أحاسيس وخواطر

بقلم: كونى ره ش 
ترجمها عن الكردية: خالص مسور

دعهم
فإنهم يركبون رؤوسهم..!
هم أعشاب لكنهم متغطرسون، متناسين أن الخريف قادم يلوح بعصاه.. الخريف الذي سينهي غطرستهم الزائفة وإلى الأبد…
فالليالي طويلة وتتالى وراء بعضها ليلة بعد ليلة. بينما أنت كماالجرن الحجري تزداد قوة كلما تتالت عليك ضربات الميجنة الخشبية…
لابأس!

فالعشب هو موطيء مداسات الأقدام والأيام…فلا تتعب نفسك بوضع الخطط والمشاريع التي تبغي بها اقتلاعهم من جذورهم..فها هوالخريف قادم، وبإعصارواحد من أعاصيرها الهادرة سيختفون من الوجود، وسينجلي أمكنتهم عن تربة جرداء عارية…
لاتصدق أبداً أن العشب المتغطرس سيصبح يوماً ما غيمة ينثال منها المطر، ومهما طارت ودارت أسراب الحمام فوق بلد ما، فإن مآلها أخيراً هو الهبوط أرضاً، وسوف لن تعلو قاماتهم بأكثر من ركبتي وركبتك… فلن يستطيع هؤلاء إخفاءك ولايمكنهم أن يزيحوا ما حولك من وهج ونور..تقدم إلى الأمام..فلك الصدارة دونهم..فعشب الصيف لايستطيع أن يتعبك، فهم وإن كان لهم بعض الأشواك ألا إنك متعال عليهم فلن يقدروا مغالبتك، لأن العشب مهما طال ومال فلن يصبح شجرة قط..وكما قال الكرد منذ القديم: فاقد الشخصية ليس بشخص، وبردعة الحمار لن يصبح أطلس.
دعهم في غيهم يعمهون، ونحن يمكننا أن ننسى كل هذا..فأبوابنا مشرعة على الدوام للأحلام الجديدة والأصدقاء الجدد.. ولكننا لا ننسى قط هذه الأعشاب الضارة التي تنموعلى عتبات أبوابنا، وبين رياحيننا الجميلة وأزهارنا الفواحة…
تهرب الزهور والورود في العادة من سكاكين القطع والبتر. ولكن إذا كانت السكاكين كسكاكين النمامين والبكوعواوين، فإنها لن تفعل سوى الركض خلفها وملاحقتها..ولهذا فمن الضروة أن نضحك مع هؤلاء، لأنهم لا يملكون القدرة على الإضرار بنا، فأيامهم معدودة ويقرعون طبولاً فارغة…
دعهم..فمن المؤكد أنك تعرفهم جيداً.. أنت تعلم أنهم عاجزون عن خض ماء بطونهم، وهم دائبوا البحث عن الأماكن الدافئة، فأي بيت طنجرته على موقد النارهم يكونون ضيوف ذلك البيت…وفي غالب الأحيان يحيطون رقابهم بخيوط مزركشة، ويكسون قاماتهم بأطقم نفيسة، وأحذيتهم لامعة على الدوام، حيث تنعكس عليها وجوههم وصورهم، ولكنهم وفي كل الأحوال لايساوون ثمن ما يلبسون..
سأذكرك إن كنت لاتعلم، بأنهم كالعشب الذي في فناء الدور، فهم مثله لايمكنهم أن يطالوا قامة شجرة في فناء داري..ومع كل هذا ابتسم في وجوههم وأضحك معهم. إصغ إليهم والق في روعهم أنك تصدقهم..والق إلى مسامعهم أنك رجل محترم ومهم في آن، ولكن لا تقف في وجههم قط…دعهم وما نذروا أنفسهم له، وافسح لهم الأجواء لينغمسوا في الكذب والافتراءات… وهم لن يستطيعوا إيصال رسالتهم أو يسمعوا صوتهم إلا إلى لمن هم من أمثالهم وعلى شاكلتهم..
غداً أو بعد غد سيقول لهم الناس: أيها الانتهازيون، والمراؤون، والمفسدون في الأرض…!. إلزموا أماكنكم وما أنتم عليه…وعندها وبصوت عال وبكل أريحية وطول نفس، إضحك أمامهم.. إضحك حتى الثمالة، إضحك حتى تمل من الضحك.. ثم أدر لهم الظهرواتركهم في غيهم يعمهون وفي ندمهم وما يسطرون ويعبثون…
أعتقد إنك لن تصرف دقيقة من عمرك في علاقتك مع هؤلاء الإنتهازيين والنمامين. وإن الوقت الذي يهدر معهم بدون طائل لهو أثمن من ذهب. فلا تهدر ذلك الوقت الثمين في حضرة تلك الذئاب الشرهة…سر نحو الأمام ولا تلفتت يميناً أو شمالاً..فالحياة لاتعرف التوقف، والاشجار تبقى منتصبة على جذوعها، وتموت وهي منتصبة..
دعهم..فها أن الخريف يهجم مسرع الخطى، يعري الاشجار من حلتها ويكشف لنا عن حقيقتها.. ويمكن غداً أو بعد غد أن تمطر السماء، وسينكشف أسرار كل الحكايات التي تختلط مع خرير مياه الأنهار المتجهة إلى البحار. عندها ستندهش من الأعشاب المفروشة على أرضية فناء دارك كيف تختلط مع التراب وتتكوم في الأسفل تحت أقدامك…
دعهم..فإن الحقيقة لن يطول نومها في الزوايا المعتمة. وأن السيل الهادر المنحدر من الجبل كفيل بأن يوقظ النوم من رقدته سريعاً.. ومن الضرورة أن يكون في ذهنك وتدرك بأن الذهب والفضة لايمكنهما أن يضفيا جمالاً على  خصور النساء الفاسدات..لا تقضي أوقاتك مع النمامين والبكوعواوين، استدبر لهم وتعال لنخلق معاً إعصاراً هادراً…
لا يا صديقي.. لا.. فالينابيع لاتنبجس تحت الضغط، ولا تحلق طيور البازي في السماء مكرهة، ولكن ربما أنها تحلق بسبب غضب صامت، أو أنها إحدى إيجابيات الطبيعة الساحرة..وربما أنها اعتقاد بمرارة قول الحق، إن ارتقاء سفوح الجبال العالية لهي صعبة وقاسية…

ولكن ليكن في ذهنك، إن الشمس لا تستر من هو مختف تحت ثوبها، وأنت أيضاً لاتلق  للخنازير اليواقيت والمجوهرات…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

محلل
يقال احيانا ان هناك “رجالا لم ينصفهم التاريخ”، وكان التاريخ كائن جائر، يوزع المجد والانصاف على من يشاء ويحجبه عمن يشاء. غير ان التامل العميق في معنى التاريخ ووظيفته يبين ان هذه العبارة، على شيوعها، ليست دقيقة؛ فالتاريخ، في جوهره، لا يظلم احدا، بل يمارس عملية فرز طويلة المدى لا تخطئ في نتيجتها النهائية، حتى…

د آلان كيكاني

منذ اشتعال فتيل الجنون في سوريا يسهل عليك تمييز السوري من بين الناس أينما كنت، وأينما كان هذا السوري…

ولو كنت دقيقَ ملاحظةٍ لعرفته من على بعد مئات الأمتار.

لا لرائحة خاصة تميزه كما عند بعض الكائنات.

وليس لسحنة مميزة تخصه كما عند بعض الشعوب.

وإنما لأسباب أخرى …

مثل إطراقة الرأس.

والكآبة البادية على محياه.

وربما لاحمرار عينيه وذبولهما.

ها…

صدر حديثاً عن منشورات رامينا في لندن كتاب “سيرة النصّ المفتوح – رحلة واسيني من تلمسان إلى السوربون” للباحثة والكاتبة السورية أماني محمّد ناصر. وهو يمثل دراسة نقدية معمّقة تتناول المسار الإبداعي والفكري للروائي الجزائري واسيني الأعرج، أحد أبرز الأصوات السردية العربية المعاصرة، من جذوره الريفية الأولى في تلمسان إلى موقعه الأكاديمي في جامعة السوربون…

تقرير صحفي:

استضافت مدرسة تلفيت الثانوية المختلطة/ مديرية التربية والتعليم في جنوب نابلس الكاتب والمشرف التربوي فراس حج محمد للحديث حول “أدب الأسرى، والكتابة الإبداعية”، ولمناقشة الطلاب حول اشتراكهم في مسابقة كتابة إبداعية، قصة قصيرة أو خاطرة تتناول مشاعر أمّ فلسطينية لها ابن في مقابر الأرقام، واستهدفت المحاضرة مجموعة من الطلاب المشاركين في المسابقة والمتوقع منهم…