الملك الكوردي ينهض من قبره و يصرخ بصمت «أنا ملك الكورد»

محمد مندلاوي

كوردستان موطن الكورد الذي يمتد تأريخياً من البحر إلى البحر. هذا الوطن الجريح، هو اليوم محتل من قبل عدة دول التي تتبع ضد شعبه أبشع وسائل القهر و التنكيل و مسخ الهوية الوطنية الكوردستانية. هذه الأرض المعطاء هي موطن الإنسان القديم الذي عرفت أدواره المختلفة بمسميات شتى ك”النياندرتال” و “العصر الحجري بمراحله المتعددة” و “العصر البرونزي” الخ…. إنه مهد البشرية الثانية بعد الطوفان، حيث رست سفينة النبي نوح على إحدى قمم سلسلة جبال آرارات (گوتي – جودي). لقد أشار إليها القرآن في سورة (هود) آية (44) (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
 يقول المفسرون “كالطبري” و “ابن الكثير” و جلالين” و “القرطبي”، في تفسيراتهم لهذه الآية: إن السفينة “اسْتَوَتْ” أي وَقَفَتْ السَّفِينَة عَلَى “الْجُودِيّ” “جَبَل بِالْجَزِيرَةِ” بِالقُرْب من مدينة “زاخو”، في جنوب كوردستان بينما امتداد جبل”جودي”  اليوم  وبعد التقسيم الاستعماري أصبح في إقليم شمال كوردستان المحتل من قبل جمهورية (تركيا)، جاء في القرآن في سورة المؤمنون آية (29) (وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين)، يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية: أي أنزلني مكاناً مباركاً. مع بدء الدورة الثانية للحياة، التي أشرنا إليها أصبحت كردستان موطناً و منطلقاً للإنسان إلى شتى أصقاع المعمورة، حيث ترك الإنسان الكوردي بصماته على هذه الأرض منذ تلك الحقبة التأريخية الغابرة.

نظراً لذلك التأريخ السحيق، نرى اليوم أن المنقبين عن الآثار في عموم كوردستان و الذين ترسلهم الحكومات التي تحتل كوردستان، يكتشفون الكثير من هذه الآثار الثمينة، التي تمثل جانباً مهماً من تأريخ الأمة الكردية، لكن تلك الحكومات تخفيها عن الأنظار، وعن منظمة “اليونسكو التابعة للأمم المتحدة” المختصة بحماية الآثار و صيانتها. هدف هذه الدول معروفة و هو عدم السماح لظهور الجوانب التأريخية المشرقة للأمة الكردية خلال هذه المكتشفات، لذلك يحاولون طمر و إخفاء أي شيء يخص تأريخ و حضارة الكورد. إذا سُمح للأكاديميين المختصين بدراسة هذه الآثار، التي تمثل حقباً تأريخية و مراحل مختلفة لتطور الإنسان، فأنه سيتم اكتشاف الكثير من الحلقات التأريخية المفقودة و الجوانب المبهمة منها، و بذلك يستطيع الإنسان التعرف على جانب مهم من تأريخه السحيق الذي كان غير مطلع عليه خلال الحقب الزمنية التي مرت و الوصول إلى مكنوناته و الذي بدوره سوف يخدم البشرية جمعاء، لأن اكتشاف هذه الحقب التأريخية ذو قيمة علمية لا تقدر بثمن. نقوله بكل صدق بأن أرض كوردستان تضم في ثراها أثمن و أقدم تراث بشري  لولا السياسة العنصرية التي تمارسها الدول المحتلة ضد كل شيء يحمل اسم كورد و كوردستان و منها الآثار التي تكتشف في هذه البلاد، لكان اليوم واضحاً وضوح الشمس مَن هم الذين وطدت أقدامهم هذه الأرض قبل الآخرين بآلاف السنين. نقول للعالم أجمع و لكل ذي ضمير بأن المكتشفات الأثرية في كوردستان و التي ترونها من خلال وسائل الإعلام ما هي إلا أقل من عشرة بالمائة من مجموع الآثار التي تم اكتشافها لحد الآن و التسعين بالمائة الباقية أما تم تشويهها، أي تغيير اسمها و إعطائها هوية  شعوب أخرى لا صلة لها لا بالمنطقة ولا بتلك الآثار لا من بعيد و لا من قريب، أو يتم تدمير و تحطيمها لكي تنتهي هويتها الكوردية و إلى الأبد أو تباع في الأسواق الخاصة بالآثار المهربة و تقع تحت أيدي المهربين، بعيداً عن أيدي أصحاب الاختصاص، علماء الآثار. إذا يتم إجراء التنقيب في أرض و جبال كوردستان عن الآثار بطريقة صحيحة و بأسلوب علمي رصين، بعيداً عن قرارات سياسية مسبقة بإنكار شعب كوردستان و تأريخه، فأنه سيتم العثور على المكتشفات الأثرية فيها و تعرّف الإنسان عليها و فهمها و إدراكها، حتى في عصر الثورة المعلوماتية و التكنولوجية، نحن متأكدون لو بدأ التنقيب بأسلوب مهني فأنه ستنكشف الجوانب المظلمة من التأريخ البشري الذي تعوّد الإنسان أن ينظر إليها على مدى القرون كأنها طلاسم ليس لها حلول. لو تم إفساح المجال للآثاريين التنقيب في كوردستان بمهنية، بعيدة عن سياسة الاحتلال و الإلغاء، نحن على يقين بأنه سوف تصبح عموم أرض كوردستان عبارة عن متحف كبير يضم تأريخ حضارة الإنسان و مراحل تطوره التي مر بها على مدى العصور الغابرة. لكن نرجع ونقول لعن الله الاحتلال الذي جثم على صدر الأمة الكردية على مدى عقود من الزمن الذي بدأ بأنفال تأريخها وآثارها على أيدي (ميس بيل) و (ساطع ألحصري) و آخرين من خريجي المدارس الطورانية في اسطنبول، وقناصل الدول الغربية التي على أيديهم بدأ نهب و تشويه كل شيء يتعلق بتراث و تأريخ الأمة الكوردية. ثم بعد أن أوكل الاستعمار هذه المهمة للدول التي استحدثوها بعد الحرب العالمية الأولى، التي أُنشأت بعصا الساحر الاستعماري، لم تكتفِ  هذه الدول بتدمير تأريخ هذا الشعب، بل قاموا بأبشع الجرائم ضد أبنائه أمام أنظار العالم دون وازع من ضمير. هذه الأعمال المنافية للأخلاق و للقانون الدولي دفعت أمير الشعراء، محمد مهدي الجواهري ليصرخ بوجه الطغاة و يصف تلك الفواجع و الدمار التي ألحقت بالشعب الكوردي وصفاً دقيقاً في إحدى قصائده الرائعة في بداية الستينيات من القرن العشرين في قصيدة عنوانها “كوردستان يا موطن الأبطال” تضم القصيدة مائة و ثلاثة وستون بيت شعر. إن هذا العبقري المتمكن من لغة الضاد ذكر في قصيدته المذكورة بيت شعر يحتاج إلى مجلدات عديدة لشرح مضامين ذلك البيت الشعري عن التضحيات الجسام التي قدمه الشعب الكوردي في مسيرته التحررية، حيث يقول أبو فرات في هذا البيت (سلم على جبل الأشم وعنده … من أبجديات الضحايا معجم). الجواهري في هذه الكلمات الشعرية ينحني احتراماً و إجلالاً  أمام هذا الشعب ليس بجسده بل بالكلمات التي صاغها ببراعة للتعبير عن تضحيات الكورد والواقع المرير الذي يعيشه على أيدي محتليه. يقول لنا أبو فرات في هذا البيت الشعري الذي يحمل من المعاني ما يحملها ديوان شعر بأكمله. إن الكورد لم يبخلوا يوماً ما في التضحية من أجل تحرير وطنهم، كوردستان من قيود الاحتلال البغيض، حيث قدموا على مذبح الحرية بالأب و الأم و الطفل و الحيوان و النبات و الحجر و الماء و الآثار و التأريخ و التراث. نعلم جيداً أن المعجم الذي أشار إليه أبو فرات يضم بين دفتيه كل شيء من الألف إلى الياء و هنا تكمن عبقرية الجواهري التي لا تصدر مثل هذه الكلمات إلا من نابغة كالجواهري. فكرت كثيراً لأجد شيئاً يجسد المآسي التي حلت بالكورد في تأريخ مسيرتهم النضالية، فأنني لم أجد غير هذا البيت الشعري للجواهري الكبير الذي يحوي جميع تضحيات الكورد من ألفها إلى يائها. الجواهري بشعره هذا دوّن التأريخ الكوردي بهذا البيت الشعري البليغ، كما يمليه عليه ضميره دون أن يميل يميناً أو يساراً. أبو فرات كان آخر عمالقة الشعر الكلاسيكي و لم يتكرر. 
لقد أشرنا في سياق المقال بأن كوردستان كانت مهد البشرية الثانية، و قد تكون موطن الإنسان الأول أيضاً. لو يتعمق الإنسان في جغرافية و تضاريس هذه البلاد و تأريخها و الأحداث التي مرت بها عبر الدهور، ليتضح له بأن كهوف كوردستان و بواطن أرضها لم تجرِ عليها مسوحات و دراسات من قبل علماء الآثار بأسلوب علمي رصين، هناك كهوف لم تصلها إلى يومنا هذا أيدي المختصين قط وأهل تلك المناطق لا يريدون عرضها على البعثات الأثرية لشدة خوفهم عليها بعد أن شاهدوا بأم أعينهم كيف يتم نهب و تدمير الجزء الأكبر من تأريخهم أمام أنظارهم. لذلك من المرجح أن تكون كوردستان موطن الإنسان الأول. بالأمس القريب كان الثابت لدى علماء الآثار أن أفريقيا كانت موطن الإنسان الأول، لكن هذه النظرية قد أثبتت عدم صحتها بعد التطور العلمي و ظهور فحص ال (D.N) حيث عثر العلماء على بقايا عظام للإنسان في اليمن الذي يؤكد عكس النظرية السابقة التي كانت تقول بأن أفريقيا هي المنشأ الأول للإنسان، بعض العلماء يقولون أن قارة آسيا هي الموطن الأول للإنسان دون أن يحددوا هذا الموقع في هذه القارة. إن العلماء يعملون وفق ما تقع تحت أيديهم من الآثار و المكتشفات، فكوردستان إلى الآن، رغم بعض التنقيب الذي جرى في العهود السابقة لا زالت تعتبر أرض بكر للبحث عن بقايا الإنسان الأول أو التنقيب عن الكنوز الأثرية، لذا قلنا ونقول بأن قمم جبال كوردستان من المرجح أن تكون هي موطن الإنسان الأول.
  ليست هناك دولة تملك على أرضها وفي جبالها كهوف و مغارات تصل أعدادها إلى تلك التي تتواجد في كوردستان. هناك الآلاف من هذه الكهوف التي كانت مأوى للإنسان القديم قبل أن يعرف البيت و القرية و المدينة. في السنين الأخيرة قام علماء الآثار بالتنقيب عن الآثار و دراسة بعض الكهوف، على سبيل المثال  كهف “شانيدر” (الواقع في جبل برادوست- منطقة بارزان) في جنوب كوردستان، حيث عثرت على بقايا من الآثار البشرية المرتبطة بفترة تواجد الإنسان القديم (النيادرتال). وكذلك عثرت على مخلفات الإنسان في الكهوف التي اكتشفت في محافظة السليمانية، ككهف “هزار ميرد و ” سحرا” و “كجكار” و “سيدر” و “بير بابكر” و “كونه شمشم” و “كونه بافي” و “ترشاوكه ” و “كونه كمتيار” و كهف “جوارستين” و أيضاً في كهف “بهير”  في محافظة دهوك. من الكهوف القديمة جداً هو كهف “معبد لالش” المقدس للإيزديين، أصحاب  الدين التوحيدي دين الأمة الكردية قبل ظهور العديد من الأديان الأخرى على وجه الأرض.
 ما دمنا نذكر بعض الكهوف في كوردستان لابد و أن نعرج قليلاً على كهوف و مغارات شرق كوردستان و في بعض محافظاتها على سبيل المثال في “إيلام” توجد الكثير من هذه الكهوف التي لجأ إليها الإنسان كمأوى يلجأ إليه في الليل، يقيه من الصقيع و برودة الشتاء و حرارة الصيف و أيضاً تحميه من الحيوانات المفترسة و ثورات الطبيعة التي كانت في تلك العصور الغابرة خارجة عن سيطرة و إرادة الإنسان. في هذه المحافظة الصغيرة التي تعد واحدة من أصغر محافظات كوردستان توجد فيها “ثلاثين”  كهفاً من هذه الكهوف التأريخية التي يمتد تأريخها إلى عصور سحيقة. من هذه الكهوف، كهف “چلستون” فی منطقة “شيروان” التابعة ل “إيلام” و كهف “كولكني” في قضاء “دره شهر” التابعة ل”إيلام” و كهف “عبدآلآن” و كهف “كله جو” في ناحية “أيوان” و كهف “دره مين” الخ.  محافظة “كرمنشاه” التي هي أكبر محافظة في عموم كوردستان و أنها كباقي المحافظات الأخرى في هذه البلاد توجد على أراضيها العديد من الكهوف و المغارات، منها كهف “كنشت” الذي يقع في شرقها و كذلك كهف “پراو” الواقع في نفس الاتجاه للمدينة و الذي يقع بين موقعين أثريين في غاية الأهمية من حيث القيمة التأريخية لهما، الأول هو آثار “تاق وسان”  التي من جملة ما تضم تماثيل للملك الساساني “خسرو پرويز”، الذي نُحتت له عدة تماثيل مختلفة في هذا الموقع، على سبيل المثال في إحداها وهو يؤدي مراسم  ملكية و في الأخرى وهو يقوم بصيد للخنزير البري و في تمثال آخر يرتدي الزى الحربي، مقلداً رمحاً و سيفاً و درعاً، وفي أعلى هذه التماثيل في الواجهة الأمامية ل”تاق وسان”، هناك تمثالان كبيران منقوشان لملاكين باسطين جناحيهما، كل منهما بحجم الإنسان. تأريخ هذه التماثيل يعود إلى بداية القرن الثاني للميلاد. الموقع الثاني يقع في”بيستين”، حيث فيه بعض التماثيل للملك الهخامنشي “داريوش الأول” و يقف أمامه بعض الثائرين عليه الذين تم أسرهم، و يوجد أيضاً على بعد أمتار من هذه التماثيل نصب كبير ل”هرقل” عظيم الروم وهو متكئ على أحد جانبيه وهو يحمل بيديه كأساً يحتسي منه النبيذ و على مقربة منه توجد صخرة عليها كتابة باللغة “اليونانية”، وأيضاً توجد في هذا الموقع الجدارية الصخرية الشهيرة و المعروفة ب”جدارية بيستين” المدونة بثلاث لغات “الايلامية” و “اليونانية” و “الهخامنشية”. تطرقت  بالإيجاز إلى هذين الموقعين الأثريين في شرق كوردستان ليطلع القراء الكورد الذين لا يستطيعون مشاهدة تلك الآثار التي تعكس جزء من تاريخهم التليد بسبب الحدود المصطنعة. بما أننا مازلنا في محافظة “كرمنشاه” سنذكر ما تيسر لنا من أسماء الكهوف التي تقبع في جبالها، منها كهف “داوود” و “شهربانو” و “عسل و مردوزان” و “انار” و “كليسا” و” مرشكار” و “ميراري” و ” نوروزخان” و “آوهزار” و ” كبوتر”. أعتقد أنه ليس من الضير أن نذكر بعض كهوف المحافظة الكوردستانية العريقة، “أورومية” التي تتعرض للتتريك منذ عقود من الزمن بتشجيع من أصحاب النفوذ و القرار في إيران. بعض كهوفها هي: “فرهاد” و “تخت قارا”و ” كهريز”و “دانيال” و “راكاد” و “ميرداوود”. سوف نتحدث عن محافظة “سنندج” و التي تسمى رسمياً في “إيران” بإسم محافظة كوردستان، عاصمة الإقليم الكوردستاني الذي يضم محافظات (أورومية) و (سنندج) و (كرمنشاه) و( إيلام) و محافظات أخرى.  كهوف  محافظة “سنندج” و ما حولها من مناطق كوردستانية أخرى مثل مدينة”جوانرود” التي تتبع محافظة “كرمنشاه” إدارياً، إلا أن سكانها يرتبطون في علاقاتهم العشائرية و المصاهرة مع أهل “سنندج”، ففيها كهف “قورى قلا” الذي هو في غاية الأهمية التأريخية. يبلغ طول الكهف (13) كيلومتراً  و الأعمدة التي توجد فيه يصل طول مجموعها إلى (3140) متراً. بسبب خاصيته، تم تصنيف هذا الكهف كأحد أجمل كهوف آسيا. يقع كهف “كرفتو” في جبال “ديواندره” التابعة لمحافظة “سنندج”. من المستشرقين و الباحثين الذين زاروا هذا الكهف نذكر منهم : “دمرگان” و “راولينسون” و “كرپورتر” و “خانكيف” و “فونگال”، على أثر وجود بعض الكتابات “اليونانية” على جدرانه، أطلق عليه أيضاً اسم كهف “هرقل”. توجد على جدران الكهف رسوم  للإنسان و الحيوان و النبات، هذه الرسوم لها إيحاءات دينية لمعتقدات تلك العصور، يوجد كهف آخر يسمى “كله كان”. ذكر الباحثون أنه أقدم كهف في المنطقة و تؤكد بعض الأبحاث التي جرت فيه بأنه  كان موضع سكن و استقرار الإنسان في العصور الغابرة.
 ذكرت جزء بسيطاً من كهوف كوردستان لأجعل الصورة واضحة إلى حد ما للقارئ بأن جبال كوردستان كانت تنبض بحركة  الإنسان بين وديانها و كهوفها هذه الوديان و الجبال زرعت و حملت للبشرية أولى حبات القمح  التي زرعها يد الإنسان الكوردي وتلك اليد أيضاً  دجنت أولى الحيوانات و الطيور المعروفة اليوم بالحيوانات و الطيور الداجنه وفي كهوفها حيكت بأيديهم أول قطعة قماش ليقيهم من برودة الطقس و في جبالها أكتشف لأول مرة النحاس و لا تزال تستخرج في جبال شمال كوردستان بينما كانت الأراضي المنخفضة في العصور الغابرة مغطاة بالمياه غير صالحة للسكن و لا توجد عليها حياة. لا أريد في هذه المقالة أسرد جميع القلاع والكهوف و مواقد النار الزرادشتية و التلال الأثرية  في كوردستان عمل كهذا يحتاج إلى مجلدات و تدوين مئات الآلاف ربما الملايين من قطع الأثرية و التحف و الأماكن التاريخية و مروري عليها بهذه العجالة هي لإعطاء خلفية تاريخية لمن لا يملك معلومات وافية عن الجانب التاريخي لكوردستان.
 الموضوع  الذي سوف نأتي إليه وهو القبور الخمسة التي اكتشفت قبل أيام  قرب تل “زاگروس” التأريخي في مدينة “سنندج”، في شرق كوردستان (كوردستان إيران). من ضمن هذه القبور المكتشفة حديثاً هو قبر أحد ملوك الكورد. هذا الاكتشاف الهام لم يحصل نتيجة التنقيب كالتي تقوم بها البعثات الأثرية في سائر أرجاء دول العالم، بل أنه حصل عن طريق الصدفة عندما حفر العمال الأرض لشق الطريق بين “سنندج”، مركز المحافظة و ناحية “حسن آباد” التابعة لها.  أود هنا أن أشكر أهل مدينة “سنندج” الأصلاء على هذا العمل الرائع الذي قاموا به ألا وهو تسجيلهم  للقبور المكتشفة بكاميرات الفيديو و بثها في التلفزيون المحلي. لولا هؤلاء الغيارى لإلتحق هذا الاكتشاف التأريخي كسابقاته من الاكتشافات للكنوز الأثرية الفريدة التي نسمع عنها و لم نشاهدها و لم نعلم أين ينتهي بها المطاف. بفضل هؤلاء الكورد المخلصين، شاهدنا هذا الاكتشاف التأريخي الهام الذي يسد ثغرة في جدار التاريخ الكوردي. كان تلفزيون”نوروز”  الذي يبث برامجه من أوروبا السباق في هذا المضمار، حيث قام بعرض (الفلم) المسجل لهذا الاكتشاف لمشاهديه بكامل تفاصيله. الموقع الإلكتروني، “لورستان الغربية” قام بوضع الفلم على الموقع. لمشاهدة الفلم راجع الرابط أدناه      (http://www.westluristan.com/news/943.html).
 تم العثور على هذا المومياء الكوردي في العشرين من نوفمبر 2008، مضى أكثر من أسبوعين على هذا الاكتشاف الفريد، إلا أننا لم نسمع ولم نشاهد الإعلام العربي أو العالمي  يشير إليه، رغم أن البشرية لم تعثر من قبل على “مومياء” بكامل هيئته كهذا المومياء المكتشف في كوردستان. شاهدنا في السابق بعض المومياوات التي تم اكتشافها في مصر أو دول أخرى و التي هي عبارة عن جلد وعظم ملفوف بالقماش، بينما “المومياء” الذي أكتشف في كوردستان لم يكن ملفوفاً بالقماش و جسده بكامل هيئته غير مخدوش وعينيه سالمتين و كذلك شعر رأسه و لحيته و شاربه، كأنه نائم قبل عدة ساعات و ليس قبل “ثلاث آلاف” سنة. يتضح للكوردستانيين يوماً بعد آخر بأن هناك من لا يريد عرض ملك كوردي في قناته التلفزيونية لمشاهديه حتى لو كان هذا الملك قد مات قبل آلاف السنين لأنه عرض مثل هذه الاكتشافات لا تتماشى مع سياساتهم التي تتنكر للكورد و لتأريخهم وحضارتهم. منعت الحكومة الإيرانية نقل هذا الكشف التاريخي الكوردي إلى الصحافة و الإعلام و قد تسرب الخبر إلى بعض المواقع الإعلامية في الأنترنيت من بعض العمال الكورد في ذلك الحقل الأثري. حكومة إقليم كوردستان مطالبة بتحمل مسئولتها القومية بمطالبة الجهات المسئولة في الحكومة الإيرانية لمعرفة تفاصيل ما جرى للمومياء الكوردي و تزويدها بحيثيات و نتائج الدراسات التي توصلت إليها تلك الجهات. هذا ليس تدخلاً في شؤون إيران بل هي حق من حقوق الأمة الكوردية للمطالبة بإرثها التأريخي، أي أمة من الأمم في العالم له الحق أن تطالب بتراثها و تأريخها الذي يُعثر عليه خارج حدودها الدولية أو الإقليمية. من واجب حكومة الإقليم متابعة هذا الموضوع عن طريق علاقاتها مع المنظمات الدولية ذات الشأن أو عن طريق الحكومة الاتحادية في بغداد و دعوة منظمة اليونسكو للحصول على المعلومات الكاملة عن هذا الملك الكوردي و الإسهام مع الجهات الإيرانية في إجراء الدراسات عليه و الحصول على النتائج التي يتوصلون لها ليتسنى لها نشرها في المجلات العلمية المختصة لإطلاع العالم على هوية و أصل هذا الملك الكوردي. من واجب السيد رئيس جمهورية العراق الفيدرالي، مام جلال متابعة هذا الموضوع عبر القنوات الدبلوماسية لمعرفة مصير هذا الاكتشاف الهام الذي يعود للأمة الكردية. من حق كل كوردي في كوردستان و العالم أن يطالب بهذا الإرث التأريخي الذي هو مُلك لجميع أفراد هذه الأمة، هناك على سبيل المثال دول تطالب دول أخرى بأرشيف مطربيها بعد أن تتحقق أن ذلك المطرب كان ينتمي إلى أرومة شعبها و لا يحمل جنسيتها. أنكر المسئولون عن الآثار في إيران في وسائل الإعلام وجود هكذا “مومياء” كالذي شاهدناه في التلفاز و على مواقع الأنترنيت. هذه ليست أول مرة ولا آخر مرة يتم نهب التراث الكوردي دون أن يحرك أحد ساكناً.
 بعد أن تطرقنا عن وضع “المومياء” وهيئته سوف نتحدث عن بعض الأدوات و التحف، التي وجدت داخل القبر بجوار الملك. أود أن أشير هنا إلى ما تيسر لي مشاهدتها بوضوح خلال الفلم الذي يستغرق طوله دقيقة واحدة، حيث لاحظت خلاله صليب منقوش بالأحجار الكريمة في الجانب الأيمن بموازاة رأس الملك. على الجانب الأيسر من رأس الملك، يوجد أيضاً نقش لصليب آخر بالأحجار الكريمة. هذا أن دل على شيء، إنما يدل على أن الصليب، كما قال المؤرخون هو “آري” كالصليب الميترائي” الذي كان موجوداً قبل “المسيح” بعشرات القرون و آثاره باقي إلى اليوم في إيران و كوردستان. (سوف أضع في أسفل المقال صور لقبور ملوك “إيران” ماتوا قبل المسيح “بخمسة قرون” و دفنوا في جوف الجبل و قبورهم على صورة صليب). كذلك الهندوس هم فرع من الشعوب “الآرية” يرفعون الصليب إلى يومنا هذا في مناسباتهم الدينية و كتب التاريخ تثبت أن الدين الهندوسي موجود منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة و في عقيدتهم أن الإله (كرشنا)  المتجسد تم صلبه. المسيح نفسه صلبه الرومان على “الصليب الميترائي” الذي كان الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية آنذاك، كتب التاريخ تذكر أيضاً أن الصلب كان موجوداً قبل “الرومان” أنفسهم. انتشر الدين “الميترائي”  بين الشعوب الآرية الأخرى عبر الشعب الكوردي و الفارسي. إن “ميترا” نفسه صلب في النهاية على شجرة، من الواضح أن الصلب كان شائعاً و يمارس عند الأمة “الآرية” قبل “المسيح” بزمن طويل. الدين “الإيزدي” الذي نراه اليوم  في كوردستان هو امتداد للديانة “الميترائية”. في مقال سابق أشرت إلى “الصليب الميترائي” المنقوش على جدار معبد “أناهيتا” في “كنگاور” في محافظة “كرمنشاه” و أيضاً  الصليب المنقوش على إحدى الصخور في القصر الملك الساساني في شيراز. يوجد الصليب بشكله المعقوف، الذي يرمز إلى الجهات الأربع، الشرق و الغرب و الشمال و الجنوب،  منقوش على إحدى الصخور في “معبد لالش”. هذا الاكتشاف التأريخي لقبر الملك الكوردي يثبت بما لا يقبل الشك بأن الصليب الكوردي الميترائي الآري هو أقدم من “الصليب المسيحي” بعشرات القرون، كما أسلفنا فأن صليب الدين المسيحي هو في الأصل صليب روماني. الشيء الآخر الذي ظهر في القبر و الذي لا يقل أهمية عن “الصليب” إذا لم يتفوقه في الأهمية، هو وجود “نجمة خماسية” على صدر الملك المومياء، وما تحملها النجمة من دلالات في العصر الراهن. إن النجمة الخماسية المنقوشة على السمكة الذهبية الموجودة على صدر الملك تكمن أهميتها من حيث أنها تثبت أن النجمة الكوردية هي أقدم من جميع النجوم التي نراها في كثير من أعلام دول العالم و المنظمات كرمز للرقي و التقدم و الأهم من هذا أنها أقدم حتى من “نجمة داوود السداسية”. تنقل لنا كتب التاريخ أن ولادة داوود كانت (900) سنة قبل الميلاد، بينما قبر الملك الكوردي المكتشف عمره يعود إلى أكثر من (1000) سنة قبل الميلاد. إن هذه “النجمة الخماسية” منقوشة أيضاً على واجهة مدخل “معبد لالش” المقدس في داخل عجلة التي ترمز إلى “الشمس الميترائي”،  توجد داخل قبر الملك قطع ذهبية إحداها على هيئة سمكة و عليها كتابات بالخط المسماري، تحتاج هذه السمكة إلى وقفة و تمعن لفك لغزها لمعرفة سبب وجودها في هذا القبر و إلى ماذا ترمز، قطعة ذهبية أخرى هي على هيئة نسر و قد تكون طاووس، هذا الطائر له مدلولات ومغزى تحتاج أيضاً إلى تحليل و دراسة لفهم رمزيته. هنا يطرح سؤال نفسه، ألم  يتم في القرن التاسع عشر الميلادي فك رموز جانب كبير من الخط المسماري  وبعدها تمكن العلماء من فك رموز و قراءة عدد من ألواح الطين السومرية التي دونت بالخط المسماري إذاً من الممكن ترجمة  هذه الكتابات المكتشفة في القبر المشار إليه في أسرع وقت، إلى لغة  أو لغات حية حتى يظهر للعالم ما هي هذه الكتابات و ما ذا تقول؟!. 
خلاصة الحديث أود القول بأن كل مواطن كوردستاني معني بهذا الأثر التاريخي الذي أكتشف حديثا،ً بجسد الملك و محتوياته من الذهب و الماس و الأحجار النفيسة و التاج الذي فوق رأسه و رمحه الذهبي التي جميعها ملك للأمة الكوردية. نحن هنا لا نتحدث عن قيمة الذهب و الألماس المادية، بل نتحدث عن قيمتها التاريخية  للأمة الكوردية. إنها أكثر بكثير من قيمتها المادية، لذا نطالب بتشكيل لجنة من  المجمع العلمي الكوردي و مديرية الآثار في كوردستان لدراسة هذا الموضوع مع الجهات الكوردية ذات الشأن. جميع الدلائل و القرائن التاريخية تؤكد أن هذا الملك الكوردي المكتشف ليس ببعيد أن يكون أحد ملوك الإمبراطورية “الميدية” التي حكمت قبل الميلاد مناطق شاسعة و مركز إمبراطوريتهم كانت في البداية في هذه المنطقة و المناطق المحيطة بها،  ثم توسعت حتى شملت أراضي شاسعة في الشرق الأوسط. تقع مدينة “سنندج” في وسط كوردستان – أعني هنا كوردستان الكبرى بأقسامها الأربعة-  و التي تحيط مدنها ب”سنندج” من كل الجهات وهي تقع وسط بحر من هذه المدن الكردية.      

 

هذان قبران وهناك قبور أخرى لملوك إيران على صورة صليب وقد ماتوا و دفنوا قبل ولادة المسيح بخمسة قرون


 
 
الصورتين اعلاه , لكهوف و مغارات كوردستان التي كانت مأوى الإنسان الكوردي في العصور الغابر

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…