التنظير اللا أخلاقي في مجتمعنا الكردي الأخلاقي

د. علاء الدين جنكو

أنا لا أؤمن بنظرية نسبية الأخلاق ، فالسرقة سرقة ، صفة سلبية أينما حلت ووجدت، وكذلك شرب الخمر والمسكر صفة سلبية ولا توصف بالجيدة والمعقولة حينا وبالسيئة حينا آخر ..

ذكرت السرقة وشرب الخمر حتى لا يتصور البعض أني أهتم بالمظاهر دون البواطن ، فهي من الصفات التي يتورط بها الرجال أكثر من النساء – على الأقل في مجتمعنا – فليس المقصود من الانفلات الأخلاقي هو المجتمع النسائي فقط على الرغم من خطورة فساده ، فأكثر المفسدين تسللوا واقعنا من بوابة المرأة وحقوقها !!
لم يسلم ميدان من ميادين حياتنا من مظاهر الفساد الأخلاقي فبيوتنا، وشوارعنا، وجامعاتنا، وأفراحنا، وأتراحنا، مظاهرنا، وبواطننا، سرنا وعلانيتنا، كل شيء فينا متورط بفساده الأخلاقي .
لكل مجتمع على وجه الأرض منظومات تحكمه وتسيِّر حركة أفراده في جميع ميادين الحياة منظومات فكرية وأخلاقية واقتصادية واجتماعية وعبادية وغيرها من المنظومات .
وغالبا ما يكون مصدرها هو دين المجتمع إن كان متدينا كحال مجتمعنا الكردي، كما ويكون مصدره أيضا عاداته وتقاليده، ونتاج تفكيره وعصارة ثقافته، وبعض الأمور التي يتربى عليه المجتمع إن تقاربت جهود التربية في تلك الأمور .
وقبل الخوض في التأثيرات السلبية لمنظري نسبية الأخلاق ، أريد أن أقول : إن المعيار في الأخلاق هو التناسق بين مصالح الفرد والمجتمع ، لأن الإنسان مخلوق نفعي ومصلحي ، وأنه لا يندفع نحو أي تصرف إلا بباعث ودافع المصلحة الشخصية ، فإذا ما طلب منه عملا أخلاقيا وفق نظرية نسبية الأخلاق لكانت مصلحته ومنفعته هي المعايير في تلبيته لهذا العمل بغض النظر عن المجتمع وما يترتب عليه ..
أما وفق نظرية الأخلاق الثابتة سوف يحسب ألف حساب حينما يقدم على هذا العمل فيكون مراعيا لكل ما يحيط به ، ويكبح جماح منفعته الشخصية القائمة على الأنانية المطلقة .
أعود إلى التنظير اللاأخلاقي في مجتمعنا الكردي ، فمنذ ما يقارب نصف قرن من الزمان هناك تغيب شبه مطلق للحديث عن المنظومة الأخلاقية إلا ما يلقى على المنابر ومن قبل أئمة المساجد الذين وصفوا من قبل التيارات التقدمية المثقفة بأنها وسائل وخطب لتنويم المجتمع وإغفاله قصدا أو بدون قصد عن مهمته الأولى بالتنبيه !!
بل ذهبوا لأبعد من ذلك فلم يكتفوا بالسكوت عن هذه المنظومة بل راحوا يحاربون من ينظر للأخلاق ويدعوا إليها من خلال محاربة الدين والمعتقدات والعادات والتقاليد المحافظة التي تؤكد على نظرية الأخلاق الثابتة ..
حتى إن كثيراً من المؤسسات السياسية في مجتمعنا الكردي ارتقت بنظرتها الأخلاقية إلى نظرية النسبية ، فلم تضع قيودا ومعاييرا – على الأقل من الناحية العملية – لتكبح جماح التشرد الأخلاقي، ومع كل أسف كم من شخص عرف بسيرته اللاأخلاقية ارتفع وارتقى، وحينما ينتقد هذا الشخص من قبل الآخرين في بعض مظاهره اللاأخلاقية تجد رتلا من المدافعين يبررون له بأنه حر في اختيار صفاته ، فما تراه سلبيا يراه هو إيجابيا .
فالسكر والعربدة مثلا عندك من أساطير الحلال والحرام ، أما عند مثقفينا فهي نشوة وانتعاش !!
خروجه مع صديقته والسهر معها إلى منتصف الليالي في قاموسك عيب وحرام ، لكن ذلك عنده حرية وممارسة طبيعية ما دام الخروج برضا الطرفين !!
على هذا الأساس ترى الشق غير المتدين مع كل أسف ينظِّرون في مجتمعنا الكردي .
ومن أكبر المصائب أن تجد بعض من يتباكى على مصلحة شعبه ويفعل المستحيل من اجل أن يتبوأ مركز القيادة بين بني جلدته، متصف بكل صفة لا أخلاقية، من كذب في قوله، واحتيال في معاملاته المالية، يسهر في الخارج مع الساقطات تاركا في داره زوجة طاهرة تأكل الليالي من ربيع حياتها، ومع كل أسف لا يحاسب مثل هذا المحتال والنصاب من قبل المحترمين بل البعض ينظر إليه نظرة التقدير عند ملاقاته، وكأن القومية يزداد سهمها في نفسية منتسبها كلما غرق في  لا أخلاقياته !!
ومن الطرائف أن تجد بعض الكتاب يعاتبون من يبكي على شرف المرأة ، ولا يبكي على شرف أمته ؟!! ناسين أن من هانت في عينه كرامة امرأته ، ستهون كرامة أمته من باب أولى ، فمن لا يصلح لبيته ، هو كذاب لو ادعي الإصلاح لبيت جاره ، ومن هانت عليه شرف بناته لا شك أن بنات جاره أكثر إهانة ولا تسلم من شعاراته القومية ..
والمصيبة الأدهى والأمر، أن يقتل شخص في حادثة وجريمة لا أخلاقية وتأتي جنازته وهي ملفوفة بعلم كردستان ….
نعم .. كانت آثار هذه التربية اللا أخلاقية سلبية وواضحة في مجتمعنا الكردي الذي عرف بمحافظته وانتظامه الأخلاقي ، على الرغم أنه من أكثر المجتمعات الإسلامية انفتاحا ، فالمرأة كانت وما زالت مشاركة للرجل في حياته الطبيعية ، غير منعزلة ، ولا غائبة .
ترتدي ملابسها الطبيعية العادية غير المستوردة لا من دول الانفتاح المطلق لدرجة جعلها عارية أو كما يقال عنها أحيانا : (لابسة من غير هدوم !!) ولا مستورة من دول الانغلاق المطلق لدرجة أن تخرج قطعة سوداء لا يعرف عنها سوى أنها أنثى مستورة في سواد !!
قد أكون مستاء مما أشاهده في شوارعنا الكردية من انفلات أخلاقي نتيجة الخلفية الدينية التي تسيطر عليَّ ، ولكن عندما أسمع أن بابا الكنيسة في إحدى مناسباته يوصي فتياته أن يلبسن الصليب ليتميَّزن عن الفتيات الكرديات . اعتقد أن الصخور الكردية سوف تستاء من هذه الحالة أيضاً !!

ولن أتعجب يوما أن يوصي رجال الكنيسة فتياتهم بارتداء بالحجاب الإسلامي حتى يتميزن ، لأنه مع هذه التربية التي ينظِّر لها مدعو النظرية النسبية في الأخلاق لا أتعجب أن تخرج الفتيات الكرديات وهن يرتدين الصليب أيضا !!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

نحن
لا نحتاج عيد الحب
و بهرجته
نحتاج الحب ذاته
كما
لا نحتاج
ميليشيات و بيادق
و لا أحزاب و بيارق
و لا أديان و خنادق
نحن
نحتاج
الوطن ذاته
تجد في
قبلة غوستاف كليمنث
ورقصة رينوار
و استراحة فان كوخ

رشاد شرف

عندما ينام الليل.. أستيقظ .. أبحث عنكِ بين دفاتري القديمة بين أسطر الكتابة، أراكِ كئيبةً لا تريدين البقاء ولا المغادرة..
أقرأ الحيرةَ بين حواشي جفنيك وأسئلة كثيرة
من الذي سرقنا من طفولتنا وأجهض فتوتنا ورمانا في عش(الوقواق) قبل أن ينبت لنا زغب؟.
أنا طفل كبير، تعلّمتُ أبجدية العشق بين ضفائرك
الشمس كانت آيلة للغروب ..
لكنّي لويتُها بذراعيّ لنرتشفَ…

غريب ملا زلال

وهو يلتهم الفجر
وينحدر نحو الصبح
حتى
لا تضيع رائحة الطيب القديم
وهو
يحدثها عن مم وزين
وعن شجرة بارزة
كعرش في السماء
تثمر جسداً
يتأمل بخيبة
ريحاً
تنحني باللائمة
لملك أوغر قلبه في المسرات
فجأة
وفي غضون أمسية
أكثر فاعلية من أي معبد
أو
أي رغبة معلقة
على شجرة الموت
أو
من رغيف على شكل سمكة
كانت الشمس
تقف خجلى
دون ضوء
================
العمل الفني لرحيمو

نارين عمر

على الرّغم من إقرار الكثيرين على صعوبة ترجمة نصوص من لغة إلى أخرى، وعدم قدرة بعضهم على ترجمة النّصوص بمشاعرها وأفكارها بالشّكل المطلوب، إلا أنّها تظلّ وسيلة تواصل رائعة يستفيد القرّاء منها كثيراً في القدرة على الاطلاع على أدب وثقافة الشّعوب المختلفة
الشّاعرة أناهيتا حمو أحبّت أن تخوض هذه التّجربة بعد أن تمكّنت من…