في تقلب الزمان بعامودا

  غسان جان كير

مع تزايد الحالة الاقتصادية سوءً , واستمرار , بل , استشراء البطالة , وحلول القوانين الكابحة للتطور , محل شعار (تطوير المنطقة الشرقية), ومع استمرار انحباس المطر , تزداد مدينة عامودا كآبة.

قد لا يرى المكتئب أو المتشائم سوى نصف الكأس الفارغة , ولكن لحالة الكآبة (المفروضة) على عامودا خصوصية – قد تكون نابعة من خصوصيتها – تفرض على المرء بأن لا يرى سوى كاس مملوءة بالمرارة تتجرعها عامودا حتى في أقصى حالات الفرح.
إن ما تعانيه عامودا من حالة الكآبة تدفع المرء لان يعتقد جازما , بان ما تتلقاه ما هو إلا عذاب جهنميّ ليس عقوبة عن آثام أهلها فقط , بل كل آثام وخطايا بني البشر , بل قُل أن عامودا قد شذت عن غيرها من المدن وأكلت من ثمار الشجرة المحرمة , ومن ثم ليغضب عليها الله فيخلدها في جهنمية المدن المنكوبة .
ولعل أوضح تجلّي لهذه الكآبة , هو أن نرى مُعظم – أن لم نقُل كل – الدكاكين مُغلقة بحلول السادسة مساءً , لتُمسي الشوارع مُقفرة , إلا من الكلاب الشاردة , حتى يُخيل للمرء بأنها هي من تفرض حظرا للتجوال في عامودا . ولكم تبدو الكآبة عظيمة إذا عرفنا أن (الدلوعة) ابنة احد أثرياء الشعارات لا تعمل (الشوبينغ) الابعد السادسة مساءً , في أي مدينة من مدن الله .
وان كنا نلوذ بأكواخنا هربا من كآبة الشوارع , بل قل إننا نُسابق الدجاج بدخول القُن , مع حلول الظلام , وان كنا نحسده على ريشه الذي يتدفىء به في , ليالي الشمال الباردة والحزينة , وقد نمتاز عن الدجاج بأننا نجد في التلفزيون سلوتنا الوحيدة , مُتدثرين بالبطانية أو اللحاف , مُتمنين عودة ليلة صيفية أو جزء من قسيمة المازوت التي بعناها عن حاجات مُلحة لا تنتهي .وتستلمنا المسلسلات مسلّمين بها , يتقمص معظمنا شخصية البطل أو البطلة , في مُخيلته , مُرفهاً في قصره أو  سيارته أو حضن حبيبته , نتألم إن أصابه مكروه , نفرح لفرحه , هكذا بالضبط , نرى أحلامنا ونحن يقظين .
وان كنا قد تآلفنا مع حالتنا هذه – وهل لنا سوى أن نُكيف أنفسنا مع أي حالة تُفرض علينا – وإن كان سعة العيش تجعل كل أيامنا أعيادا , فان ضيق (تضييق) العيش و الظروف الاقتصادية القاسية , التي فرضت علينا هذه الحالة , قد ألزمتنا أن ننبذ العيد أيضا , بل , والنظر إليه , على انه احد المنغصات التي تُفرض على حياتنا (وهل نحيى كباقي البشر). وبأنه اتجه بوظيفته الاجتماعية من تأليف القلوب إلى تأليبها على بعضها , وكضيف ثقيل يفرض مزاجيته علينا , غير آبه بحالنا وغدنا المُقلق , و مُتجاهلاً عدم استبشارنا به , بل , امتعاضنا بقدومه , وتشبيهه بأي شخص غير مرغوب به ( يقول ما لا يفعل ) يشتاق بين حين وآخر إلى (الشتائم العامودية المبتكرة)

Ghassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

بسم الله الرحمن الرحيم

“يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”
صدق الله العظيم

ببالغ الحزن والأسى، تلقى موقع ولاتي مه نبأ وفاة السيدة ستية إبراهيم أحمد دوركي، حرم المرحوم صالح شرف عثمان، ووالدة الكاتب الكوردي المعروف فرمان بونجق هفيركي…

إبراهيم اليوسف

لقد غدا اليوم الذي ظننته يوماً للذكرى، لا للرحيل، يوماً غيّر مسار الذاكرة كلّها. جدد فيه الألم، ومنحني ألماً من نوع آخر، بسبب عدوى ألم المحيط الذي يشكل أديماً روحياً. استيقظت وأنا أتهيأ للحديث مع إخوتي وأخواتي في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل أبي- كما أفعل ذلك منذ أكثر من عقدين- فإذا بأخي أحمد يهتف…

مروان شيخي

المقدّمةُ:

في المشهدِ الشِّعريِّ الكُرديِّ المعاصرِ، يبرزُ الشاعرُ فرهادُ دِريعي بوصفِه صوتاً خاصّاً يتكلّمُ من عمقِ التجربةِ الإنسانيّةِ، لا بوصفِه شاهداً على الألمِ فحسبُ، بل فاعلاً في تحويلِه إلى جمالٍ لغويٍّ يتجاوزُ حدودَ المكانِ والهويّةِ.

ديوانُه «مؤامرةُ الحِبْرِ» ليسَ مجرّدَ مجموعةِ نصوصٍ، بل هو مساحةٌ روحيّةٌ وفكريّةٌ تشتبكُ…

غريب ملا زلال

سرمد يوسف قادر، أو سرمد الرسام كما هو معروف، عاش وترعرع في بيت فني، في دهوك، في كردستان العراق، فهو إبن الفنان الدهوكي المعروف يوسف زنكنة، فكان لا بد أن تكون حياته ممتلئة وزاخرة بتجربة والده، وأن يكتسب منها بعضاً من أهم الدروس التي أضاءت طريقه نحو الحياة التي يقتنص منها بعضاً من…