أنخاب إبراهيم اليوسف

  غسان جان كير

قيل لابراهيم اليوسف : (مالغبطة )؟
قال 🙁 الكفاية مع لزوم الأوطان ).
ولأننا لا حول لنا ولا قوة , فقد نقبل – على مضض – هجرة ( تهجير ) الشباب إلى بلدان الحَر أو القَر , فإن وصلوا ( بالسلامة ) فإننا نُعزّي أنفسنا بان الشباب سيتآلفون مع بلاد الغربة , وقد يجد البعض منهم الأجواء المناسبة التي تساعدهم على الإبداع , كلٌ في مجال اهتمامه . وقد يجد البعض أيضا الإمكانية لبناء المستقبل , بعد إن ضاق بهم الوطن وضيق عليهم .

 (لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها       ولكن أخلاق (الرجال) تضيق)
قد نعاني من الكآبة لدى رؤية شوارعنا مُقفرة , يطغى عليها الصمت , أو همهمة الأشباح , ونفتقد بنفس الوقت إلى قهقهة الشباب في تلك الشوارع .
قد نتقبل , نحن (الذين لم تصل السكين إلى عظامنا) ونُمرر , ونبتلع خبر هجرة هذا الشاب أو ذاك , وقد نُباركهم على (مساعداتهم الإنسانية) وتلك الدولارات أو الدنانير التي يُرسلونها لأهاليهم كمعونة لا بد منها في هذه السنين الجدباء .
قد نقبل ونتقبل – لا حول لنا ولا قوة – مفاهيم (غيرنا) عن الثروة الوطنية الحقيقية , وبأنها ليست في الطاقات البشرية , وإنما في السياحة , واقتصاد (السوء), وقد نتقبل ونصدق أيضا بأن الثروة البشرية فائضة , ويجب توزيعها على جهات الأرض .
قد نقبل ونتقبل –لا حول لنا ولا قوة – كل ما ذُكر آنفاً , ونُمررها (على الناشف) , ولكن أن يُهاجر الكاتب والشاعر والصحفي إبراهيم اليوسف (طوعاً) , وهو بحدود الخمسين من العمر , طلبا للرزق , الذي تَعَسَّر عليه في بلاده , وضجراً من نمام يعاتبه أو يلومه على أحلامه فهذا ما لا يمكن أن نُمرره بغير كاس أو طاس
(ويسلم الجاهل من لفظة       يهلك فيها العالم الماهر)
(ويعسر المؤمن في رزقه     ويرزق الكافر الفاجر)
كثيرون هم من يعرفون إبراهيم اليوسف , بل قُل هو بحر لا يعيش دون اسماك .
بانتشار خبر هجرته استطيع تخيل كؤوس و أنخاب تُرفع , مقرونة باسمه
منهم من يحبه فيرفع نخبه , سلوة على الحزن والأسى اللذين تخلقهما حالة مُبدع (خمسيني) كان قد بدد سنوات عمره على الفقراء والمقهورين , لتكون أول سنة جدب و محل سببا من أسباب الهجرة لديه , وما يُزيد الحالة حزنا أن نعرف أن جده كان قد فتح مخازن حبوبه للفقراء قبل نصف قرن .
وهناك من يرفع نخب ذاته , وهو يرى حالة إبراهيم اليوسف , ويحمد ربه كثيرا , على كونه هاجر قبل أن تستفحل الأمور (بلا نبض الشارع بلا بطيخ) , المهم إجادة النفاق والكلام المعسول .
وهناك من يرفع نخب الانتصار على كاتب (مُشاكس) , بل ويرقص طربا , بل قد تُصبغ أمه يديها بالحناء , وهي ترى ابنها مُنتشيا مُنتصرا على شاعر , بل قد لا تكتفي بصبغ يديها وشعرها بالحناء وإنما تُصبغ بالحناء مؤخرتها أيضا .
وقد يرفع المرتزقون , الأنخاب , مُعاتبين إبراهيم اليوسف , على عدم تقبله ثقافة الارتزاق , والمديح الفج , وبان مُعالجة كل شيء سلبي هو بإنكار وجوده .
وقد يرفع بعض رفاقه أنخاب التخلص من شيوعي حقيقي , يغرد (خارج سربهم) , ولا يتخندق وراء مطلب (هلامي) (المطالبة بالحريات الديمقراطية ) , وبان الأممية الحقة هي أن تحب (سلفادورياً) , أو أن يستبدل تسمية الأحزاب الكردية  ب (الأحزاب القومية) , و بان تخصيص جزء من الجريدة للثقافة الكردية يعتبر خرقا لتعاليم وأسس يمطّونها ويقصرونها على قد مصالحهم .
(أبو أيهم) ها نحن نبكي أنفسنا بك
ولا حول ولا قوة إلا بالله
(وإذا البلاد تغيرت عن حالها      فدع المقام وبادر التحويلا)
(ليس المقام عليك فرضا واجباً     في بلدة تدع العزيز ذليلا)

Ghassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…