لقمان ديركي شاعر الأمكنة بامتياز، والملتقط لتفاصيل الدهشة، سواء في الشارع أو في البار، أو في الحديقة، أو صالة السينما، أو في حالات السير الاعتيادية، وله ذاكرة مليئة بالصور، لا تخونه، مثلما هو لا يخون نفسه.
في قصصه المتناثرة، كما في قصائده، يحيلك هذا المبدع الكردي من أقصى ركن الكوميديا الى أقسى تخوم التراجيديا، فيضحكك الى حد البكاء، فننسى أننا في زمن صاخب ضاج، زمن موحش ننتمي اليه، مثلما لقمان ينتمي اليه، فيظل مخلصاً للمكان الأول، لأعراس الدرباسية، ومطربيها، وتجارها، وسياسييها، وجيرانه الذين ودعوه الى حلب منذ طفولته الأولى، منذ ولوجه الى عالم أكثر فسحة من المكان الأول، ليظل، هو ، كما هو، بطبعه، وفياً الى حد التأمل المفرط، لكل تلك الأشياء التي مرت سريعاً، ولكن بقيت في ذاكرته، تتأرجح وتتمرد كلما كان هناك حنين ما، كأنه يحن الى موقف حدث أول من أمس، وليس أكثر من عقدين ونيف.
في آخر مجموعة شعرية له ” لا غبار عليك” يقول الشاعر الكردي السوري، لقمان ديركي:
كل يوم، و أنا أصعد الدرج، أجدك لاهثة تنتظرينني أمام الباب.
بعينيك السوداوين حيناً والزرقاوين حيناً آخر، نحضر الطعام معاً، وتنهرينني كي آكل أكثر ، وفي المساء أجدك بجانبي على السرير، ألاعب شعرك الأسود حينا والأشقر بعد حين ، وأنام مطمئنا على صدرك صباحاً.
أجدك ما زلت بجانبي بيضاء حيناً وسمراء حيناً آخر.
يعتبر الشاعر ديركي، من أهم رواد ملتقى حلب الجامعي في نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم، ابان الصخب الابداعي في جامعة حلب، ليكون أحد الرافضين لقوالب الملتقى الروتينيين، وليهتف في إحدى منتديات الملتقى، قبل البدء بقراءة قصيدته “الى طفلة اسمها حلبجة..” أبان مرحلة الكيمياء والحرائق المميتة للكرد، للكرد وحدهم..
صدر للشاعر والقاص لقمان ديركي حتى الآن، عدة مجاميع شعرية وقصصية، منها “ضيوف يثيرون الغبار ” في حلب، “كما لو أنك ميت”، “وحوش العاطفة”، و”الأب الضال”، “لا غبار عليك” في دمشق، “سيرة الهر المنزلي”، مجموعة قصصية عن دار رياض نجيب الريس في العاصمة اللبنانية بيروت..
يكتب لقمان ديركي، قصيدته، كما يحرك احساساً من دم غير مهدور:
“لا تعبرْ من أمام البيت، وإذا عبرتَ، فلا تلتفتْ، لأنك لا تعرف، أن في البيت، من يشتاق إليك، لا تطرق الباب، وإن لمحتني، لا تعانقني، لأنك لا تعرف، أن في هذا الجسد ، من يشتاق إليك، اقتلني ، وصفّر بفمك، كأنك لم تفعل، ولا تَسَلْ عني، ومزق صورتي في عينيك، لا تبحث عني في الشوارع، أو البارات، ولا تأخذ بكلام الناس، أعرفني وحدك، فتقتلني وحدك، وتبقى روحي في جثتي تشتاقُ إليك”..
ديركي الذي طالب، في مقالة له، بأن يصنع له تمثال، أسوة ببقية المبدعين، لأنه ضجر من المشهد الثقافي ولأنه تابع الرديئ منه، يعرف نفسه، أنا لقمان ديركي ، أنا من شعراء الثمانينيات في سوريا، ثم نتذكر، حروبه الأدبية التي لا تنتهي، ولن تنتهي بكل تأكيد، فهو يخوض غمار تجربته الشعرية التي انطلقت في العام 1994 مع مجموعة “ضيوف يثيرون الغبار”، ولن يكتفي، فهو مازال مواظباً على الكتابة والسفر.
هذا التذكر، راهناً، بهذ الشاعر، الصديق، المبدع، احتفاء شخصي، بلقمان ديركي، الذي يحتفي دوماً بالمكان، ويظل وفياً للشعر كوفائه لذاته الشاعرة، قبل الوفاء بوعود وهمية، هو يصنعها، ثم يتلفها، كأنه يتلف مسودة قصيدة.