكروهة. ‏

( 2 ) ‏ ‏
فقط لأرى ‏
الثلج و هو يشلح ثياب الصيف جيئة و ذهابا ‏
الماء و هو يتعكر ليذوب في سكر بعيد ‏
الأرض و هي تخلف موعدها في الدوران حولك ‏
العشب الذي يستحي من خفاف السياح فيدوخ من أول دعسة ‏
الشارع الوحيد على ناصية ما ‏
الورد الذي جلبوه من برية غير موجودة في التضاريس ‏
و كتاب الأطلس ‏
فقط لأرى ‏
كم تبعد يدك عن يدي ‏
عندما يحل الشعر و ينقشع الخوف ‏
كم أقترب من ثدييك دون أن ترف أعضائي و لو بقفزة ‏
كم أضحك من القدر و هو يستولي على الفراغ الذي تعيشه كائناتي المراهقة ‏
فقط لأرى. ‏

(3 ) ‏

و أنت تغمض يدك ‏
و تخرج من البيت دون وداع ‏
لتخلق مشكلة في الوظيفة ‏
استمع إلى الشعر الذي فيك ‏
لان الشعر هو كذا و كذا . ‏

(4 ) ‏
حين تكلمت عن الفاكهة القديمة في إناء مرتبك على طاولة مرتبكة ‏
حين تكلمت و سكرت الغبار على مصراعيه في الفندق الحجري ذاك ‏
حين حطموني بالقرب من قصيدتي البكر، فصارت لي العتمة نافذة و قبر في الوقت نفسه. ‏
حين أهيئ للفتاة القرمزية، ما يجب تهيئته منذ ألف سنة، من جواهر و غيوم وورد ‏
أو ما يجب استذكاره في قمر بارد داخل علبة حياتنا نحن الاثنين. ‏
حين نجوت من يدي، فقطفتني الأزهار، إصبعا تلو إصبع، ‏
وصرت طفل الضباب الذي يسكنه أشباح من القرن الثالث أو الرابع لا فرق. ‏
حين اتهموني بأني غنيت لك في ليلة كنت غير موجودة فيها، ‏
فقطعوا عني الهواء و رموني في شعر غريب ذي طعم مقرف لا محالة . ‏
حين قلت لك ‏
إني لك . ‏
حين سمعت انك مريضة و بحاجة إلى صدري الحقيقي ‏
حين تسلقت الخريف في غرفته الشهوانية، وتكلمت بتواضع مثير عني و عنك ‏
و سررت بوجودك في أثاثات روحه و أنا لا ادري بتاتا. ‏
حين طرت بأجنحة فولاذية، على مقطع صغير من الماء، ‏
بالقرب من برية وهمية مصنوعة من قش و أوراق الريح الهادرة، ‏
حيث الشعراء و الملائكة يشربون نخب الكتابة الأولى. ‏
حين مت دون إن اعرف بأي سكين من يديك، وبأي قلب من ضلعك الضعيف، ‏
وبأية زهرة من شعرك الازوتي الملتهب ‏
حين ألقيت نفسي من القصيدة، فتحطمت كلمة كلمة. ‏
حين لم يكن لي زمن و تاريخ قتل، ‏
حين قرأت اسمي بيدي على لائحة الشعراء الإرهابيين على لوح وهمي بلا شكل أو روح. ‏
حين تشكلت من رسمي، ‏
و سورتني الريح الفضفاضة على قرب من بيت مهجور ملئ بالسعادة الأبدية . ‏
حين كنت في ارض قديمة تطلق على نفسها البراري بخطوات الماء المنفلتة نحو قدميك الطوفانيتين. ‏
حين قلت انك ملكة و إن العصفور الذي على شعرك شاعر وأمير جبان. ‏
حين نظرت من عيني الصمغيتين الصامتتين (اللتين حتما لن يأكلهما الدود) إلى مسبح جسمك، ‏
و صرت في خبر كان.

صحيفة تشرين –  ملف الاسبوع الثقافي – السبت 2 آب 2008

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…