على حياتنا بالماء

عبدالرّحمن عفيف

مَن الأكثر اشتياقا
للآخر
أيّها الآخر
يا بحر
سوى الأصفر والأخضر
الذي في بحر صمت
يأخذه الزّائرون مع أنفسهم
أنّى مضى البحر
بين طيّاته الذكريات
والقول وأخوه
والسفينة الراسية
بدل النّورس
من هو المشتاق من بيننا
مَن الأكثر اشتياقا
للآخر
أيّها الآخر

يا بحر.
عن تفاحة وحيدة على الطّاولة
التي أُخذت
وبقيت التفاحة
على طاولة من وهمها
ورجل الطاولة
أبيض في الليل
وفي النّهار أسود
من رأى عصفورا يشرب
في نومه اللون الذي يعجبه
من رأى العصفور الذي لا رأس له
في هذه الأرجاء
حيث لا غجر
لا أرض
لا شجر
لا نوم.

النافذة
تركتك النّافذة
بعبير فصل ربيع
قال فصل الرّبيع:
جسدي جسد الصّيف
والحجر الأبيض الذي على شكل ديك
في الوادي
أو على كرم الجنّ
والشحّاذين.

صف حجر هذا الزّمن
الأخضر
درجات وتصل المدرسة البيضاء
لوّح للأشجار آخر كلمة
من شفتيك الحجريّتين
مرّ
مرّ أيّها الأخضر مثل الشّجرة
وخذ من الدرجات صمتها
أيّها الصّامت.

وتركت القطارات الثّلج
على سككها ونوافذها
ترك الثّلج قطاراته تسافر
سريعة وبطيئة
والأشجار أيّام الميلاد
وقبل ذلك الثلج غطى نيدرزاكسن
إلآّ نافذة كانت خلفك
تبتسم فيها سوزانا
مَن صمتَ خمس سنين كاملة
أمام الصّورة لثلج السكك
وشجر أسود من عبور
الفصول.

مَن رأى قميص أبيض الحبّ
يلوّح  تحت الثّلج
وفي الصّيف ومضى
أو أتى
أكل العشاء وأدارمفتاح الرّاديو
لئلاّ يبقى وحيدا
تحت جفن بيت طينيّ يتهدّم
في القلب وعشبة
على أعلى
البيت
خضراء كالدّم.

من كلّ طرف الملاءة التي
أنا فيها وتؤرجحني الرّيج
والبحر يقول كلمته
الزرافات تقول ركضها المائيّ
الزورق والنّورس
يا صديقي
يا صديقي
هناك مستنقع تغطس
فيه الرّياح وبقربه أشجار
هناك بيت ومقهى
وناس يمكن الحديث إليهم.

ربّما تعطيك الوردة البلاستيكيّة نفسها
في منفاك والوردة البلاستيكيّة
تعطيك العشبة الحقيقيّة والعشبة الحقيقيّة
تعطيك أوراقها الخضراء
والفصول وكلّ شيء
كلّ شيء.

ربّما ينام جسدك
ليلة أخرى تحت هذا الكون الأسود
بنجومه القديمة ويراك جسدك
في مرآة في الصّيف
فترى وترى ما تشاء
وتغضب أنّك ربّما لم تأخذ
منه كلّ ما تريد
وتغضب أنّك هنا وليس
هناك وأنّ الصّيف وأنّ الخريف
سوى ما تجد
سواه.

مرسى
مرسى
قل حرفا أخيرا عن نفسك
لتراك النّافذة الداكنة
والمرآة
مرفأ
مرفأ
قل زورقا على الأقلّ
يأخذك ويأتي
بك في الظّهريّات
على ظهره الأزرق
يأتي بك ويأخذك
دوما بين هذا البحر
وذاك
بين هذه العشبة
وتلك
وقل: أنا بين الزورق
والآخر.

وإن بقيت بدل النّورس
الأبيض صامتا
كشراع ضربته العواصف
مكسّرا كالذبالة
على الشّواطىء
لست أنا
لست أنا
أنا في الموجة على الذبالة الصّافية
لأيّام الآحاد
وفي ضربات نواقيس
كنيسة من الخشب
بين هدوء الماء
وموج يرتطم أسود
في نفسه
كالسنونو.

قل: نفسي
بين خشبة وأختها الخشبة المحطّمة
بين فم على هذه الضفّة يستلقي
لنفسه لقول الشّعر
وأخرى تهمهم بالوداع
وفتات الصّداقة
بين الضفتين قل
اللّون والوداع الذي تحبّ
والصّفير.

قل: مَن يعرف نفسي
فقد عرف الرّمل البعيد
والارجوانة البعيدة
والسرب الأوّل
والأخير بين الفراشات
واللّون الأهمّ
وعرف الرّمل والزّبد
قيمة الحياة
والأشنيات
اللطيفة التي تموج
بين الأكوان السوداء
والخضراء على السواء.

النور الذي قبضت
على بعضه في عيني والبعض
على رأسي هو حياتي
خذي الحياة البسيطة
أيّتها الحياة البسيطة
والتعقيد الذي يبقى
أرميه على هذه الضفّة الغريبة
ربّما تهاجر الضفّة
وربّما يأتي نورسٌ آخر.

ربّما الطّريق
الذي مشيناه إلى أنفسنا
لم يكن قطّ
ولم يكن قطّ أيّ شعاع
ولكنّني أرى من طرف
النافذة التي تركتها
أرى ما أحبّني بعمق
أرى الغابات
وهي تتمايل مثلما تريد
أقلت: لي
أم لا.

أرى ما يذهب
دائما إلى أقصاه المستحقّ
ويترك للنافذة ما يبقى فيها
من أشعّة قديمة كانت
لها ذات يوم
وللنفس رضاها المستحقّ
في يوم ممطر بشمس
في يوم آخر أخذتنا
أقدامنا
إلى الدروب
والصّداقة
والغابات هناك.

هناك
رأتنا الطّاولات وقصائدنا
السابقة وحبّ الشعر
أخذنا الدفء في آخر
الشّتاء
التفّاحة التي عضّت
عليها سوزانا
واللّوحة المائيّة
لحياتنا هنا
في منفى
ذي كنيسة من القرميد
وشارع وميل
لأكل الفلافل والفول
رأتنا محبّة استحقّتنا
بحرصنا على رؤية
كامل صورتها
المائيّة لنا
والزيتيّة الصلبة
التي لم تكن حياتنا
قطّ.

حياتنا التي في هذه الضفّة
كقلم على الرّمل
على الرّمل الأبيض لليل
والنّهار ضفّته بالشّمس
حياتنا الصّافية
أحيانا بحيث نفزع
والوحيدة أحيانا
كضفّة أخرى
لهذا
 البحر أو نهاية ما
لما لا يوجد
حياتنا التي رسمتنا
بالماء
على ضفّتنا الغريبة.

كيل

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصدق عاشور

مصلوبةً بخيوطِ شمسِ محبتك

يا من كشفتِ لي

سرَّ التجلّي

ووشمَ الحنين على جبينِ الانتظار

أنتِ ميناءُ روحي

قولي: متى؟

قولي: لِمَ البُعادُ

في حضرةِ ثالوثِكِ السرّي؟

رياحُكِ تعبرُني

كأنّي فرسُ الطقوس

وفي قلبي

تخفقُ فراشةُ المعنى

قولي لي متى؟

قولي إنكِ

فراشةُ رؤياي

وساعةُ الكشف

أرسِميني في معموديّتكِ

بقداسةِ روحكِ

يا من نفختِ الحياةَ في طينِ جسدي

حنينٌ

كمطرٍ أولِ الخلق

كموجِ الأزمنةِ الأولى

يتدلّى من ظلالِ أناملكِ

 

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…