المقدمة
و (توجد عوامل عدة تشجع على قضايا غسل العار منها طبيعة المجتمع ألذكوري الذي لا يرى في المرأة إلاّ جانب الأنثى، وكذلك دور سياسة الحكومات عن طريق عدم وجود أحكام صارمة ضد منفذ العمل، وأيضا العقلية العشائرية السائدة في مجتمعاتنا. لذلك يجب أن يكون التحرك ضد جرائم الشرف تحركا اجتماعيا من خلال المؤمنين بمبدأ التساوي أمام القانون واحترام حقوق الإنسان من خلال المؤمنين بمبدأ التساوي أمام القانون واحترام حقوق ألإنسان .نحن بحاجة إلى توعية اجتماعية تنص على أن أي سلوك غير سوي هو بحاجة إلى تقويم وليس إلى جريمة)، هذا ما أقرته الحملة العالمية لمناهضة و منع جرائم الشرف.
لقد كشفت وزارة حقوق الإنسان بتاريخ 2/7/2008عن مقتل (2334) امرأة عراقية في جرائم مختلفة وذلك خلال الثلاث سنوات الماضية، وقد تكون الجريمة التي حدثت في الناصرية أغربها حيث حصلت جريمة غسل عار في عيادة طبية نسائية بعد أن قامت الطبيبة النسائية بفحص الضحية وأخبرت الأخ المرافق لها، بأنها حامل، فقام بخنقها في العيادة الطبية ولكن بعد تقرير الطب العدلي تبين إن الضحية كانت تعاني من ورم في الرحم فأحيلت الطبيبة إلى التحقيق، وهذا يبين ردود الأفعال السريعة والعنيفة وغير الحكيمة في معالجة هذه القضايا ودون وجود أية فرصة للتثبيت من الوقائع وليس القتل فقط يكون مصير الضحية ولكن حتى قبرها يكون مجهولا، وأهل القتيلة يرفضون التحدث عنها، والكل يريد أن ينسى القتيلة كأنها لم تكن موجودة، ولا يريدون أن تبقى في الأذهان إلاّ كعبرة لغيرها من النساء، ولكن لغسل العار طرفان، طرف يُقتل ويًعتبر مجرما من الطراز الأول دينيا واجتماعيا، والطرف الآخر الذي يشارك المرأة الزنا لا يتلقى أية عقوبة لا اجتماعيا ولا قانونيا.
ولا يخفى على احد إن (ألام) ينالها القدر الأكبر من ألألم والحزن، وأحيانا يتم اتهامها بالتواطؤ مع ابنتها في مثل هذه المصائب، بينما هي ترى نفسها تذوب وتذوب من الألم ولا تستطيع أن تبوح بما يجيش في داخلها، بل لا تستطيع حتى البكاء بشكل علني على ابنتها..! وقد يسال احدهم: لماذا؟؟ لان ابنتها قتلت غسلا للعار..!! وكأن الفتاة التي قتلت بهذه الطريقة أخطأت والبقية (ذكور وإناث) بدون أخطاء..!
لقد اتصلت مع عدد من الأمهات بعدة طرق ـ سواء بالمراسلة أو بكتابة الأجوبة على ورق وغيرها ـ من اللواتي عشن هذه الأحداث وتجرعن مرارتها، وحاولت التحاور معهن حول هذه القضية، ووافقن مشكورات على إجراء الحوار، وأجابوا على أسئلتي التي قمت بطرحها عليهم، مع اعترافي إن مهمتي كانت صعبة، وإنها لم تكن من باب التشهير أو تهييج جرح قديم، بل إنني سعيت وأسعى من اجل عرض الأحداث كما وصلتني، وبالتالي معرفة آراءهن المختلفة في هذا الموضوع، مع الإشارة إلى إنني حاولت قدر الإمكان مراعاة التقاليد الاجتماعية ومحاولة التكتم على أسماء المشاركات.. وهذا معروف، ولكن كان لابد من التنويه..
ضيفاتي هن ثلاث أمهات، والدة الضحية الأولى والتي سأرمز لها بالحرفين (أ. ب) وكانت ابنتها متزوجة وتبلغ من العمر (32) أثناء وقوع حادثة قتلها قبل 14 عاما نتيجة وشاية من احد الأقرباء بوجود علاقة غير شرعية لها خارج إطار الزوجية، الأم الثانية والتي سأرمز لها بالحرفين (س. ص) هي والدة فتاة (آنسة) كانت تبلغ من العمر 21 عاما أثناء قتلها قبل 16 عام عقب اتهام الضحية بإقامة علاقة غير شرعية مع احدهم، أما ضيفتي الثالثة والتي سأرمز لها بالحرفين (ج. د) فهي والدة الضحية الثالثة والتي كانت متزوجة وتبلغ من العمر 30 عام أثناء حادثة مقتلها والتي وقعت قبل 11 عام نتيجة اتهامها بإقامة علاقة غير شرعية خارج إطار الزوجية.
ـ (س. ص) قالت: العقوبة جاءت بقرار عائلي، ونحن من قررنا ذلك، وكان القرار لترضية المجتمع ولإيجاد مخرج لمشكلة فرضت علينا، ولا اعرف بالضبط هل الحق كان على الضحية لأنها لم تدرك مخاطر سلوكها؟ أم كان لنا تقصير في متابعتها من هذا الجانب؟؟ ولكن النتيجة هي انه تم استغلال ابنتي وبالتالي وصلت إلى ما وصلت إليه.
ـ (ج. د) قالت: عقوبة القتل جاءت لترضية المجتمع بلا شك، فنحن ناس شرقيون لا نستطيع أن نتجاوز تقاليدنا في حال ظهور هكذا قصص إلاّ بعد إيجاد الحل المناسب لها على الطريقة الشرقية، وابنتي أخطأت رغم إنها كانت إنسانة راشدة، وكان يجب أن تكون أكثر وعيا.. ثم هل تتوقعين أن يقبل الأهل بالوضع بعد انكشاف تفاصيل العلاقة الآثمة؟؟ كان يجب أن يوضع حد لذلك.. ولم يكن أمامنا خيار آخر..
ـ (س. ص): نعم وافقت لأجل غسل العار، ولم يكن أمامنا غير هذا الخيار بعد عدم موافقة الجانب الآخر على الاعتراف بها كزوجة شرعية..!
ـ (ج. د): لم يكن لي علم بتفاصيل القضية إلاّ بعد تنفيذ العقوبة، لقد كنت بعيدة عن تفاصيل الأحداث، وجاء تنفيذ العقوبة بدون معرفتي ولكن حتى لو علمت لم أكن استطيع أن امنع وقوع ذلك.
ـ (س. ص): لحد الآن اشعر بتعب نفسي شديد وشعور بالذنب، كوننا قد نكون أخطأنا في حقها لأنها لم تكن تدرك واقعها ولم تتوقع أن تصل الأمور بها إلى هذه الدرجة، ولكن هي أيضا أخطأت بحق نفسها وبحق أهلها، ووافقت على استغلالها من قبل إنسان لم يحفظ كرامتها.. كيف لأم أن يرتاح ضميرها وترى ابنتها أمام عينيها وبعلمها وتقتل…؟! ولا تستطيع الأم أن تدافع عنها أو تحرك ساكن لأجلها..؟؟!! إن منظرها في آخر لحظاتها لا يمكن أن يمحى من ذاكرتي مهما حييت إنها من أصعب اللحظات التي يمر بها الإنسان..!
ـ (ج. د): إنني اشعر بالذنب فحسب، بل اشعر بألم وحسرة عندما أتذكر تفاصيل ما جرى.. إنها تفاصيل لا تنسى ولا أريد أن أتذكرها بنفس الوقت، قد يكون ليس لها ذنب، فنحن لا نعلم الظروف التي أجبرتها على ذلك، قد يكون ما حصل بغير إرادتها..؟ وأعود وأقول إنها كانت بالغة وراشدة وليس من السهولة غفران هذا الخطأ لها، وإذا كانت غير مذنبة فالله سيأخذ بحقها من الذي فعل ذلك بها، وتركها لمصير معلوم ولا أقول مجهول، لأننا نعرف عقوبة هذه القضايا عندما تحدث في مجتمعاتنا..!
ـ (س. ص): المذنب في هذه القصة هو الشاب وأهل الشاب، فلم يكن عليهم إلاّ الاعتراف بتلك العلاقة أمام الناس ولكنهم رفضوا وسلموا ابنتي لهذا المصير الأسود، بينما الشاب استمر بتكملة حياته، وأصبحت هذه القصة شيء من الماضي بالنسبة له، وان كان لابنتي ذنب أيضا لأنها لم تستطع المحافظة على نفسها، وبالتالي فقد خسرت كل شيء والى الأبد..
ـ (ج. د): بلا شك إن الشخص الذي أغواها هو السبب في المشكلة، ولا أنكر إن ابنتي أيضا مذنبة، لقد جلبت هذه القضية مشاكل لا تنسى ولا تحصى لنا، كما قادت ابنتي إلى مصير اسود، أي إننا جميعا تعرضنا لمواقف صعبة، وأعود وأقول، إن كان لابنتي ذنب ما فقد نالت عقوبتها، وإذا كانت مظلومة فاطلب من الله أن ينتقم ممن أغواها..!
ـ (أ. ب): احد أفراد العائلة نفذ ذلك وبرغبته وبمشاركة وموافقة كل العائلة وبوجودي، ولكنهم أبعدوني عن مكان التنفيذ قليلا أثناء تنفيذ القتل، ولكنني سمعت صوتها وصوت إطلاقات النار عليها، وأقولها بصراحة: ما دمت حيّة و لحين وضع راسي في القبر لن أنسى ذلك الصوت، فقد حُفر في ذاكرتي..! وأود أن أضيف إنني أحيانا ازور مثواها، فانا أمها وأتذكرها دائما وخاصة في الأعياد وعند قبرها ابكيها كثيرا، وأحيانا أعاتبها ـ إذا كان لها ذنب ما ـ على ما أوصلتنا إليه.. واسأل نفسي، قد نكون نحن لم نستطيع المحافظة عليها وحمايتها ومتابعة خطواتها لتصحيح الخطاء ـ إن حدث ـ قبل أن تصل الأمور إلى هذا الحد، ولكن لا اخفي القول إن هذا يحدث سرا أو بأضيق حدود المعرفة، فالكل يعلم إن الناس لا ترحم في مثل هذه القضايا..
ـ (س. ص): بالتأكيد إن احد أفراد العائلة هو من قام بذلك، ونحن من طلب منه ذلك ووافق على تنفيذ العمل.
ـ (ج. د): احد أفراد العائلة نفذ العمل وهو وافق على ذلك بعد عرضه عليه ولم يكن أمامه خيار آخر..!
ـ (س. ص): كانت عقوبته هي الحبس لمدة قليلة، وكنت أتمنى أن لا يحبس ولو ليوم واحد، فما ذنبه كي يدفع ثمن خطاء لم يرتكبه هو..؟
ـ (ج. د): لقد كانت العقوبة القانونية لمنفذ العمل سنة وستة أشهر، وكنت أتمنى أن لا يحبس أصلا..
* سؤالي ما قبل الأخير كان: هل انتن موافقات على أن يحاكم منفذ غسل العار بأحكام مخففة بحجة غسل العار؟ أم أن يعامل كمجرم قاتل؟
ـ (س. ص): بكل تأكيد كنت أتمنى أن يحاسب بقضية غسل عار، وليس بقضية قتل عمد.. لأنه يقوم بذلك بطلب من الأقرباء..
ـ (ج. د): لا تعليق لي.. ولكن العملية هي عملية قتل روح بشرية، والدولة والمختصين القانونيين هم من يحددوا إن كان يستحق أن يحاسب على أساس قضية غسل عار أم لا.. مع العلم انه وقعت حوادث تستحق أن يعامل القاتل فيها كمنفذ لعملية غسل العار، وتوجد حوادث أخرى تكون مجرد شبهة..!!
ـ (س. ص): ماذا أقول؟ الأم هي التي تتعب وتسهر وتوصل ابنتها لهذا العمر، وثم تأتي هي وترد جميلها بهذا التصرف لأجل إنسان قد لا يستحق هذه التضحية؟؟ ولابد من القول إن الأم، بعد الفتاة، تدفع الثمن الباهظ، كحرمانها من البكاء عليها أو زيارة قبرها في المناسبات.. ونصيحتي لكل فتاة هي أن لا تخطيء وان لا تنخدع بأي كان، و أن تضع أمها وعائلتها وسمعتهم أمام عينيها، وتدافع من جانب آخر عن حقها في الزواج الشرعي وتكوين عائلة مثل بقية الفتيات، وان لا ترتكب الحماقة التي قد تقودها لمصير مجهول..
ـ (ج. د): الحادثة أصبحت درسا قاسيا لعائلتي.. ونصيحتي ليست للفتيات فقط، بل للشباب عموما، وادعوهم جميعا أن يحافظوا على أنفسهم من المنزلقات، وكلامي ينبع من تجربتنا المرّة والتي ذقنا عذابها ودفعنا ثمنها من راحتنا. وإذا كانت الفتاة متزوجة عليها أن لا تفرط في بيتها وأولادها، لأنه لا ذنب لهم، ولا يوجد شخص يستحق أن تضحي الأم بعائلتها من اجله ولأجل نزوة عابرة..
وأيضا أتعجب من دولة لها دستور وقانون قد يحاسب احدهم أحيانا على مخالفة مرورية بسيطة، ولا يحاسب إلاّ بأحكام مخففة على عملية قتل عمد وبطرق مختلفة وبتسميات مختلفة، وذلك حسب القرار المرقم 111 لسنة 1969 والذي يعطي الحق للقاتل في القتل إن كان أخ أو أب أو زوج أو ابن (الضحية) بقضايا غسل العار بأحكام مخففة، وليس كمتهم بجرائم القتل العمد.
إن الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 وفي المادة 19 اعتبر المواطنين سواسية أمام القانون من دون التفريق بين الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الديني، ولكن هذا القانون ليس إلاّ حبرا على ورق وهو غير ساري المفعول في مجتمعنا..
لأنه وبكل بساطة قد يتم قتل إنسانة لمجرد إنها امرأة، وربما لو كانت رجلا لما تعرضت لهذا العقاب..
وفي الختام أقول ألا يكون الأجدر بالعائلة التي تتعرض لهكذا مشكلة أن تحاول معالجتها بصورة عقلانية أو سرية، فتكون (مشكلة عائلية) وبحدود معرفة ضيقة وبمرور الأيام تعالج وبدون الوصول لعملية القتل، لأنه بعد تنفيذ عملية القتل، تصبح مشكلة تحت عنوان (غسل عار) والفرق بين المشكلة العائلية وبين قضايا غسل العار تكون فقط بإعطاء مزيد من الوقت للعقل ومحاولة معالجة الأمور إن أمكن وبقدر المستطاع بالحكمة..