هل حقّاً تستحقّ الدراما السوريّة كلّ هذا التطبيل والتزمير؟

هيثم حسين

لا يخفى ما حقّقته الدراما السورية من إنجازات لافتة للنظر، في السنوات الماضية، ولا يعقل تجاهل حقيقة أنّها قد خطت خطوات كبيرة بالنسبة إلى واقع الحال الذي كان سائداً، ولا يزال، والذي هو واقع الطوارئ الذي يطال كلّ شيء، ويتدخّل في كلّ صغيرة وكبيرة، ولا يستثني شيئاً أو فرعاً إلاّ ويكون له فيه النصيب الأوفر. وليست الدراما السوريّة التي تقام الدنيا ولا تقعَد تهليلاً بإنجازاتها التي طالت السماء، وتعظيماً لإعجازاتها التي أخرست «المتربّصين» من الإخوة، ببعيدةٍ عن كلّ تلك السياسات والممارسات…
ولأنّ الدراما هي بنت واقعها، حتّى وإن كانت تتهرّب إلى الحديث عن عوالم فانتازيّة متخيَّلة، لتتقنّع خلفها، متستّرة ببعض الحجب التي قد تحجب الواقع المعيش عن الأعين قليلاً أو كثيراً، أو التي قد تنعدي بالعشا الليليّ في حلكة تطول، ولا تجد منفسحاً لها إلا باتّخاذ الإسقاط وسيلة ودريئة في آن: وسيلةً للإقناع بأنّ وراء العمل المعروض إبداعاً، ودريئة للتقنّع والاختباء، طارحة مقولة أنّ الجمهور أغبى من أن يبلغ الفهم.
هكذا تدور الحال، أو تدور عجلة الدراما، بين قائمين على واقع يطالبون بالمزيد والمزيد من الأرباح، وآخرين مطالبين بدرّ تلك الأرباح مهما كانت الوسائل أو الأساليب المتّبعة. ولأنّ درامـ«تنا» السوريّة منتشية بانتصاراتها، وأرباحها، ومتباهية أنّها تغطّي كلّ الساحة، وأنّها السيّدة والسائدة، وأنّها تعالج كلّ المواضيع الحياتيّة والتاريخيّة الشائكة أو المغضوض عنها الطرف في التاريخ، يحقّ لنا التساؤل: هل هذه المقولة حقيقية أم أنّ وراء الدراما ما وراءها؟
يعلّمنا التاريخ من الدروس والعِبَر الكثير. منها، وليس أوّلها أو أهمّها، أنّه إذا اشتدّت الإضاءة في بقعة ما فإنّها تخفي ظلاماً أشدّ حلكة وظُلمة خلفها. ومنها أيضا، أنّه إذا كثرت الاحتفالات والمهرجانات فإنّ هناك ما يُكاد في ضوضائها.
ومن هنا، ولأنّه سهل أن يحيط المرء بتاريخ الدراما السوريّة، يحقّ لنا أن نتساءل أيضاً: هل انحصرت القصص والحكايا في تواريخ غفلٍة من زمانها ومكانها؟ هل انغلقت أبواب دمشق السبعة على روايات وسيناريوهات بضعة كتّاب ومثلهم مخرجين، و»شلل« أخرى تابعة لهذه الشركة المنتجة، التي هي بدورها واجهة لهذا المتنفّذ المعلوم من الكلّ والمتجاهَل ذكره في الإعلام دوماً؟ أي رجال الظلّ هم مَن يسوسون ويديرون، ينتجون ما يرونه الأفضل للعامّة، وما يشكّل رأي مَن لا رأي ولا حول ولا قوّة لهم؟ أولئك الذين هم الشعب في الكتب الرسميّة وهم شُعيب في الواقع. وذلك بحسب بعض المستهزئين الساخرين من الكتّاب. ثمّ لماذا يتمّ تجاهل جميع مكوّنات الشعب السوريّ حين تصوير عشرات المسلسلات التي تدور في فلك واحدٍ، كـ: البيئة الشاميّة بقصصها المجترّة، البيئة الحلبيّة بتكلّفها الممجوج الذي يضفَى عليها، الفانتازيا بتملّصها، ثمّ الاجتماعيّة بتناسخها المَرَضيّ الفجّ؟ هل يكفي تطعيم مسلسل من مئات المسلسلات بكلمة دالّة على أخٍ آخر موجود «الكرديّ أو السريانيّ أو الآشوريّ …إلخ» المُتنكَّر له حيث هو؟ هل تكفي شخصيّة ثانويّة تلثغ في اللهجة لتكون إحالة أو إشارة إلى هذه المدينة أو تلك؟
إنّ المحافظات السوريّة كلّها تضجّ وتعجّ بالكثير من القصص والحكايا والروايات والسيناريوهات الاستثنائيّة، والجزيرة السوريّة، كنموذج منها، هذه التي ليس لها حظّ حتّى الآن من الدراما السوريّة التي ستحتفل قريباً بافتتاح قناة خاصّة بها، تشكّل أرضاً بِكراً وبوراً لم تحرث بعدُ في هذا الحقل الملغم بما يحول دون ذلك. فهل سنحتفل، قبل الاحتفال بالقناة الدراميّة، بالانفتاح على بعضنا، وذلك بالسماح بتصوير مسلسل يصوّر معاناتنا الحقيقيّة، بعيداً عن السعي وراء السوق الذي يعرض المطلوب؟ ويتعرّض لتصوير المراد فقط، أم أنّ تغيير واقع الحال بات من المحال؟
الأيّام وحدها كفيلة بالإجابة على ما أثرناه وما لم نثره بعدُ… ويقيناً ليس هنالك دافع وراء القول أو الكتابة إلاّ الحبّ قبل كلّ شيء وبعده أيضاً
كاتب سوري
عن صحيفة السفير اللبنانية 26/ 9 /2008م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…