أحلام وأماني

وليدة أسعد

وأنا أسير في الشارع وحيداً, وجدت ضباباً كثيفاً, سألت نفسي: هل هذا دخان السيارات, أم أنها؟!.. لا, لا أعلم إن امتلكنا مصانع ومعامل؟
لا يمكن أن يكون هذا الضباب صادر عن أفواه البشر الذين حُرمَ عنه التنفس, وحجب الشمس عن الكثير من أقرانهم.

لماذا, أيها الإنسان لا يشدُ نظرك غيرَ لمعة الذهب, ولا تسمع غير رنته. هكذا أقفلت كل حواسك, لا ترى … لا تسمع… ولا تحس بشيءٍ آخر…
تسمعُ أصوات المطربين وصيحاتهم من النوادي الليلية من مكانٍ بعيد … من نادي القلعة, القمة, الأرض السعيدة ومن النادي الزراعي, يحتفلون بحفلة زفاف فلان, والمدعوون يرقصون ويدبكون حول العروس والعريس, وفي اليوم التالي, تروى الأحاديث عن المصاريف والتكاليف التي لا يصدقها عاقلٌ ولا مخبول.
أما في الجانب الآخر, فهناك من لا يجدُ في بيته لقمة خبزٍ, ولا عطفٌ ولا رحمة ولا نظرة إليهم, هؤلاء المحرومين والمحجوبين عن كل شيء إلا البحث في أكياس القمامة عن بقايا الطعام, لعلهم يجدون ما يسدون بها رمق الجوع…
هؤلاء القابعين في ملكات الظلامِ, في دهاليز أنفسهم المعتمة, هؤلاء الذين لا يعرفون لنور الشمس أي شكلٍ وأي نور, ولا يعلمون من أين تشرق, وإلى أين تغيب, ولا يحملون يوماً ما بأن يروا نورها. هم صمٌ لا يسمعون شيئاً, لا ضجيج الشارع, ولا همسات الجيران, وأفواههم نسيت النطق, وأرجلهم لا تشتهي المشيَ.
تعلم أيها الإنسان: إن الله لم يحرمهم نعمة البصر والسمع, ولا النطق, لكنك أنت الذي حرمتهم مما أنعم الله عليهم, لأنك لو تبرعن بثمن كرسيٍ, لسوف ترى لمعان عينهم تطرح عليك, مئات الأسئلة, ولكنز قلبهم بآلاف الأحلام والأماني.
الآن, ستصبح لديهم ذكريات وأحلام, وسينتظرون شروق الشمس بفارغ الصبر, ويحلمون بالعدل, وستكون عواطفهم أقوى من عواطفنا, تجاه المعوقين, وسيحلمون بمنح الفرص لذوي الاحتياجات الخاصة, وفتح مدارس لهم, تعلمهم الرسم والموسيقى والرياضة, وسينافسون الفرق العالمية في كل المباريات, لأن أجسادهم وعقولهم قابلة للتفتق بالإبداع والإنتاج, فهم على أهبة الاستعداد ليثبتوا لنا أنهم بشرٌ مثلنا, وقد خلقهم الله ووهب لهم الحياة كما وهبها لنا.
في القامشلي, سمعتُ كثيراً من مصادر الجمعيات الخيرية, عبارات رنانة وطنانة, يطربُ لها الآذان, ويعشق لها القلوب, فقط أتوجه لهم بهذه الأسئلة وهي برسم الإجابة من أصحاب الشأن والعلاقة:
1-    كم فاقد لعمة البصر, قد تعلموا القراء والكتابة؟
2-    كم من الخرس وفاقدي نعمة النطق, قد تعلموا لغة الإشارات؟
3-    كم كرسياً, أهديتم للمعاقين والمقعدين خلقياً أو نتيجة الحوادث؟
4-    هل تعلمون عدد المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة القامشلي؟
أعلم جيداً, إنني لن أتلقى الإجابة, فهم مشغولينَ بصرف الملايين على مآدب الغداء والعشاء.

أين النخبة في المجتمع؟, وأخصٌ بالذكر الأطباء منهم, والذين يعلمون جيداً معنى الألم ومعنى أن يفقد إنسانٌ حياته. أن الواجب يفرض عليكم أن تكونوا في مقدمة المتبرعين والمتعاونين مع الجمعيات الخيرية, لا بل وتقودوها لترسموا البسمة على شفاه المعاقين والمشوهين. إذا كنتم لا تستطيعون القيام بواجباتكم الإنسانية, فاقرعوا نواقيس الخطر لمن لهم تجربة في هذا المجال, طالبوا بمساعدة المنظمات الخيرية والإنسانية العالمية, ليتداركوا هذا الألم, ففاقد الشيء لا يعطي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سلمان إبراهيم الخليل
تبدلت ملامحي على دروب الرحيل
ثمة أنفاس تلهث خلف الذكريات
تركض خلف أسفار حزني المستدام
الأرصفة وحدها من تشعر بأنات جسدي
وهو يئن من لهيب المسافات

المطر الأسود ينهش في جغرافيا الروح
وهي تعزف للريح تراتيل الغربة
وأنا ألملم شظايا أحلامي بخرقة هشة
لأتوه في دهاليز المجهول

أمد نظري في الأفق البعيد
أمد يدي لمرابع الطفولة
انتظر لهفة أمي وأبي
لكن ما من أحد يصافح
لقد…

سيماف خالد محمد
كنتُ جالسةً مساءً أستمع إلى الأغاني وأقلب صفحات كتاب، حين ظهر إشعار صغير على شاشة هاتفي، كانت رسالة من فتاة لا أعرفها مجرد متابعة لصفحتي منذ سنوات.
كتبت لي دون مقدمات:
أنا أتابعك دائماً وأرى أنك تكتبين عن القصص الاجتماعية، هل يمكنك أن تكتبي قصتي؟ أريد أن يكتب أحد عن وجع طفولتي، ربما إذا قرأتها…

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس فيه حرفته. يجوب القرى، وربما…

مسلم عبدالله علي

بعد كل مناقشة في نادي المدى للقراءة في أربيل، اعتدنا أن نجلس مع الأصدقاء ونكمل الحديث، نفتح موضوعاً ونقفز إلى آخر، حتى يسرقنا الوقت من دون أن نشعر.

أحياناً يكون ما نتعلمه من هذه الأحاديث والتجارب الحياتية أكثر قيمة من مناقشة الكتب نفسها، لأن الكلام حين يخرج من واقع ملموس وتجربة…