كانت دمشق عاصمة (للثقافة)

عبداللطيف الحسيني 

لا أعرفُ التحدّثَ إلا عن المستوى الثقافي الذي عليه أكثرُ ممّا له في (عموم المدن عندنا) .من ناحية الذات الكاتبة، تم إنجازُ كتابٍ مشتركٍ : الصّحفي غسان جان كير وأنا) بعنوان (في رثاء عامودا). إنه (كتابةٌ عبر النوعية: قصّا وحوارا وبحثا ميدانيا سيكولوجيا) يتناول الكتابُ البنية الرّاهنة والماضية في هذه المدينة التي أعيشُ. كنتُ أريدُ أنْ أتخطّى الحدودَ المستهلكة في الكتابة. والحفاوة التي قُوبل بها الكتابُ كانتْ مبتهجة تدلُّ عما كنتُ أصبو إليه. كانت لدافع الكتابة أسباب ممضة: أنّ المدينة تموتُ ثقافيا بعدَ هجر وتهجير
عيّنات ثقافية أضاءت العالمَ شعرا ونثرا وفكرا.فقط أريدُ ذكرَ إسم (سليم بركات) وهو خيرُ دليل على ما لم أذكر الآخرين. كنتُ أقرأ المدينة من هذه الناحية الجمالية الأرقى.: المدينةُ لا تسمّى مدينة إلا بفكر نيرٍ ومحاور , ولأنها غيرُ ذلك كان على العنوان أنْ يكونَ هكذا: (في رثاء).فثمة قولٌ للجاحظ سأدرجه: (لا يزالُ المرءُ في فسحةٍ من عقلهِ،ما لم يقلْ شعرا أو يصنّف كتابا)، هل كان هذا القولُ دافعا للكتابة؟ ما كان لافتا بحسب السؤال هو: أنَّ عام 2008 (دمشق عاصمة للثقافة العربية).قولٌ كررته وتكرره الصحفُ – صباحَ مساء – ما خفت منه بحسب السؤال أيضا-لكن لم نحسَّ بالثقافة هذا العام-وكان يجبُ العكسُ البدهيُّ: أنْ تكونَ في كلِّ حيًّ سوريًّ أعراسٌ ثقافية وفكرية.لكن ما حصل هو التالي: نقصانٌ دون زيادة: لا معرضا للكتاب أقيم ،لا مهرجانا للشعر نفذ، لا معرضا تشكيليا عرض. لا ندواتٍ فكرية خطط لها, ولا التفكير بالتخطيط لها, ألا يعني هذا الكلام أنّ الموتَ (اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا) وقبل هذا الثالوث:نفسيّا يلاحق أية مدينة تتسم بهاته الصفات. هذا لأنّ دمشق عاصمة للثقافة، فكيف ستكون المدنُ (مدننا) عام 2009 حين تذهبُ التسميةُ السنوية إلى عاصمة ثقافية عربية أخرى؟.المبهجُ أنّ ثمة مغنية أوبرالية اسمها مزكين طاهر: غنّت , وأضاءت ليل دمشق (كما عبّرتْ عنها الصحفُ غيرُ الرسمية)، غنّتْ لكنْ بوساطة فرنسية، كلُّ ما قلته تشاؤمي.لم أقله أنا ،بل تسبقُني لتقولَه الحياةُ قبلي : أوّلاَ,  وأنا أخيرا، والتفاؤل يأتي دائما من الكتابة: الثقافة هي الحلُّ.
(المدوّن استفتاء أجرته الصحفية الجزائرية : نوارة لحرش لجريدة النصر الجزائرية مع مجموعة من الكتاب و الشعراء . وكنتُ من بينهم)  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…