وبالفعل ذهبت, وقابلت هذا الموظف, وكان يشغل مترجم وزير التخطيط, ويدعى الأستاذ (نهاد رضا) وبعد التعارف وشرب فنجان قهوة, لكن هذا الاتصال لهو محفوف بالمخاطر, كيف لشخص في وزارة حساسة, يريد تعلم اللغة الكردية, وبالفعل ولجت وزارة التخطيط وقابلت المسؤول الأستاذ (نهاد رضا) وقد عرفني بنفسه قائلاً: تعود جذور عائلتنا إلى أكراد تركيا, فوالدي كردي ووالدتي تركية, واستقرت عائلتنا في حلب, وهناك درست المرحلة الثانوية, ثم درست الأدب الفرنسي, ثم تخصصت في العلوم الاقتصادية في فرنسا, ودرست الآداب في الجامعات اللبنانية, وهوايتي هي تعلم ودراسة اللغات الحية منها والميتة, و إنني أكتب بسبع لغات, وأتكلم 12 عشر لغة أخرى, وكنت دائماً أبحث عن شيء ينقصني في نفسي, كنت أشعر بالألم لماذا أنا الكردي وأتكلم بإثنتا عشر لغة, ولا أعرف الكردية؟ فقلت أهلاً وسهلاً على الرحب والسعة, سأعلمك اللغة الكردية, وبالفعل باشرنا بالألف باء, ثم بقصص للأستاذ كامران بد رخان, وكتب الأستاذ أوصمان صبري, (Derde me) و (Bahoz) ودواوين الشاعر (جكرخوين) واستمر في تعلمه اللغة الكردية إلى أن أصبح باستطاعته أن يقرأ بنفسه, ويفهم في المحادثة, وحفظ مئات الكلمات ذات الاستعمال اليومي, وهو يعرف الفارسية, العبرية, اليوغسلافية, اليونانية, التركية, الاسبرانتو, وطريقته في تعلم اللغة طريفة جداً, حيث يعتمد بشكلٍ كلي على آلة التسجيل, وفي كل غرفة من غرف منزله ثمة عدة آلات التسجيل, ويعتمد عليها في السماع, ففي غرفة النوم يستمع إلى كاسيت باللغة الفارسية, وفي غرفة الجلوس يستمع إلى كاسيت باللغة الكردية, وفي الصالون بلغة أخرى, وهكذا دواليك… وقد كان العلامة جلادت بدرخان يكتب بأربع لغات وهي الإنكليزية, الفرنسية, الكردية, الألمانية, العربية, وقد كان لهتلر مترجماً يتكلم بثلاثة عشر لغة بين حية وميتة. وتواصلت لقاءاتنا الأدبية, وقد اشترى عشرات الكتب الكردية والمجموعات الشعرية المتوفرة وبعض القواميس الكردية, ك (قاموس الكردي الجديد), وغيرها. والجدير بالذكر هنا هو أنه شاعر من طراز رفيع باللغة الفرنسية, وقد رأيت رسالة من المستشرق الفرنسي (جاك بيرك) الذي ترجم القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية, قائلاً له:” أنت أعظم شاعر غير فرنسي يكتب الشعر باللغة الفرنسية”(1) ومن جهة ثانية حاول نهاد رضا في إيجاد آلية البحث عن اشتقا قات جديدة ومفردات عصرية موائمة في اللغة الكردية, يعتمد عليها في إطارات علمية. وبالطبع هذا شيء عادي جداً في خدمة اللغة الكردية, فالأستاذ نهاد رضا يبحث في اللغة الكردية من خلال حرصه على اللغة التي ينتمي إلى أصولها, لكن ماذا عن الكورد والفرس الذين خدموا اللغة العربية, كأبو أسود الدؤلي, أبو خليل الفراهيدي, سيبويه وآلاف الكتاب والنحويين الذي أسهموا في الحفاظ على تراث اللغة العربية وتطويرها, وبالنسبة إلي شخصياً فقد مررت بهذه التجربة الصعبة, لقد هاجرت عائلتنا إلى دمشق في الستينات من القرن الماضي, وانقطعتُ عن الجزيرة لمدة 30 سنة, وحافظت على لغتي الكردية, وأصدرت أول ألف باء مترجمة إلى اللغة العربية’ ثم تزوجت فتاة كردية من حي الأكراد, وقد علمتها اللغة الكردية, وإن شاب لغتها بعض التكسير في الأفعال, والضمائر, ثم جاء الأولاد ولكي يتقنوا اللغة بشكل جيد كنت آخذهم إلى القرى النائية في عين ديوار, وقرى الدرباسية, ويبقوا تحت لسعة شمس تموز و آب اللهاب ولسعة العقارب, والبرغش الذي لا يتوان عن النيل منهم, وأخيراً باتوا يتكلمون باللغة الكردية كأهل الجزيرة,
*رئيس تحرير مجلة آسو الثقافية الكردية.