كما هي العادة…
..فان كروب ديرك للثقافة الكردية أحيا أمسية ثقافية بدعوة السيدين صبري رسول ورضوان إسماعيل إلى قراءة مواد أدبية..
قرأ السيد صبري رسول قصتين قصيرتين إحداها بعنوان “خلف الشجرة” والثانية بعنوان: “صور في العتمة”
وكيف أن جهة أمنية استدعته لان احد العناصر فيها نقل فكرة انه يوجه إليه تهمة التجسس.. أثناء خطبة الجمعة.. وبعد بعض أسئلة يتبين انه لم يفهم الآية القائلة “ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا”… وانتهى التحقيق باعتذار من المسؤول عنهم والقول للعنصر.. يبدو انه حمار..
ودراسة عن اليد في شعر الشاعرة آسيا خليل.
تحدث فيها عن تكرار استخدام اليد في شعرها ودلالات ذلك..
وركز على الصورة التي مثلت أباها وهو ينحني لتقبيل يدها الممدودة بين شبكة قضبان السجن.. بطريقة مؤثرة.. ولعدم موافاتنا بهما فلم يتح لنا نشرهما.
على الرغم من بعض تقصير يتحمل الكروب مسؤوليته بالتأخر في توجيه الدعوة إليهما، فقد اغنت الحوارات التي جرت بعد قراءة المواد، الأمسية وأضفت عليها جوا مثريا ..حيث نوقشت القصص والدراسة من الحضور كل وفق ما لديه من حس أو خبرة ..أو ما تكون من انطباع لديه ..الخ.
وكانت بعض الأفكار التي تمخضت عن المناقشات:
أن الوضوح في القصة أمر مطلوب ليتمكن القارئ من الوصول إلى المغزى فضلا عن الاستمتاع بالجو الأدبي المحيط بها
ونوقشت فكرة إدخال بعض الكلمات الكردية في القصة المكتوبة باللغة العربية. واحتج القاص -صبري- بأنه فعل ذلك لأنه لم يجد في اللغة العربية ما يقوم مقامها تماما، فاستحسن الإبقاء عليها ككلمة (دست بند- وكلمة- كانيا بلك…) الأولى ربما تشير إلى القماط أو شيء شبيه..يشد به الطفل في المهد..والثانية تعني النبع الملون بالأسود والأبيض..
وقد افرز ذلك نقاشا مستفيضا حول هل ينبغي أن يكتب الكاتب الكردي بلغته الأم أم يجوز له الكتابة بلغة أخرى..؟
ودار نقاش عبر فيه الحضور عن وجهات نظرهم.
فأما المتشددون على ضرورة الكتابة باللغة الكردية كانت حجتهم أن اللغة الكردية محارَبة ومتجاهلة منذ زمن طويل تاريخيا، ولا زالت تعاني من الاضطهاد فان لم يجدد الكتاب الكرد، الروح فيها من يفعل إذا؟
وإما الذين اختلفوا معهم فقالوا: لا نختلف حول ضرورة اهتمام المثقف بلغته الأم على قدر ما يمكنه ذلك.ولكن..
المشكلة هي أن بعض الكتاب لديهم ذخيرة عالية باللغة العربية -او غيرها- واعتادوا عليها.. وكبروا سنا، فقد لا يمكنهم أن يتقنوا اللغة الأدبية الكردية.. مما يعجزهم عن الإبداع فيها.. فهل نعجزهم ..فنفرض عليهم التعلم من جديد وقد لا يحسنون..؟
او نمنعهم من الكتابة –وهم قادرون- باللغة العربية او غيرها..؟!
لذا فالأفضل أن يستمروا في الكتابة باللغة العربية وغيرها، ويشجعوا الغير –وان استطاعوا أنفسهم أيضا- على إتقان اللغة الكردية.
ومن جهة أخرى لم تستقر اللغة الكردية -بعد- على لغة موحدة أدبيا بسبب ان العمل بها جديد، و تعدد اللهجات وإصرار البعض على سيادة لهجتهم تعسفا –السوران مثلا-..
فان هؤلاء قد لا يستطيعون دخول الصخب الإعلامي والجدلي حول اللغة الكردية فلنركز إذا على الجيل الجديد..
وانتهت الأمسية على اتفاق أن تكون الأمسية القادمة نقاشا حول هذه القضية..
جدير بالذكر أن كروب ديرك مجموعة من المهتمين بالثقافة من الكرد، تعنى بالثقافة عموما والثقافة الكردية خصوصا.. وتتمنى أن تتاح الفرصة أمامها لموافقة رسمية لممارسة أنشطتها الثقافية في المراكز الثقافية الرسمية…. والمحافل الثقافية الأخرى..
هنا: القصتان اللتان قرأهما القاص صبري رسول:
خلف الشجرة
صبري رسول
تتوافد قوافل النّاس على خيمةِ العزاء وفوداً وجماعاتٍ ، الخطباء يتحدثون عن الوطنية والبطولة و الفداء بحماسٍ شديد مؤكدين أنّ الأم التي أنجبتْ شيرين ستنجب الكثير من أمثالها ، وكلُّ هؤلاء الفتيات هنّ شيرين . الفِرَقُ الفنية بملابسها المميزة تقف على جانبي الخيمة ، زغاريد النساء تلّون فضاءات القرية بإيقاعاتٍ حزينة تارةً وفرحة أخرى ، امرأةٌ في منتصف عقدها الخامس كانت تنثر حفنات من الرز على رؤوس الناس ، ذكرني المشهد بالمنتصرين القادمين من الجبهة . تخيّلتُ شيرين ، كأنها أمامي الآن ، بوجنتيها الورديتين ، و ابتسامتها العذبة السائلة على شفتيها ، ولباسها الكاكي التي تفرضها المدرسة على الطالبات، وعلى كتفها إشارة صفراء ، علامة الأول الثانوي.
تخيّلتُها ، كذاك اليوم ، حينما اختبأتُ وراء شجرة التُّوت الصَّغيرة على حافة المقبرة ، راقبْتُها تمرُّ وجدائلها الذَّهبية ترقص فوق رأسها ، متأبِّطة كتبها ، لا تلتفتُ حولها ، كأنَّها تدرك بأنّي أترقّب خطواتِها ، و التَّرقُّبُ فعلٌ لا إراديٌّ ينقلُ المرءَ من محيطِهِ إلى عالَمٍ خاصٍّ لنفسه ، حتى غابت وراءَ الباب الأسود المطعَّم بخطوطٍ خضراء ، لم أتمالك الجرأة بتسليمها الرسالة للمراتٍ عديدة ؛ ثمّ خرجتُ وأسرعْتُ الخطى إلى المنزل ، استقبلَتْني جدتي بابتسامة حنونة ، وبينَ ابتسامةِ جدَّتي وغضبِها أشياءٌ مثيرةٌ للدَّهشة : لمَ تتأخر كثيراً يا صغيري ؟
– برنامجنا اليوم ستُّ حصص يا جدتي !
– الغداء جاهز ، كلْ قبل أنْ يبرد .
كنت انبطحت ذات يوم على صدري أكتب لها رسالة ، تسندُ صدري وسادةٌ ناعمَةٌ صنعَتْها أناملُ جدتي الخبيرة، وبتوجُّسٍ قلق أنظر حولي ، وكأنَّ جدتي تعرف ما أكتب ، رغم أنَّّها لا تفكُّ الحروف ، أخاف أنْ تحصل معجزة ، فتقرأ جدتي الكلمات، وضعتُ الورقة في ظرف صنعْـتُهُ بيدي ، ولوّنْتُ حوافَها بالأحمر والأزرق، ثم أغلقْتُها بالصَّمغ الذي أعددْتُه منزلياً من السّكر والماء المغلي .
كانتْ تزورنا مع أمّها التي تسألني كثيراً عن دراستي ، وعن أمي وأبي في القرية ، وتطلبُ مني أنْ أختبرها دراسياً ، لأنّي كنت على حافة الانتهاء من الثانوية ، وهي في الصَّفّ العاشر ؛ كانت تجاوبني وعيونها سابلة ، وكلّما أخطأَت في الإجابةَ تفترشُ على ثغرِها ابتسامةٌ تضيءُ وجهَهَا ، ساعاتُ زيارتها كانتْ من أجمل الأوقات ، وبعد انتهائها، ينتهي قلبي عن الغناء ، غناءُ القلب شريانٌ مخفيٌّ بين خفقة القلب وخفقة الكون . كانت الرِّسالة تنتقل بين الكتب المقررة وفق البرنامج اليومي ، حتى أصبحَتْ أطرافُها بلون التُّراب، أحبَبْتُ الكتب المحتضنة لرسالتها ، أحبَبْتُ كتاب الأدب الذي احتضنها لأسابيع ، وما زلتُ أحبُّه من أجل رسالتها .
أخاف أنْ ترفضَ رسالتي ، أو توجّه لي كلمةً ، أو تُخبر جدتي بالأمر، فتكونُ الكارثة صفراء على أيامي، فجدتي صارمة ، وملامحها مزيجٌ من عطر روح الورد ولهيب الغضب ؛ مخيفة عندما تغضب ، فإذا هي غضبتْ غضبتْ معها الطبيعة ، وإذا ابتسمتْ أورق الكونُ زهوراً ، وأمطرت السماءُ حباً ، لكنّها قد تعاقبني إنْ رأتْ مني خطأً.
تركتُ فكرة الاختباء والترقب وراء الشَّجرة، وبحثتُ عن حلول أخرى أكثر عملية. لم أجدْ ما يسعفني سوى المواجهة في طريق العودة من المدرسة ؛ تأخرتُ عند ناصية الشَّارع المؤدي إلى حارتنا ، حتى رأيتها تدخل الشَّارع ، من جهة السوق الجديدة، الموازي لمعمل السّجاد ، لاحقتها ، حتى وصلتُ بموازاتها، خصلة من شعرها تخبئ جانباً من أسراروجهها حينما تنظر إلى الشارع ، فتزيحها بحركة خفيفة من رأسها عندما توجّه وجهها نحوي ، كشجرة الكينا الرشيقة وهي تخبئ وجه المدينة من جانب دير القديم المجاور لبيتنا ، فقلتُ لها بصوتٍ كسير ومتردّد : لدي رسالة لك . كان قلبي يرقص كالعصفور ، شعرتُ بالاختناق يملأ حلقي. فردَّتْ : رسالة ماذا؟ مِمَنْ ؟ نبرةُ صوتها جعلت يدي ترتجف في جيبي، وأصابعي تتحسّس الرسالة ، فلم أتمالك في إبرازها ، ثمّ قلتُ لها : ستعرفينها حينما أعطيك إياها ، وهي في البيت وليست عندي. اصطبغ خدها بحمرة خجلٍ وردية ، سَالَتْ على وجهِهَا ، أما قلبي فاصطبغ بخجل أكثر وردية ، خدِّها المتورّد يملؤني انتعاشاً ، وخجلُ قلبي يملؤها انتكاساً، وحتى بعد وصولي إلى المنزل لم يتركني الارتجاف الذي هزّني بعمق.
بعد أسبوع من هذا اللقاء الحارق ، سلمْتُها الرِّسالة ، لم تنظر إليها ، دسّتْها بين صفحات كتابها ، شعرتُ أنّها دسَّتْ نفسي بين طيات الكتاب.
زارتْنَا مع أمّها بعد أيامٍ ، كانَ الاحمرار نفسه يصبغُ وجهها ، وألوان الحياة تشعُّ من عينيها، في هاتين العينين تختبئ مساحاتٌ هائلة من الحبّ ، تمدُّ زهور الحياة برائحته الزكية ، ولولا طيبة الحبِّ ما كانت للزهرة رائحتها ، تحوَّلتْ شيرين إلى صفحةٍ مفتوحةٍ أمامي ، لكنَّها لم تلمح لي بشيء ، واكتفتْ بابتعادها عنّي ، ولجوئها إلى الصّمت ، وتجنّبها في فتحِ أيّ كلامٍ يُفضي إلى الموضوع . تحيّرتُ في أمري ، ماذا أفعل لأعرف موقفها الصّريح من الرِّسالة ، ولم أجد حيلةً لاستدراجها إلى حيث الاكتشاف المختبئ في كيانها ، اكتشافُ خبايا قلوب الناسِ فنٌّ لم أتعلَّمْه بعد .
أصابني قلقٌ ، لم أعدْ أعرف كيف أتخلّصُ منه ، تأثَّرتْ دراستي به ، وتراجعتْ درجاتي ، حاولتُ أنْ أواجه الموقف قبل أنْ استفحال الأمر .
وقفتُ في طريقها ذات يوم ، وكما في المرة السابقة، تأخرتُ عند ناصية الشَّارع المؤدي إلى حارتنا ، حتى رأيتها تدخل مدخل الشارع نفسه وكأني على موعدٍ مع نفسي، وعندما اقتربَتْ مني انتابني شعورٌ غريب ، وكأنَّني أراها لأول مرة ، لكنَّي تمالكتُ نفسي ، وقلتُ لها : هل قرأتِ الرّسالة ؟ لم تجبْ عن سؤالي ، فقط هزَّت رأسَها . ازدادت شجاعتي ، فقلت لها : وما رأيكِ ؟ فردَّتْ : ما زالتْ هناك أخوات أكبر مني ، وأمامنا زمنٌ طويل .
مرَّتْ سبعُ سنواتٍ على تسليمها رسالتي ؛ بعد الثَّانوية التحقتُ بالدراسة الجامعية ، ودخلتُ أجواء مختلفةً عمَّا كنَّا عليها في تلك الأيام ، ولم أعدْ أزورُ جدتي إلا في المناسبات ، ولم أرَ شيرين بعد ذلك ، لأنّها التحقتْ بهم ، ولم أتابع شؤونها .
والآن فوجِئْتُ بخبر استشهادها ، كانَ الخبر نصْلاً يمزّقُ أحشائي ، تذكّرتُ كلامها : ((ما زالتْ هناك أخوات أكبر مني ، وأمامنا زمنٌ طويل )).
حقّاً يا شيرين مازالت أمامنا سنواتٌ طوال ، لكن لم يعُدْ بإمكاني رؤيتك ثانية .
دخلتُ مع زملائي خيمة العزاء ، كانتْ صورتها تتصدّر الواجهة ، ابتسامةٌ غامضةٌ تفرش شفتيها ، تضيء قسمات وجهِهَا لكنَّها تفتح جرحاً غامضاً في داخلي ، وتخلق لي قلقاً مثيراً شبيهاً بالارتجاف الذي انتابني عند تسليمها الرسالة في أول مرة ، و لم أدرك بأنها ستكون يتيمة وستبقى الوحيدة بيننا …
قامشلي في 1/4/2008
صور في العتمة
صبري رسول
بارتباكٍ قلقٍ كان ينظر بعينين كسيرتين إلى ضوء خافت يهطلُ من النّافذة المنكمشِة على نفسِها ، انزوى إلى حواره المتقطِّع مع بقايا صورٍ عالقة في داخله ، الصّورة المتشظِّية تكتسبُ ملامحَ بليدة عند استعادتها من قاع الخوف ، عندما أنجبَتْه أمُّه كانَتِ الشَّمس تعلو على قمة الجبل بأمتارٍ قليلة ، ومع صرختِهِ الأولى عرضَتْه الدَّايةُ تحتَ خصلات شمس نيسان الذَّهبية المنسابةِ على الكونِ ، قائلةً: يشرب الجسدُ الضوءَ ، فيتحرّر من الخوف ، يكسر الزوايا الضيقة وينطلق مع الأفق المفتوح ، إنّه الجسد البشريُّ يتغلْغلُ الضَّوء إلى داخله مع الجرعة الأولى من هواء الولادة ، ثم أضافت بلهجةِ حكماءِ التَّاريخ : صرخةُ الطّفل الأولى في الحياة توقيعٌ منه على ميثاق الاستمرارية فيها ، كان يتمطّط بأقمطته تحت دفْءِ نيسان ، مستمداً منه قوةً تمسكه بالحياة ، من قوة هذا الشَّهر في التَّجدد والانبعاث تحقيقاً للعرف المقدَّس السَّائد في ولادته المائية ، أغمضَ عينيه على ألمٍ منتشرٍ في أصقاع الجسد ، وابتلع آهةً كتيمةً لم تجدْ لها مكاناً في فمه .
تلمّس أطرافَه السّفلية ليُكذِّب خشبيةَ روحِهِ ، لكنَّه لم يجدْ نهايةً لركبتيه ، ولم يستطع تحديد الشَّكل الذي تنتهي به قدماهُ ، نهاية لينة عجينية ، شبيهة بغفوة طفلٍ بعد بكائِه على أمِّه ، خانَه الإدراكُ من معرفة الزَّمن الذي أخذتْ فيه قدماه هذا المقاس ، ولم يعلم أأكلتْهَا العتمةُ أمْ تضاءَلَتَا بفعل كثافتِها ، كبساطةِ عذريةِ الرِّيف ، كان ينظر إلى الآخرين بعيون النّبوّة، ويرى الناس كسنابل حبلى بالخير ، لكنَّه لم يجدْ تفسيراً دافئاً لرفضِ ذواتِ اللّكنةِ الثقيلةِ لشكْلِه ، ولطريقة نطقه لأحرف الحجل الشَّجية ، جمع مواويلَ أمِّه وأغاني الحصيدة ، وأعادَها كخرقٍ باليةٍ إلى مهده الخشبي ، المزخرف ، وربطَها في مكان نومِهِ بـ( دسْتْ بَنْدْكَا – DEST BENDKA) المهد قائلاً : أمي هذه مواويلك وحكاياتك من التكوين والعدم ، وعن السّلالات المائية والصّخرية ، أودعتُهَا في مهدي كي لا تجلبَ لي متاعبَ وأوجاع لا قوة لي بحملها ، ونسي أنَّ الأم تتركُ صدى أغانيها عميقاً في ملامح الابن ، فيبقى أسيرَ لونِها حتى القيامة ؛ مع مرور الأيام استمدّ القلبُ قوةَ خفقانِه من صمتِ الجدرانِ الكتيمةِ المشبعة بعتمة السِّنين ، فتسرَّبت العتمة إلى داخلِه ، ومع الزَّمن اعتاد الجسم على القوى الخفيَّة خارج الضوء ، يسقط النُّور الخجولُ من أعالي الكوة ، فتتنفّسُ الكائنات الخامدة ، و الجمادات في الغرفة ، وحده يتضاءل حجمُ الجسد باحثاً عن زاوية تحتفظ بعتمتها ، كلَّمَا أخذتْ ضآلة الجسم شكلها الأقصى تحتاج إلى كميةٍ هائلةٍ من كثافة العتمة ليعود بها الجسم إلى حجمه المعهود قبل سقوط الضوء في فضاء الغرفة ، تسرَّبت العتمةُ الصَّامتةُ إلى مفاصل الجسد ، وتغلغل طغيانُها في عتيق الرُّوحِ ، أصبحَ كائناً ذائباً في الظَّلام ، يرتقي إلى معاني العدمِ ، بنشوة الصَّمت ، ويتلاشى مع فضيحةِ الضَّوء للكائنات ، غابتْ عنه صورُ الحياة تحت النُّور ، واهتزّ مخزونُها ، احتضنَ ظلامَ الغرفةِ الرَّخو ولم يَعُدْ يذكر من مواويل أمِّه ، وهي أعذبُ من مياهِ ( كانيا بلك –KANYA BELEK) . أغمض عينيه بقوة ، وبدأ العدم التَّالف يصعدُ إلى أعلى جسمه .