يوسف برازي- بي بهار تلويحة منكسرة في غيابك

إبراهيم اليوسف- الشارقة
  
  كدت لا أصدق عيني ، وأنا أفتح بريدي الالكتروني اليومي  في إحدى غرباتي حيث أقيم بعيداً عن طفلي الصغير  
 أيان – وكافة أسرتي  وأهلي وأصدقائي ومعارفي-حتى من لدغني منهم ألف مرة ولا يزال – لأجد رسالة الكترونية باسم  أحد الأصدقاء الأعزاء من أسرة الشاعر يوسف برازي تنعي الغياب الأخير لشاعرنا الجميل …!
 قشعريرة هائلة امتلكتني ، وأنا  أتأكد من صحة النبأ الأليم ، كي يختفي – الخبر-  بل وشاشة الحاسوب من أمام عيني المغبشتين، المضببتين بالدموع الحارة ، إلى حين، كي أستعيد صورة ذلك الشخص الكردي النبيل والشجاع في بوحه   ودعابته، وثقته بالنفس، وإخلاصه لمن حوله، بل وبسالته التي طالما تحدث لي عنها قبل أن ألتقيه بسنين طويلة- رفاقي في الحزب الشيوعي السوري – كي يرويها لي هو نفسه – حين ستتوثق علاقتنا تالياً-
في أحد الحوارات الطويلة العفوية بيننا، بل والموثقة، وهل أعظم وأنبل من رجل كردي لا علاقة له بالحزب الشيوعي ، قبل عقود من الزمان ، يلقى عليه القبض على أنه شيوعي ، ويزج ّ به في السجن ، فلا تسمح له قيمه وإبائه وشيمه النضالية الأصيلة ، أن يعلن عن حقيقة براءته من الانتساب إلى هذا الحزب ، بل أنه سيكون من رواد أعضاء ومناضلي أول حزب قومي كردي، سيتأسس، بيد أنه يشتم سجّانه ، ولا يوقع على صك السقوط ، قبل ان يمارس ذلك الشاعر مظفر النواب بسنين طويلة في قصيدته المعروفة-يا بني…!- التي طالما غناها المناضلون في زنزاناتهم وسجونهم، وهم يعضّون على شفاههم المدماة  صامدين، حيث أنه من جهته سيدون على جدا ر الزنزانة أولى قصائده التي ستصدح بها في ما بعد حنجرة-بلبل الكرد- الفنان الكبير محمد شيخو ، كي يخلد كل منهما الآخر، عبر أغنية لا يزال وقع هديرها يتردد ، أنى كان هناك سجن وسجان ،  وظلم وظلام  وظلّام :
Hebs u zindan kur  u tari xewa min naye ولعلّي لا أريد  أن أستعرض كلّ مواقف هذه القامة الكردية العالية ، عبر هذه الدمعة الحرّى ، لأنها أكبر  من أن توثق على هذا النحو ، بل لتستحق وقفات متأنية ، طويلة ، من قبل أقلام  متخصصة ، وهو ما  لم يتم  بالشكل المطلوب . ولا أزال  أتذكر أنني في العام 2003 قمت بإجراء حوار مطول معه، وكان معي آنذاك عدد من الأصدقاء وأسرة الشاعر ، إلا أننا تفاجأنا –للأسف- بأن هذا الشريط المسجل، قد أتلف  في حومة ومعمعة مجريات الثاني عشر من آذار 2004، مكرهاً ، من قبل من أؤتمن عليه ،وإني ما زلت أرجو أن أحصل عليه ، وكان هذا الحوار قد  تم في إطار توثيق محطات نضالية وإبداعية في حياة الرّجل الكبير، وهو ما اعتبرته خسارة كبرى إلى جانب سلسلة خسارات كبيرة في حياتي، بل خسارة عامة لا شخصية ، فحسب ، وقد سرّني أن عوض عنها  ولدي كرم  -في ما بعد – و ذلك أثناء إحدى زيارات الشاعر لنا، حين كان يصادق هذا الشاعر بكارزميته الكردية العفوية كبير البيت وصغيره في آن واحد، يكتب  مداعبا  طفلاتي الصغيرات قصائد لا يزلن يحتفظن بها  كتمائم روحية  مقدسة ، من خلال حوار آخر أرسلت  نسخة  ممنتجة منه إلى إحدى الفضائيات ، إلا أنها ضاعت في أروقتها ، للأسف ، ولا أدري هل صمدت النسخة الأصلية منه في ذلك الحاسوب الذي اختزنت فيه، وتعرض لحملات ألكترونية غاشمة ، مسعورة ، وكانت  تلك  الفضائية  قد أجرت حوارا ً مع  شاعرنا حين وصل إلى إقليم كردستان، بعد أن وجهت إليه دعوة  عن طريق مؤسسة مستقلة هي ” سما  “، كما أعلن الشاعر عن ذلك، وكان في ضيافتها، وليس من قبل  بعض صيادي الأسماء النسائية خارج حضورها الإبداعي ، ولا من قبل  بعض متعهدي النشاطات واللاهثين وراءها من خلال – الاستجداء الألكتروني والهاتفي-  والصفقات التي نخجل من الإشارة إليها، هنا وهناك، في حوادث معروفة ، وكانت وراء توجيه دعوات لأميين وأنصاف متعلمين و………… ، مما فوّت على شاعر ومناضل  ككلش فرصة الحج إلى كردستان، هذا الحج الذي تحقق لبي بهار، وجعله يقول مغتبطاً ،  بعد زيارته إلى قبر الرمز الكردي الأول : الملا مصطفى البارزاني : ليكن اسمي بعد الآن ب بهار ، وليس بي بهار لأانه تحقق حلمي في رؤية ” عش كردي ” ولقد روى لي  كيف أنه فضل أن يقيم -خارج فترة المهرجان- في مكتب مضيفيه ، دون أن يطلب  لقاء أحد، أبي النفس كريماً، كما عاش طوال حياته …!  
ولكم أشعر الآن بالفخار كواحد من أسرة جائزة الشاعر جكرخوين ،  في أن يكون شاعرنا بي بهار ثاني من تم  منحهم تلك الجائزة الرمزية ، وإن تاخر ذلك طويلاً بسبب ما حدث في الآذار الدامي 2004 وما بعده ، حيث استشهاد الشيخ معشوق الخزنوي ، رحمهما الله
أجل ، لقد خسرنا برحيل الشاعر الكبير بي بهار آخر عمالقة القصيدة الكلاسيكيةالكردية، مبدعاً من طراز استثنائي اجتماعياً، مناضلا صلبا فذاً ، إنسانا رقيقا مخلصاً في أسمى صورة ، طالما أفرغ روحه على ورقه كما كان يشعر
طوبى لأرض سري كانيي – رأس العين وهي تحضنك جسدك
 
طوبى لروحك التي ستظل خالدة في ضمير أمتك 
 
ملاحظتان
 
1-  أعلمني الشاعر قبل اشتداد قبضة المرض اللعين عليه بأيام قليلة أنه بصدد طباعة ديوانه، وهو ما أرجو أن يقوم به  من بعده الغيارى  على   أدبنا وتراثنا   وتجربة شاعرنا  
2-  هل سنسمي شاعرنا ب بهار بعد غيابه المرير كما أراد وهو يرى علم كردستان مرفرفرفاً عالياً كما يحلم أثناء زيارته اليتيمة 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…