لاتزيفوا التاريخ، أيها المؤرخون المنحازون..! المؤرخ العراقي الدكتور نائل حنون من إبادة البشر، إلى إبادة التاريخ..!

خالص مسور

قد بكون الشطر الثاني من العنوان شاعرياً إلى حد بعيد، ولكن لابأس فإنها المعاناة معاناة ممن لايطيقون رؤية الآخرين إلى جانبهم، من الذين مارسوا ويمارسون التمييز ضد البشر والشجرفي هذه المنطقة من الشرق الأوسط تحديداً وكما قال الشاعر الكردي السوري أديب حسن محمد:
حمصُ
..أنتِ
أو..
…لا أحد.
وهؤلاء أيضاً لسان حالهم يقول: إما أن تكون أنت أنا… أو لن تكون! .
نعم لقد عانى التاريخ كثيراً ولايزال من الكتبة والمؤرخين المنحازين إلى أنفسهم ومايريدون لا كما يريد الموضوعية والعلم، وبذلك أنزلوا بعلم التاريخ إلى الدرك الأسفل من بين العلوم الأخرى، بآرائهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأصبحت تقرأ كتاباً في الغرب غير ماتقرأه في الشرق، وهكذا ضاع علم التاريخ والقاريء الجاد بين إنحيازالمؤرخين وتسييسهم للعلم والمعرفة. 
نعم لقد كانت شعوب الشرق الأدنى القديم تتفشى بينهم الأحقاد والضغائن، والصراعات على الأرض والملك، ولكن ومع الأسف! إلى الحد الذي كان يفتخر فيه الآشوري بتزيين جدران بيته برؤوس آدمية، وإلى الحد الذي يقتل الخليفة العباسي السفاح سبعة من الأمراء الأميين تحت النطع ومدادات طعامه وهم جرحى يئنون وينازعون الموت ليستلذ بنكهة طعامه بصراخهم وأنينهم، وإلى حد الإبادة الجماعية ودفن الأطفال في أحضان أمهاتهم وهم أحياء في عهد صدام، وإلى حد إبادة الأطفال والنساء في سوق الشورجة العراقي المزدحم بأحزمة الموت الناسفة تحت شعار”الله أكبر” وأي كبر لله هنا؟ حاشا لله أن يكون كبيراً بقتل برآء الناس، بقتل الأطفال البريئين والنساء البريئات. والسؤال هو كيف استطاع هذا السفاح العباسي المبير أن يأكل هنيئاً مريئاً وأمراء أمويون يئنون بجراحاتهم تحت مائدته العتيدة، وإذا أضفنا إليها مذابح رواندا قبل سنوات مضت فستكون ذلك ولاشك أرهب صور الوحشية والإبادة الجماعية في التاريخ.
ولماذا يجري كل هذا في مراكز الحضارات تحديداً..؟ أين ضاعت ثمرة تلك الحضارات من التهذيب والوعي والمعرفة، أكان كل شيء مزيفاً ياترى وكان لعب عيال، كما يقول أهل مصر؟ أم أنها إيقونية النفوس المتقوقعة لنخبة (مصلحجية) فسرت المعرفة على هواها وفصلته على مقاسات نزعاتها البروكروستية العجيبة؟ وربما بدا التساؤل الأخيرهو الأصح بكل ما تحمله من تبعات ومعنى.
ومثل إبادة البشر يكون إبادة التاريخ، فاليوم نسمع المؤرخ العراقي الدكتور نائل حنون والمدرس في جامعة دمشقن والذي كان رئيساً لكلية الآداب في جامعة بغداد ومديراً للمتحف العراقي قبل الإحتلال الأمريكي للعراق، عاد اليوم ليرتكب مذبحة بل إبادة جماعية بحق السومريين وليمحو وجودهم وحضارتهم بجرة قلم من على وجه الأرض، لمجرد أنهم شعب لاينتمي إلى الساميين الذين أثبت كل علماء الأرض بالأدلة والوثائق الدامغة على وجودهم حقاً. أي يحاول السيد حنون دفن السومريين أيضاً في مقابر جماعية عن طريق (الريموت كونترول) أو التحكم عن بعد، وفقط ليعطي دورهم الحضاري والتاريخي في بلاد الرافدين للأكاديين الساميين حصراً، لمجرد أن السومريين أقدم شعوب العراق على الإطلاق ولأنهم ليسوا من السكان الاصليين للعراق، وبهذا أظهر الرجل ميلاً وانحيازاً عرقياً أولاً، ثم ضعفا وسذاجة مريعين في اجتهاداته العلمية والتاريخية ثانياً.
ورغم أن العلماء اختلفوا حول الجهة التي جاء السومريون منها، إلا أنني أرى إن السومريين لم يأتوا من مكان آخر بل انحدروا في الألف الرابعة قبل المبلاد من جبال زاغروس وما جاورها تحديداً، وأنهم أحفاد ذاك الإنسان الذي كان يسكن كهوف منحدرات جبال زاغروس وكردستان العراق وتوابعها، ولهذا فلغتهم جاءت متفردة لأنهم قدماء جداَ في التاريخ، ولم يختلطوا بغيرهم من الشعوب في هذا التاريخ السحيق في القدم، وهكذا كانت لغتهم متفردة لاتشبه لغة أخرى كما يقال، وفيما بعد نزولهم الأرض السهلية اختلطت لغتهم بلغات العديد الشعوب التي جاورتهم أوقاسمتهم العيش على أرض واحدة.
يشرح الإستاذ الدكتوروائل حنون – مع احترامنا الشديد لآرائه- يشرح نظريته في كتابه الموسوم بـ (حقيقة السومريين). وأعتقد أن الدكتوريبغي من استعراض نظريته إلى جانب إعطاء الأولوية الحضارية في بلاد الرافدين إلى الاكاديين حصراً، ألا أنه يبغي من ورائها شيئاً من الشهرة أيضاً، وقد استعرض الدكتور حنون نظريته بشكل ينم على التحيز والضعف الأكاديمي، وبأدلة وبراهين تفتقر إلى المنطقية والتوثيقية، وهنا أنا لا أدافع عن السومريين لكي يوجدوا بالإكراه، وإنما عن حقائق وثوابت أوركيولوجية- تاريخية لم يعد يرقى إليها الشكً في يومنا هذا، ولكن وانطلاقاً من المقولة القائلة الحقائق نسبية وليست هناك جقيقة مطلقة، سنقبل بمناقشة الأمر مع الدكتور على مايقوله ويذهب إليه، علماً بأنني لم أطلع على نظريته بالكامل وإنما وجدت نتفاً منها في مواقع إنترنيتية فقط، وأعتقد أن مضمونها بات واضحاً لنا بما فيه الكفاية.
1- يقول الدكتور حنون ما معناه: (إن السومريين كقوم لاوجود لهم على الإطلاق، بل هناك فقط اللغة السومرية وهي التي اخترعها الأكاديون لتكون لغة للتدوين فقط، وحتى هذه فهي غير صالحة للنطق بها، لأن الحروف الصامتة والصائتة تتعاقب معاً وكلاهما ثابت المقطع، وأنها لغة مقطعية فريدة من نوعها لاتشبه أي من اللغات الحالية. ويتابع القول، هذه اللغة إبتكرها شعب من غير الآشوريين والبابليين ويعتقد بأنهم الأكاديون هم الذين اخترعوا هذه اللغة). وهنا كأني بالدكتور ولسان حاله يقول وبكل وضوح: يجب إلغاء الآخر في الحضارات الرافدية القديمة إذا لم ينتم على أعراقنا نحن. وهنا فلنسمع على سبيل المثال فقط، مايقوله وول ديورانت عن صفات السومريين في كتابه الفائق القيمة (قصة الحضارة)- ج1- ص-212. فيقول مايلي: (وتدل آثار (السومريين) على أنهم كانوا قصار القامة ممتلئ الجسم، لهم أنوف شم مصفحة ليست (كأنوف الأجناس السامية)، وجباه منحدرة قليلا إلى الوراء، وعيون مائلة إلى أسفل. وكان كثيرون منهم ملتحين، وبعضهم حليقين، وكثرتهم العظمى يحفون شواربهم. وكانوا يتخذون ملابسهم من جلود الغنم، ومن الصوف المغزول الرفيع، وكانت النساء يسدلن من أكتافهن اليسرى مآزر على أجسامهن، أما الرجال فكانوا يشدونها على أوساطهم ويتركون الجزء الأعلى من أجسامهم عارياً. ثم علت أثواب الرجال مع تقدم الحضارة شيئاً فشيئاً حتى غطت جسمهم كله إلى الرقبة. أما الخدم رجالا كانوا أو نساء فقد ظلوا يمشون عراة من الرأس إلى وسط الجسم إذا كانوا في داخل البيوت. وكانوا في العادة يلبسون قلانس على رؤوسهم وأخفافاً في أقدامهم، ولكن نساء الموسرين منهم كن ينتعلن أحذية من الجلد اللين الرقيق غير ذات كعاب عالية، وذات أربطة شبيهة بأربطة أحذيتنا في هذه الأيام. وكانت الأساور والقلائد والخلاخيل والخواتم والأقراط زينة النساء السومريات التي يظهرن بها ثراء أزواجهن كما تظهره النساء الأمريكيات في هذه الأيام). نعم فأنوفهم غير أنوف الأجناس السامية.
فمن أين استقى ديورات تلك الصفات ياترى؟ فهل هو تزييف لصفات الأكاديين اخترعها علماء السومريات؟ أم أنهم شاهدوا نقوشهم وصورهم على صخور وجدران مدن وحواضر بلاد الرافدين السومرية المنتشرة في كل مكان منها؟ ونقولها من جانبنا نحن بأنه: لايمكن لشعب أن يخترع لغة كاملة هي غير لغته بكامل مفرداتها ونحوها وصرفها…الخ، وخاصة في تلك الأزمان  السحيقة في القدم، بل إن الشعوب تكتسب لغاتها بنفسها بتأثير الإحتكاك بالبيئة، ولحاجة الأفراد الماسة إلى التواصل والتفاهم فيما بينهم، للذهاب إلى الصيد مثلاً، ولحل الخلافات والتواصل والتفاهم على أمور يومية ودينية ومعيشية…الخ. هكذا تكتسب الشعوب لغاتها من حاجاتها اليومية فقط، وقد صدق (ماركس) حينما قال: (الحاجة أم الإختراع)، ثم ما حاجة الأكاديين لاختراع لغة كاملة ليدونوا بها معارفهم وعقودهم ونصوص دينهم؟ ولماذا لم يستخدموا لغتهم الخاصة بهم في هذا الشأن؟. ولهذا أرى من الأرجح أن الاكاديين استعاروا اللغة السومرية ولم يخترعوها، وهذا يعود إلى سببين اثنين لاثالث لهما وهما- إما إن اللغة السومرية كانت لغة المعابد والآلهة المقدسة التي أوجدها السومريون ثم عبدها الأكاديون أيضاً بعد اختلاطهم بالسومريين مؤخراً، استعارواها من السومريين فلم يستطيعوا التخلي عن هذه اللغة الدينية والآلهة المقدسة، كما تفعل الشعوب الإسلامية من غير العرب اليوم وتقديسهم للغة العربية وتسمية أطفالهم بأسماء عربية تيمناً بلغة القرآن الكريم – والامر الآخر هو أن اللغة السومرية كانت لغة الكتابة والعلم والحسابات والقياسات الزراعية والري والفيضانات، ولم تكن اللغة الأكادية لديها مصطلحات تستخدم في هذه الأغراض اليومية والقياسات الأرضية والزراعة والري كما هو متوافر في السومرية مثلاً.
امر آخر نود قوله وهو: أن فرادة اللغة السومرية وعدم انتمائها إلى أية لغة أخرى في العالم لاتدل على عدم وجود هذا الشعب، فبالإضافة إلى المثال التي ذكرناه وانحدارهم من الكهوف وعدم اختلاطهم في البداية مع الغير، نستطيع أن نأتي بأمثلة عن فرادة بعض اللغات الحية اليوم ويوجد من يتكلمها، فعلى سبيل المثال فقط هناك اللغة اللوبيوية الأمازيغية التي لاتشبه ولاتنتمي إلى أية لغة أخرى كما يقر علماء السلالات البشرية بذلك، رغم أن العلماء كانوا حتى أمد قريب يعتقدون بقربها من السامية ولكن تبين أنها لغة متفردة في جذورها ومبادئها وقواعدها، كما أن لغة الإستراليين الأصليين في استراليا لا تشبهها لغة أخرى في العالم. فعلى سبيل المثال لو انقرض هؤلاء قبل الآن، فحسب نظرية الدكتور حنون يجب أن يعتبروا شعباً غير موجود وأن شعباً آخر وصع لغتهم لأغراض التدوين والمعارف، وهكذا نرى أن مثل هذه الأمور لاتنهض دليلاً على أن شعباً آخر وضع هذه اللغات المتفردة لأغراضه الخاصة، أو أنه ليس هناك أمازيغ على الأرض اليوم ولا استراليون أصليون. وكلنا يعلم عن وجود الشعب الأمازيغي الشحاع وإسهاماته الإيجابية في تاريخ بلاده، وكل المنطقة التي تواجد ويتواجد فيها اليوم؟.  
2- يقول الدكتور حنون في كتابه السلف الذكر: أن الأديبة السومرية/آنخدو-أنا/ الأديبة التي كتبت بالسومرية والأكادية، وهي تحمل الإسم السومري وابنة سركون الأكادي، فهل يعقل أن ينجب أب أكادي ابنة سومرية؟ ولكن هذه مناقشة سفسطائية أكثرمن اللزوم وبسيطة إلى حد السذاجة من حيث المفاهيم التاريخية! وهي لخبطة وتناقض بالكلام واعتراف بوجود السومريين من حيث يدري أو لايدري! فطالما أن ابنة سركون الأكادي وهو ملك أكاد تكتب بالسومرية فإذاً اللغة السومرية كانت لغة الكتابة آنذاك، وكانت أيضاً واسعة الإنتشار في بلاد الرافدين وليس كما يقول الدكتور أنها لغة اخترعت من قبل الأكاديين وحدهم.
فلو اخترعت هذه اللغة اختراعاً من قبل الكهنة الاكاديين، لبقيت حبيسة المعابد ومقتصرة على اللذين اخترعوها، ولايمكن للغة إخترعها بعض الناس لأمور تدوينية أن تنتشر هذا الإنتشار الواسع وتصبح لغة الكتابة والأدب على هذا المستوى من السمو والإنتشار. فلماذا لم تكتب /أنخدو- أنا/ بلغتها الأم الاكادية اللغة التي فطمت عليها حتماً؟ وهل هناك ما يدعو لأن نتساءل ونقول، في حالة الأديب سليم بركات مثلاً و الذي يحمل اسماً عربياً ويكتب بالعربية وهو كردي الأصل، أن نسأل ونقول: هل يعقل أن ينجب أب كردي ابن عربي؟ وأن نستنتج بأن اللغة العربية مخترعة وليست هناك عرب يتكلمون بها، أعتقد ان هذه هي استنتاجات غير منطقية من مؤرخ له مكانته العلمية في الوطن العربي؟. واليوم كثير من الكرد، والبربرن والترك، والباكستان…الخ يكتبون باللغة العربية وهم أبناء آباء قومهم، وما ذلك إلا لأن اللغة العربية هي لغة الثقافة والدين وكانت ولازالت تعتبر لغة مقدسة لدى هذه الشعوب جميعها، لأنها لغة القران الكريم ونبيه الأعظم(ص). وبمثل هذا يدلل الدكتورحنون على قدسية اللغة السومرية وعلى عظمة الشعب الذي كان يتكلم بها وليس على عدو وجوده كما يرى!.
3- ومثال آخر يورده السيد الدكتور حنون عن سلالة اور الثالثة (تاريخها) يقول:
تألفت السلالة من خمسة ملوك خلف كل منهم أباه في الحكم، وإن اسمي الملكين الأولين هما (أور – نمو) و(شولجي) وكانا سومريين، أما ابن شولجي ويدعى (أمارسين) أو أبورسين، فقد حمل اسماً أكادياً، ولكن حفيده /شو- سين/ فحمل اسماً سومرياً، بينما الآخر/ إبي سبن/ فقد حمل اسماً اكادياً. ثم يقول تعقيبا على ذلك: ليس من المعقول أن يكون هؤلاء الملوك من قوميتين مختلفتين وهم من نسل واحد.
ونعقب على هذه الأقوال اللاعلمية والبسيطة ببساطة مثلها فنقول: إن الشعوب المتجاورة تقتبس من بعضها الكلمات، كما الدين، والآلهة، والعادات والتقاليد، والأساطير…الخ. وكان السومريون أكثر تقدماً من الأكاديين في مضمار الحضارة والحياة الإجتماعية والإقتصادية بلا منازع، لأنهم كانوا في بداية عهدهم بداة والسومريون حضريون زراعاً، وبما أن الشعبين كانا متجاورين بل مختلطين إلى حد ما، لذا فقد اقتبسا من بعضهما الأسماء والآلهة والدين والأساطير والعادات والتقاليد…الخ. ولكن الإقتباس الغالب كان من جانب الأكاديين على طريقة اقتداء الأقل تحضراً بالأكثر تحضراً ومدنية، ونستطيع أن نبرر ذلك بأمثلة من التاريخ الوسيط. فصلاح الدين الأيوبي كما هو معروف كردي الأصل من بلدة دوين الواقعة في منطقة بحر قزوين ومن عشيرة الروادية الكردية، إلا إذا اعتبره الآخرون غير ذلك، وعندها فهذا شأنههم وما تمليه عليهم مصداقيتهم العلمية. ومع هذا فكان أسماء عائلة صلاح الدين الأيوبي كردية وعربية وتركمانية أيضاً مثل – الملك الأفضل، والملك عزيز عثمان، واسم أخيه تورانشاه، واسم عمه أسد الدين شيركوه….الخ. فهل يعني وفق تحليلات الدكتور حنون أن لاوجود لشعب اسمه الكرد قوم صلاح الدين بل هناك اللغة الكردية فقط؟ أو إن السريان الذين يسمون أنفسهم بأسماء يونانية كقرياقس مثلاً يدل على عدم وجود شعب سرياني وتوجد فقط اللغة السريانية؟. وماذا عن الأتراك والذبن يسمون أولادهم باسم من مقطعين الإسم الأول عربي والكنية تركية(سليم أوغلو) مثلاً.. ولماذا يسمي الاتراك مساجدهم المقدسة بـجامع السلطان احمد مثلاً، واحمد كما لا يخفى على أحد هو اسم عربي؟ إذاً وحسب قانون الدكتور حنون فإن العربية لاوجود لها، وإنما اخترعها الكهنة الأتراك للتدوين ولتيسيرمعاملاتهم ونصوصهم الدينية رغم تشدد الأتراك على قوميتهم؟ أم الاصح أن العربية لغة مقدسة اقتبسها المسلمون الأتراك وغيرهم لأنها لغة الآيات النازلة والقرآن الكريم؟.
وهنا يصبح قول الدكتور حنون الآتي في مهب الريح: (ونظراً لأهمية قدسية المعابد، فلم يكن ممكناً أن يستمر الاكاديون تسمية معابدهم بالسومرية لو كانت تلك لغة شعب آخر). وهنا سأضع هذا الكلام في إطار أمثلتنا السابقة ويصبح كلامه المعادل الموضوعي للقول التالي: (ونظراً لأهمية قدسية المعابد، فلم يكن ممكناً أن يستمر (الأتراك) تسمية معابدهم بـ(العربية) لو كانت تلك لغة شعب آخر). وأعتقد هنا بدأت تترنح نظرية الدكتورحنون العرقية والسياسية أكثر مما هي تاريخية، وذلك في محاولة واضحة منه – وكما قلنا سابقاً – لإعطاء السبق الحضاري للاكاديين الساميين، ولأن لا يمكنه قبول شعباً آخر حاملاً لمشعل الحضارة في العراق القديم سوى عرق واحد ألا وهو العرق السامي الأكادي تحديداً، وهنا يصدق من قال أن ليس هناك مؤرخ غير محايد في العالم. يقول ديورات بهذا الصدد مرة أخرى كتابه في قصة الحضارة-ج1: (إن كتابة التاريخ، وتحيز المؤرخين من الأمور التي يرجع عهدها إلى أقدم الأزمان). أما ما نود التأكيد عليه هنا هو القول بوجود شعب قديم في بلاد الرافدين يدعى الشعب السومري، وله الفضل في بناء أقدم وأروع الحضارات الإنسانية قاطبة، وأن السومرية هي لغة شعب له بصماته وإسهاماته الحضارية في العالم القديم، وكانت لغته اكتسبت قدسية لدى الأكاديين كما هو العربية اليوم لدى الشعوب المسلمة. ويؤيد هذا دليل آخر وهو قول السيد حنون ذاته حينما يقول:(كانت بناية كل معبد تشاد في العصور التاريخية، يتوجب أن يحمل اسماً باللغة السومرية)، وهو ما يعني قدسية اللغة السومرية تماماً وبدون أدنى ريب.
والدليل الآخر الدامغ رغم بساطته على وجود هذا الشعب، هو تأكيد جميع علماء السومريات ومنهم (أنطون مورتكارت) و( صموئيل نوح كريمر) و(موسكاتي) وغيرهم، على أن السومريين كانوا يسمون أنفسهم(بذوي الرؤوس السوداء)! والعلماء يؤكدون على وجود التسمية والسيد حنون نفسه يقر بذلك، ولكن لا أحد حتى اليوم يدري لماذا سمى السومريون أنفسهم بهذا الإسم الشاعري الظريف، مع أن المؤرخ الشيشاني(سيمكوغ) يرى أنهم سموا أنفسهم بهذه الصفة لأنهم كانوا يضعون على رؤوسهم حطاطة مصنوعة من جلد الجدي الأسود. والسؤال هنا وبغض النظر عن صحة أقوال سيمكوغ أوعدم صحتها. إذا كان السومريون غير موجودين حقيقة، فكيف عرف الأكاديون يا ترى أن السومريين كانوا سود الرؤوس؟ ولماذا تصوروا هذه التسمية اللونية القاتمة دون غيرها من التسميات..؟ ولاشك أنها أسئلة تتطلب من السيد الدكتور الإجاية عليها وتفسيرها. ومن جانبنا نرى أن التسمية واللون الأسود لم يأتيا من عبث، بل أنها تسمية بصرية واضحة المعالم وكانت مجودة حتماً بشهادة جميع العلماء كما قلنا. أفلا يدل هذا الدليل على وجود شعب سمى نفسه بذوي الرؤس السوداء؟ وماالعيب في أن يذكر الاكاديون على نقش أو بردي بأنهم اخترعوا اللغة السومرية لتيسير أعمالهم بها، وأن لغتهم لاتناسب ومقتضيات العصر.
ومن ناحية أخرى فإن مجرد عدم معرفة الدكتور حنون عن أصل الصابئة أدى به إلى أن يزيلهم كعرق وشعب من الوجود بجرة قلم أيضاً، رغم أنهم ربما من أقدم ساكني العراق، وربما هم بقايا السومريين أيضاً، ولكن يريد السيد الدكتور أن ينهيهم من الميدان أيضاً، لا لشيء إلا لأنهم أعرق من الأكاديين أيضاً فيقول عنهم : ( أن الصابئة لم يكونوا عرقاً وإنما ديناً…اخترعوا لغة خاصة بهم). فإن لم يكن الصابئة عرقاً فهم حتماً ينتمون إلى شعب آخر فما هو هذا الشعب الذي ينتمون إليه ياترى؟ وحول الصابئة يقول المؤرخ العراقي البارز السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه القيم والموسوم بـ(الصابئون في حاضرهم وماضيهم) – الطبعة الثانية- ص- 9مايلي (الصابئون قوم من أصحاب الديانات القديمة غلب عليهم الحياء والكتمان، فكان ذلك مدعاة لاختلاف العلماء والمؤرخين في حقيقة أمرهم. ففريق منهم ردهم إلى ديانة بابل وآشور وهي من أقدم الديانات الوثنية، لأن أساسها عبادة النجوم وفيها من الشعائر مايتصل بديانة بابل القديمة، وفريق آخر قال إنهم فرقة من المجوس والنصارى ولم يزد على ذلك. والحق أنهم ليسوا من المسيحية في شيء، لأن المسيحي من آمن بألوهية السيد المسيح، والصابئي لايؤمن بذلك). وماهو مهم هنا في قول الحسني هو أن الصابئة /قوم/ أي شعب بخلاف ماقاله الدكتور حنون تماماً. ومرة أخرى أعود إلى القول، بأن أي من اللغات القديمة لم تخترع وإنما طور كل شعب لغته الخاصة به نظراً للحاجة الماسة إليها، أو أنها اشتقت لغتها من لغات أخرى بنفسها ودون حاجة للأكاديين الذين أصبحوا مخترعي اللغات أيضاً. وهذه هي حال لغة الصابئة الذين نعتقد أنهم يتكلمون لغة آرامية معدلة حيث كانت الآرامية لغة الدين والتجارة آنذاك.
وفي الختام نقول: إن كلام السيد حنون خطير جداً لأنه مؤرخ منحاز لايتمتع بالحيادية العلمية، ويريد أن يزيح السومريين عن مسرح التاريخ والحضارة العالمية بكل برودة أعصاب، ويرتكب مذبحة للتاريخ، ونقول أيضاً: مرة أخرى ترك الدكتور حنون الأركيولوجيا وفرط في مسيرتها العلمية الطويلة، والتفت إلى الخرافات والتخمينات والقياسات والموازين التاريخية غير الدقيقة لاغير، ونريد للدكتور أن يتجرد من الإنحيازية ويقدم ماهو صالح ومفيد ومنطقي وصحيح للدراسات التاريخية التي هي بأمس الحاجة إليه وإلى أمثاله من الأكاديميين وعلماء التاريخ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…