ابراهيم محمود
لا أظن أن الكردي، اليوم، بمعزل عما يحدث أو يجري باسمه، وذلك في الجهات التي يقيم فيها، أو تسمّيه خارج ما يشتهي، خارج اعتباره الكرديَّ، وهو مندمج مع نفسه، جرَّاء ما يحدث أو يُنسَب إليه، غارق في نفسه المنتشية، كما يظهر، جرَّاء المتحولات العاصفة، كما لو أنه حي بن سالامان، أو روبنسون كروزو الكردي، بعيداً عن العالم، إذ يتماهى مع أفكار خاصة جداً به، وهو الذي يعيد ذات الأسطوانة التليدة، أسطوانة حضوره العريق في التاريخ، والعارف الأوليائي بالتاريخ، وهو المقحَم ظلماً في تاريخ غيره: مهمَّشاً، دون مساءلة جديرة منه بموقعه الذي يعنيه، عما يدور في نفسه، وعليها، وهو المدرِك، كما يُعرَف عنه، أنه مهدَّدَ في ماله وعِرضه ودينه الذي يتراوح بين منقسم عليه، ومقسّم لكينونته، بين داخل مفتَّت وخارج تعنُّتيٍّ
لا أظن أن الكردي، اليوم، بمعزل عما يحدث أو يجري باسمه، وذلك في الجهات التي يقيم فيها، أو تسمّيه خارج ما يشتهي، خارج اعتباره الكرديَّ، وهو مندمج مع نفسه، جرَّاء ما يحدث أو يُنسَب إليه، غارق في نفسه المنتشية، كما يظهر، جرَّاء المتحولات العاصفة، كما لو أنه حي بن سالامان، أو روبنسون كروزو الكردي، بعيداً عن العالم، إذ يتماهى مع أفكار خاصة جداً به، وهو الذي يعيد ذات الأسطوانة التليدة، أسطوانة حضوره العريق في التاريخ، والعارف الأوليائي بالتاريخ، وهو المقحَم ظلماً في تاريخ غيره: مهمَّشاً، دون مساءلة جديرة منه بموقعه الذي يعنيه، عما يدور في نفسه، وعليها، وهو المدرِك، كما يُعرَف عنه، أنه مهدَّدَ في ماله وعِرضه ودينه الذي يتراوح بين منقسم عليه، ومقسّم لكينونته، بين داخل مفتَّت وخارج تعنُّتيٍّ
لحظة التفكير في طبيعة صلاته بهذا الدين في تسلسل أسمائه، وانقسامه التاريخي والمذاهبي والمذرور جرَّاءه.
لكن الكردي التاريخي، حيث يعنيني أمره، فأنا عائد إليه، مثلما هو ينعطف علي، كما تقتضي ظروف النسب والمصير، هذا الكردي، قلما يسائل نفسه، ذاته، كما نوَّهت، عما هو عليه، حتى اللحظة، بالطريقة التي تؤكّد أنه ليس حي بن سالامان الحكائي الفلسفي، أو روبنسون كروزو الروائي الرمزي بالمقابل، وإنما يشكّل كائن الجغرافيا والتاريخ معاً، ولهذا يتوجب عليه أن يمعن النظر فيما هو عليه، فيما يكونه الآخرون، خارج ” ملَّته” و” ثَّلته” و” محلَّته”و”نِحلته”، عما يقوله الآخرون عنه، أو ينسِبون إليه، يفخّخونه، أو يولّفونه، كما لو أن ذلك يتجاوب مع رغبة ضمنية فيه، وهي أنه لا يعارض ورود قول كهذا إليه، أو حصول حدث كهذا، يشمله مسلكياً.
ذلك يتماشى مع نظرته اللاتاريخية إلى اسمه ومعتقده الذاتي، وموقعه الجغرافي، وهو مكشوف على الملأ ولهم، في ليله التاريخي، فكيف بنهار الآخرين من حوله، وعلى علم تام، بما يكوّنه ويكوُنه، أكثر من كردي في كردي، وعلى كردي، وكأن شيئاً لم يكن، كما يجري راهناً.
على مسمع منه، وأمام ناظريه، يجري رسم دائرة الطباشير القوقازية الطابع، وكأن الحادث منتظَر بلهفة من لدنه، ليُتهيأ لتمزيقه، وهو مغتبط بذلك. أين” شرف” الدفاع عن الهوية: الاسم؟
أظن أن ثمة قدراً كبيراً من المسئولية الذاتية، عن سلسلة المخالفات المرتكبة، باسم التاريخ في التاريخ، بما أنه شغوف بمجريات أحداث التاريخ، لأنه المودَع فيه، خارج سياق ما يرغب ، على الأقل من خلال ما يشير به إلى هذا التاريخ، ولكنه كائن اللاتاريخ، عندما ينبري بقدر ملحوظ من الإهمال لعنف التاريخ فيه، وصمته بسببه، لأن الناتج هذا، أو الصادر عنه، لا يقوم مقام المكافىء لروح الحكمة التاريخية، من خلال وقائعه وحوادثه، عند درسه، مقام الكم المتدفق والمنتشر من السّوقية المبتذلة التي تطاله، وهو في مقام حنظلة الغافل، بعيداً عن يقظة تمكّنه من سرد تاريخه الخاص، أو الاعتراف بوهم ِوجوده، عندما يجري تمثيله دون مراجعته، بما أنه الوديعة: الفجيعة في التاريخ، نعم، ثمة قدر لافت من التسيب أو الإهمال لجريان فعل التاريخ في اسمه: هويته، وهو بهذا الانقسام الذرّي، على مذبح شهوات الآخرين، كما يقول عن نفسه، إنما دون معاينة ما يجب القيام به، اعترافاً باستهتاره بما يجري باسمه ذاك، أو بسبب تقصيره عن مكاشفة المغالطات التاريخية، أو خوره المتوارث كثيراً، وبجرعات متفاوتة، إنما مستمرة، في عدم وعي التاريخ المطلوب، في تسمية أخطائه وتصنيفها، سواء في عدم تفهمه الكافي لحقيقته التاريخية، وللآخرين من حوله، وهو منطق الكردي الذي لا زال يفضّل” فياغرا” الشعارات، وهو في أوج شعوره بخيلائه الكردية، على الجسد الواهن والشائخ كثيراً، تحت ضغط الشعارات بمشاهدها المختلفة.
كأن الكردي المذرور في صحراء تاريخ الآخرين، المنزلق خارج التاريخ الحي، غير معنيٍّ بما يشار إليه بالبنان، عن مسئولية ما، تجاه الجاري، تجاه تقصيره عن حمل مسئوليات الآخرين، بما أنه يضع نفسه في موقع المسئولية، حيث ينفرد ظلٌّ مرئي له، في كردستانه العراقية، وفي الجوار، يغريه مثلما يفتنه، سماع من يتهمه، أو يحمّله جريرة المرتكّب بحق سواه، أعني كرديَّه الآخر الذي لا يدقَّق في حقيقة أمره، أعني من يعيش معهم: عرباً، سرياناً، تركاً، فرساً…الخ، أعني تنصّله أحياناً عن حمل تبعات أخطاء تسمّيه، لأنه في موقع المسئولية، وهي مسئولية جغرافية وتاريخية وأخلاقية وإنسانية طبعاً. أعني بذلك مجدداً، صراخ الكردي الذي يشكو بجرحه الروحي البليغ عما يبريه، على يد كرديه المجاور أو الممثّل له رغماً عنه ، أعني بذلك السرياني حين يرفع صوته التاريخي عالياً (أكثر من حدود الموصل راهناً طبعاً)، أن ثمة ما يتهدد مصيره، كينونته، وهو مواطن المكان بدوره، وللكردي شأنه، ومحل سؤال عما يلحق به، من باب الأمل، أو باب التجاور التاريخي( عِشرة آلاف السنين) جغرافياً، أن صمته، أو تغاضيه هنا وهناك، عما يتعرض له من استئصال له، هو أو سواه، محسوب عليه، لأن ثمة سلطة تعرّف به، أن العربي ذاته، يعنيه فيما يقصيه، لحظة تجلّي الكردي ممثّل دور، محل مكاشفة تاريخية، وهذا يشمل سواه، إذا ما أراد الكردي” السّتر” التاريخي، إن جاز التعبير، أن عليه الاعتراف بأكثرمن حالة تقصير دون حركة رجراجة من اليدين، فالوثائق كافية، ولكن، وكما يظهر، لعل اندفاعه التاريخي في مجرى العاطفة كثيراً، استشبحه مثلما جرَّده من حقيقة كونه إنساناً من لحم ودم، إلى كائن هلامي، وهو ما لا يتمناه، حيث يغيب النقد الذاتي، وتعلو الذات: ذاته على ذاتها!
هل أكون مخطئاً، أو في ” ضلال مبين”، عندما أقول: ليس كردياً، من لا يدرك كوكتيل الكرديات العصي على الشرب، من لا يدرك تشظي الكردية، وصيرورتها كرديات في طوائفها وعباءاتها الفضفاضة، ليدرك تيهه وبالتالي، يبحث عن الصواب التاريخي، ليس كردياً، من لا يتلمس الآخر في روحه: العربي والسرياني والأرمني والتركي والفارسي، بالقدر المطلوب، مجموعة مقومات لكينونته منذ زمان طويل، ليدرك بالتالي، لحظة البدء بالكلام، أنه أكثر مما يكونه بينه وبين نفسه، أن ثمة شراكة تاريخ وجغرافية، يمكن أن تبقي مجال التلاقي والتفاعل التاريخيين والجغرافيين مفتوحاً، أن ثمة إمكانية قائمة دائماً لنقد الذات، لجعل القائمين في ذاته، أن ثمة رغبة فاعلة في ضرورة استمرار الشراكة في الدم والمال والعِرض نفسه، أن أي استئصال لأي منهم، تحضير لاستئصال الآخر، أنه إفقار للمكان وأهله، وللزمان ووصله الحضاريين!
لكن، ربما يكون من قبيل الخروج على الذاكرة الجمعية الكردية، إن قال، أو صرَّح أو تحدث أحد الكرد، على أن الكرد في مجموعهم ما زالوا يتنفسون برئة قبَلية، حتى وهُم في أكثر حالات تعبيرهم عن انتمائهم المدني الملحوظ، ذلك ما تقول علاقاتهم مع بعضهم بعضاً، أشكال تواصلهم مع العالم المفتوح، ما يحيل إليه نمط الكتابة الأكثر التصاقاً بحراكهم السياسي، حتى وهم في أوج شعورهم بمأسوية تاريخهم، ومصائر وجودهم حيث ينتشرون، كما هي الجزر المائية العائمة.
إن قراءة متأنية لكتاب شمولي، وفي هذا المنحدر الوعر لذهنية الكردي المعتبَر ممثل الكردايتي بالمعنى الحزبي والسياسي، للهولندي” مارتن فان بروينس”، وأعني به (الآغا والشيخ والدولة: البنى الاجتماعية والسياسية لكردستان- ج1- ترجمة : أمجد حسين، معهد الدراسات الاستراتيجية، بغداد، أربيل، بيروت، ط1، 2007)، تواجهنا بهذه الحقيقة المُرَّة، وكما ورد في الخاتمة (ص421-425)، وليت المعنيين من الكرد بحيثيات السياسة الكبرى، ودواماتها الظاهرة والباطنة، في المنطقة، وعلى مستوى عالمي، وراهناً، يتذوقون مرارة المتحصّل في هذا الكتاب، ليدركوا حلاوة المكتشَف من الحقيقة، إذ يلامسون سرَيان فعل الواقع التجزيئي، وعلى أعلى مستوى في نفوسهم ورؤوسهم، إنهم أنفسهم وقود العنف المتبادل، وبدرجات متفاوتة، هم أنفسهم منخرطون في سباق متأخر مع زمن، يتعاملون مع مستجداته، بمنطق الساعة النفسية.
يمكن لأي كردي، سليم الحواس، متوازن بقواه النفسية، أن يعيش هذا الصراع اللافت بين تحولات الزمن الهائلة، وبطء المتحوَّل النفسي والعقلي لدى أولي أمره، أو بني جلدته.
ثمة كرديات، وليس من كردية واحدة، تعيش على المحك، كرديات متصارعة، تتناهب ليل نهار، تتعادى فيما بينها دون هوادة، وكل منها تعزز كرديتها، في نسَب موغل في الكردية، كما لو أنها سليلة” رش” و” بلك” في (معسكرات الأبد)، لسليم بركات، وقد تناثرت وتكاثرت!
تظهِر الكردياتُ هذه، غياب الشعور الرياضي: الهندسي بالتاريخ وحكمة التاريخ ولعنته في لحظة مباغتة فيه، استغراقها في محمول تاريخ، تعيش حمّى التاريخ، بينما هي موضوع شاغل للآخرين الذين تجري تسميتهم آناء الليل وأطراف النهار، على أنهم أعدى الأعادي تبادلياً،أن انشغالهم بأنسابهم، بأضراب شعائرياتهم/ عشائرياتهم، يبزُّ اهتمامهم بما يحضَّر لهم، مثلما أنهم ماضون في تأكيد عصبياتهم المنقسمة على نفسها، لكأنهم يشتهون المدد التاريخي لظاهرة المازوشية التي تجسّد علاقتهم بالآخرين، مثلما تثملهم ظاهرة السادية التي يرعونها فيما بينهم.
كيف يمكن مكاشفة هذه الكرديات الذرَّية، هذا الانفجار الكردياتي، على مذبح الولاءات الآبائية، وقد مديَنت مواقعها؟ إذ تكون الكرديات هذه، بدعة السنين الخوالي، على الأقل، منذ تدوين السطور الأولى من (الشرفنامة) للبدليسي، وبيضة ديك الزعامة المتنقلة أو المتحولة، أو المؤممة بفتوَّات مدعمة هنا وهناك، وثمة ملايين كرد، غرقى العرق المندلق طي الصيحات القوموية، من نمط: طوبى لمن يكون كردياً، على إيقاع ” طوبيات” مجاورة، لتستمر الأضحويات الكردية- الكردية، فالمهمُّ هو صدى الصراخ، وهو على أشده، ولا بأس أن يكون الكرد في ملايين مؤلفة، في مسلخ المهاترات التحزبية، مطأطئي الرؤوس، تحت ثقل أوزار “ممتطيهم”، رافعي الرايات التي تحجب الرؤية، مثلما تعطب العقل عن الاستجابة الفعلية لما يجري في المحيط، إن رصداً فضائياً لحركية الأيدي التي تتقدم الأفواه كردياً، هو الذي يعلمنا بحقيقة محفّزها كردياً!
لكن الكردي التاريخي، حيث يعنيني أمره، فأنا عائد إليه، مثلما هو ينعطف علي، كما تقتضي ظروف النسب والمصير، هذا الكردي، قلما يسائل نفسه، ذاته، كما نوَّهت، عما هو عليه، حتى اللحظة، بالطريقة التي تؤكّد أنه ليس حي بن سالامان الحكائي الفلسفي، أو روبنسون كروزو الروائي الرمزي بالمقابل، وإنما يشكّل كائن الجغرافيا والتاريخ معاً، ولهذا يتوجب عليه أن يمعن النظر فيما هو عليه، فيما يكونه الآخرون، خارج ” ملَّته” و” ثَّلته” و” محلَّته”و”نِحلته”، عما يقوله الآخرون عنه، أو ينسِبون إليه، يفخّخونه، أو يولّفونه، كما لو أن ذلك يتجاوب مع رغبة ضمنية فيه، وهي أنه لا يعارض ورود قول كهذا إليه، أو حصول حدث كهذا، يشمله مسلكياً.
ذلك يتماشى مع نظرته اللاتاريخية إلى اسمه ومعتقده الذاتي، وموقعه الجغرافي، وهو مكشوف على الملأ ولهم، في ليله التاريخي، فكيف بنهار الآخرين من حوله، وعلى علم تام، بما يكوّنه ويكوُنه، أكثر من كردي في كردي، وعلى كردي، وكأن شيئاً لم يكن، كما يجري راهناً.
على مسمع منه، وأمام ناظريه، يجري رسم دائرة الطباشير القوقازية الطابع، وكأن الحادث منتظَر بلهفة من لدنه، ليُتهيأ لتمزيقه، وهو مغتبط بذلك. أين” شرف” الدفاع عن الهوية: الاسم؟
أظن أن ثمة قدراً كبيراً من المسئولية الذاتية، عن سلسلة المخالفات المرتكبة، باسم التاريخ في التاريخ، بما أنه شغوف بمجريات أحداث التاريخ، لأنه المودَع فيه، خارج سياق ما يرغب ، على الأقل من خلال ما يشير به إلى هذا التاريخ، ولكنه كائن اللاتاريخ، عندما ينبري بقدر ملحوظ من الإهمال لعنف التاريخ فيه، وصمته بسببه، لأن الناتج هذا، أو الصادر عنه، لا يقوم مقام المكافىء لروح الحكمة التاريخية، من خلال وقائعه وحوادثه، عند درسه، مقام الكم المتدفق والمنتشر من السّوقية المبتذلة التي تطاله، وهو في مقام حنظلة الغافل، بعيداً عن يقظة تمكّنه من سرد تاريخه الخاص، أو الاعتراف بوهم ِوجوده، عندما يجري تمثيله دون مراجعته، بما أنه الوديعة: الفجيعة في التاريخ، نعم، ثمة قدر لافت من التسيب أو الإهمال لجريان فعل التاريخ في اسمه: هويته، وهو بهذا الانقسام الذرّي، على مذبح شهوات الآخرين، كما يقول عن نفسه، إنما دون معاينة ما يجب القيام به، اعترافاً باستهتاره بما يجري باسمه ذاك، أو بسبب تقصيره عن مكاشفة المغالطات التاريخية، أو خوره المتوارث كثيراً، وبجرعات متفاوتة، إنما مستمرة، في عدم وعي التاريخ المطلوب، في تسمية أخطائه وتصنيفها، سواء في عدم تفهمه الكافي لحقيقته التاريخية، وللآخرين من حوله، وهو منطق الكردي الذي لا زال يفضّل” فياغرا” الشعارات، وهو في أوج شعوره بخيلائه الكردية، على الجسد الواهن والشائخ كثيراً، تحت ضغط الشعارات بمشاهدها المختلفة.
كأن الكردي المذرور في صحراء تاريخ الآخرين، المنزلق خارج التاريخ الحي، غير معنيٍّ بما يشار إليه بالبنان، عن مسئولية ما، تجاه الجاري، تجاه تقصيره عن حمل مسئوليات الآخرين، بما أنه يضع نفسه في موقع المسئولية، حيث ينفرد ظلٌّ مرئي له، في كردستانه العراقية، وفي الجوار، يغريه مثلما يفتنه، سماع من يتهمه، أو يحمّله جريرة المرتكّب بحق سواه، أعني كرديَّه الآخر الذي لا يدقَّق في حقيقة أمره، أعني من يعيش معهم: عرباً، سرياناً، تركاً، فرساً…الخ، أعني تنصّله أحياناً عن حمل تبعات أخطاء تسمّيه، لأنه في موقع المسئولية، وهي مسئولية جغرافية وتاريخية وأخلاقية وإنسانية طبعاً. أعني بذلك مجدداً، صراخ الكردي الذي يشكو بجرحه الروحي البليغ عما يبريه، على يد كرديه المجاور أو الممثّل له رغماً عنه ، أعني بذلك السرياني حين يرفع صوته التاريخي عالياً (أكثر من حدود الموصل راهناً طبعاً)، أن ثمة ما يتهدد مصيره، كينونته، وهو مواطن المكان بدوره، وللكردي شأنه، ومحل سؤال عما يلحق به، من باب الأمل، أو باب التجاور التاريخي( عِشرة آلاف السنين) جغرافياً، أن صمته، أو تغاضيه هنا وهناك، عما يتعرض له من استئصال له، هو أو سواه، محسوب عليه، لأن ثمة سلطة تعرّف به، أن العربي ذاته، يعنيه فيما يقصيه، لحظة تجلّي الكردي ممثّل دور، محل مكاشفة تاريخية، وهذا يشمل سواه، إذا ما أراد الكردي” السّتر” التاريخي، إن جاز التعبير، أن عليه الاعتراف بأكثرمن حالة تقصير دون حركة رجراجة من اليدين، فالوثائق كافية، ولكن، وكما يظهر، لعل اندفاعه التاريخي في مجرى العاطفة كثيراً، استشبحه مثلما جرَّده من حقيقة كونه إنساناً من لحم ودم، إلى كائن هلامي، وهو ما لا يتمناه، حيث يغيب النقد الذاتي، وتعلو الذات: ذاته على ذاتها!
هل أكون مخطئاً، أو في ” ضلال مبين”، عندما أقول: ليس كردياً، من لا يدرك كوكتيل الكرديات العصي على الشرب، من لا يدرك تشظي الكردية، وصيرورتها كرديات في طوائفها وعباءاتها الفضفاضة، ليدرك تيهه وبالتالي، يبحث عن الصواب التاريخي، ليس كردياً، من لا يتلمس الآخر في روحه: العربي والسرياني والأرمني والتركي والفارسي، بالقدر المطلوب، مجموعة مقومات لكينونته منذ زمان طويل، ليدرك بالتالي، لحظة البدء بالكلام، أنه أكثر مما يكونه بينه وبين نفسه، أن ثمة شراكة تاريخ وجغرافية، يمكن أن تبقي مجال التلاقي والتفاعل التاريخيين والجغرافيين مفتوحاً، أن ثمة إمكانية قائمة دائماً لنقد الذات، لجعل القائمين في ذاته، أن ثمة رغبة فاعلة في ضرورة استمرار الشراكة في الدم والمال والعِرض نفسه، أن أي استئصال لأي منهم، تحضير لاستئصال الآخر، أنه إفقار للمكان وأهله، وللزمان ووصله الحضاريين!
لكن، ربما يكون من قبيل الخروج على الذاكرة الجمعية الكردية، إن قال، أو صرَّح أو تحدث أحد الكرد، على أن الكرد في مجموعهم ما زالوا يتنفسون برئة قبَلية، حتى وهُم في أكثر حالات تعبيرهم عن انتمائهم المدني الملحوظ، ذلك ما تقول علاقاتهم مع بعضهم بعضاً، أشكال تواصلهم مع العالم المفتوح، ما يحيل إليه نمط الكتابة الأكثر التصاقاً بحراكهم السياسي، حتى وهم في أوج شعورهم بمأسوية تاريخهم، ومصائر وجودهم حيث ينتشرون، كما هي الجزر المائية العائمة.
إن قراءة متأنية لكتاب شمولي، وفي هذا المنحدر الوعر لذهنية الكردي المعتبَر ممثل الكردايتي بالمعنى الحزبي والسياسي، للهولندي” مارتن فان بروينس”، وأعني به (الآغا والشيخ والدولة: البنى الاجتماعية والسياسية لكردستان- ج1- ترجمة : أمجد حسين، معهد الدراسات الاستراتيجية، بغداد، أربيل، بيروت، ط1، 2007)، تواجهنا بهذه الحقيقة المُرَّة، وكما ورد في الخاتمة (ص421-425)، وليت المعنيين من الكرد بحيثيات السياسة الكبرى، ودواماتها الظاهرة والباطنة، في المنطقة، وعلى مستوى عالمي، وراهناً، يتذوقون مرارة المتحصّل في هذا الكتاب، ليدركوا حلاوة المكتشَف من الحقيقة، إذ يلامسون سرَيان فعل الواقع التجزيئي، وعلى أعلى مستوى في نفوسهم ورؤوسهم، إنهم أنفسهم وقود العنف المتبادل، وبدرجات متفاوتة، هم أنفسهم منخرطون في سباق متأخر مع زمن، يتعاملون مع مستجداته، بمنطق الساعة النفسية.
يمكن لأي كردي، سليم الحواس، متوازن بقواه النفسية، أن يعيش هذا الصراع اللافت بين تحولات الزمن الهائلة، وبطء المتحوَّل النفسي والعقلي لدى أولي أمره، أو بني جلدته.
ثمة كرديات، وليس من كردية واحدة، تعيش على المحك، كرديات متصارعة، تتناهب ليل نهار، تتعادى فيما بينها دون هوادة، وكل منها تعزز كرديتها، في نسَب موغل في الكردية، كما لو أنها سليلة” رش” و” بلك” في (معسكرات الأبد)، لسليم بركات، وقد تناثرت وتكاثرت!
تظهِر الكردياتُ هذه، غياب الشعور الرياضي: الهندسي بالتاريخ وحكمة التاريخ ولعنته في لحظة مباغتة فيه، استغراقها في محمول تاريخ، تعيش حمّى التاريخ، بينما هي موضوع شاغل للآخرين الذين تجري تسميتهم آناء الليل وأطراف النهار، على أنهم أعدى الأعادي تبادلياً،أن انشغالهم بأنسابهم، بأضراب شعائرياتهم/ عشائرياتهم، يبزُّ اهتمامهم بما يحضَّر لهم، مثلما أنهم ماضون في تأكيد عصبياتهم المنقسمة على نفسها، لكأنهم يشتهون المدد التاريخي لظاهرة المازوشية التي تجسّد علاقتهم بالآخرين، مثلما تثملهم ظاهرة السادية التي يرعونها فيما بينهم.
كيف يمكن مكاشفة هذه الكرديات الذرَّية، هذا الانفجار الكردياتي، على مذبح الولاءات الآبائية، وقد مديَنت مواقعها؟ إذ تكون الكرديات هذه، بدعة السنين الخوالي، على الأقل، منذ تدوين السطور الأولى من (الشرفنامة) للبدليسي، وبيضة ديك الزعامة المتنقلة أو المتحولة، أو المؤممة بفتوَّات مدعمة هنا وهناك، وثمة ملايين كرد، غرقى العرق المندلق طي الصيحات القوموية، من نمط: طوبى لمن يكون كردياً، على إيقاع ” طوبيات” مجاورة، لتستمر الأضحويات الكردية- الكردية، فالمهمُّ هو صدى الصراخ، وهو على أشده، ولا بأس أن يكون الكرد في ملايين مؤلفة، في مسلخ المهاترات التحزبية، مطأطئي الرؤوس، تحت ثقل أوزار “ممتطيهم”، رافعي الرايات التي تحجب الرؤية، مثلما تعطب العقل عن الاستجابة الفعلية لما يجري في المحيط، إن رصداً فضائياً لحركية الأيدي التي تتقدم الأفواه كردياً، هو الذي يعلمنا بحقيقة محفّزها كردياً!
محك الكرديات المدحورة بذاتها
حيث يقيم الكردي، ثمة ذاكرة كردية تنزف تاريخ انقساماتها، تاريخ خروجها على مضمونها الفعلي، أنَّى كان مقامه أو مكانه! ثمة كرديات متقابلة ، متواجهة، تتراصد في الجهات الأربع، وفي المتن، تبدو كردستان ذاتها، مستودع بارود ينسخن بدماء أبنائها أنفسهم، إزاء لا تنبهِهم إلى هذه الكرديات التي تزداد انشطاراً واحتضاراً في صميم بنيتها، بالمعنى الكيميائي، حيث كل كردية جماعوية، تشدد على رايتها وغايتها المتشرذمتين، وتعزز وجودها بنظامها الداخلي المشعوَذ واقعاً، وتتظلل بصور رموزها الاعتباريين، وجميعها على المحك، على حافة هاوية التاريخ، وإن ظهر كرد اليوم، وهم مأخوذون، بفتنة ملحوظة، في واجهة دنيا العولمة، يُسمُّون، ويُتحاوَرن، ويَستقطبون، فإنهم في الواقع السبخي كثيراً، في أكثر مظاهر التاريخ تعرضاً لامتحان قاس ٍ في المصير، لأنه امتحان لا يوقَّت دائماً بالسهولة هكذا، ولا يوفّر شروط تقديم الامتحان باليسر هكذا، إنما تكون الإرادة الراغبة في النجاح هي المعيار العملي.
لكن المعرَّف به، هو أن أفق التاريخ الكردي هذا، لا يبشّر بالخير المنتظَر، إنما ينذر بأكثر من خطر، ليس بمعنى المعيق لبلورة هويتهم الجغرافية أكثر، وإنما المهدد لأقل الأقل منها فيهم، طالما أنهم في طردياتهم المتنامية، وهم يشربون أنخابها في مناسبة ودون مناسبة، فهل الكرد محضَّرون للتكيف مع سنّيهم العجاف القادمة، أم أنهم مدرَّبون على الموات التاريخي كعادتهم؟
حيث يقيم الكردي، ثمة ذاكرة كردية تنزف تاريخ انقساماتها، تاريخ خروجها على مضمونها الفعلي، أنَّى كان مقامه أو مكانه! ثمة كرديات متقابلة ، متواجهة، تتراصد في الجهات الأربع، وفي المتن، تبدو كردستان ذاتها، مستودع بارود ينسخن بدماء أبنائها أنفسهم، إزاء لا تنبهِهم إلى هذه الكرديات التي تزداد انشطاراً واحتضاراً في صميم بنيتها، بالمعنى الكيميائي، حيث كل كردية جماعوية، تشدد على رايتها وغايتها المتشرذمتين، وتعزز وجودها بنظامها الداخلي المشعوَذ واقعاً، وتتظلل بصور رموزها الاعتباريين، وجميعها على المحك، على حافة هاوية التاريخ، وإن ظهر كرد اليوم، وهم مأخوذون، بفتنة ملحوظة، في واجهة دنيا العولمة، يُسمُّون، ويُتحاوَرن، ويَستقطبون، فإنهم في الواقع السبخي كثيراً، في أكثر مظاهر التاريخ تعرضاً لامتحان قاس ٍ في المصير، لأنه امتحان لا يوقَّت دائماً بالسهولة هكذا، ولا يوفّر شروط تقديم الامتحان باليسر هكذا، إنما تكون الإرادة الراغبة في النجاح هي المعيار العملي.
لكن المعرَّف به، هو أن أفق التاريخ الكردي هذا، لا يبشّر بالخير المنتظَر، إنما ينذر بأكثر من خطر، ليس بمعنى المعيق لبلورة هويتهم الجغرافية أكثر، وإنما المهدد لأقل الأقل منها فيهم، طالما أنهم في طردياتهم المتنامية، وهم يشربون أنخابها في مناسبة ودون مناسبة، فهل الكرد محضَّرون للتكيف مع سنّيهم العجاف القادمة، أم أنهم مدرَّبون على الموات التاريخي كعادتهم؟