بعد حوالي خمس دقائق قلت لهما :
إن العملية تأخذ فترة طويلة , قد تستغرق 6 ساعات أو أكثر , فضلا عن أن المريضة قد تضطر للإقامة في المستشفى بعد العمل الجراحي أسبوعا أو أكثر , لذلك الكلفة الإجمالية سوف لن تكون أقل من مئة ألف .
مئة ألف ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!! أجاب حمدان مصعوقا
تعالي يا فطيم تعالي , بلاها
وقف قرب الباب ليسمح لفطيم بالخروج أولا , كما يفعل المدنيون أحيانا , فاستغربت من تصرفه الحضاري , ولكن عندما بعدت فطيم قليلا اقترب مني حمدان وقال :
بمية ألف أجيبلي وحدة جديدة يا دكتور , وأنت الفهمان , وحدة بنت , تازة , خلنج , مو مستعملة …….. جربانتي هاي ما تسوى مية قرش .
ما علمت أن ذاكرتي قوية إلى هذه الدرجة , فعبارة ” تعالي يا فطيم تعالي , بلاها ” سمعتها عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي . كانت مدرستنا في القرية من غرفة واحدة مبنية من الطين , التحق المعلم الجديد بها , بداية العام الدراسي .
كان المعلم جالسا في الهواء الخريفي الطلق يسجل الأسماء عندما سلم عليه رجل تتبعه فتاة صغيرة , كانوا من قرية مجاورة , طلب الرجل من المعلم تسجيل ابنته في الصف الأول الإبتدائي .
بعد أنتهاء المعلم من أخذ البيانات قال للرجل :
عليك دفع خمس ليرات كنشاط وتعاون مدرسي .
التفت الرجل إلى ابنته وقال :
تعالي يا فطيم تعالي …. بلاها .
انصرف ولحقته الفتاة الصغيرة دون أن يسجلها , كانت حافية القدمين . ولا أدري ما الذي دفعني , أثناء وقوفها خلف والدها , إلى أن أرفع حاشية ثوبي لأريها حذائي البلاستيكي الأسود القديم المرقع بقطع بيضاء من حذاء آخر , أهو كان تصرف ذكر يلفت أنتباه أنثى لينال إعجابها ؟ أم تشفيا بالمسكينة ؟
من لديه جواب فلا يبخل علينا !!
يكاد لا يمر أسبوع إلا وتزورني في عيادتي , وأشعر بالضجر إذا تأخرت فأرفع سماعة الهاتف وأتصل بها وأقول :
أثمة قهوة , يا زينو , والله أنا مشتاق ؟
والله أنت لا تستحي ! أسقيك ماء عيني إذا لم يكن هناك قهوة. هيا تعال بسرعة .
ويا زيتون زينو !! طعم لا مثيل له .
ويا عطونها المحضر مع الزعتر البري !!
ويا زيتها !! ما مرض قلب ذاقه
لا يطير عقلكم بعيدا …..
لا تفهموني خطأً .
فزينو هذه هي أمي .
هي لم تلدني . ولكن ماذا عساي أن أسمي امرأة تجاوزت الستين وتحن إلي كما لو ولدتني ؟ فأحترمها وأذهب لزيارتها وأقبل يدها .
أما هورو , زوج زينو , فهو ليس بأقل منها حنكة ودهاء , رجل طويل القامة , ممتلئ قليلا , بشوش الوجه , عفوي الكلام , يشكل مع زينو ثنائيا مرحا لا يمل أحد من مجالسته .
يسألني هورو :
زينو صارت عجوز ختيارة , بدي أجدد , ما لقيتلي وحدة ؟؟؟
لا أرد أنا بل أنتظر زينو لترد عليه لأنها له بالمرصاد دائما , فتجيب زينو :
مفكر حالك زلمة !! جربتك الليلة الماضية هاهاهاها !!!
يخرس هورو ويطأطئ رأسه .
زينو على حق , وأنا أعلم ذلك علم اليقين , لأنني متأكد أن هورو سيتسلل بعد قليل إلى عيادتي مثل قط أليف , ولا ينطق , وإنما يومئ لي ببسمة مضحكة , فأدرك مطلبه , يدس حبة الفياغرا في جيبه وينصرف .
وفي صباح اليوم التالي نلتقي في الحديقة التي اعتدنا أن نسير فيها كل صباح لأخذ جرعة من الرياضة, فأرى هورو مزهوا كديك رومي نافش ريشه , مرفوع الهامة مثل جندي عاد منتصرا من معركة , يحادث زينو بصيغة الأمر فتتقبله زينو برحابة صدر , يقول لها بصوت عال :
ارتخى خيط حذائي , يا زينو ….
فتهبط زينو مثل عصفور وتحط على حذائه لتوتر خيوطه .
هو من يقول ذلك فأنا لست المتحدث الرسمي باسمه .
أنا أعرف ماذا ستقول زينو الشقية عنه عند انصرافه , وقد قالته , قالت : ينقص هذا الشاب قرط في أذنه , وخزامة في أنفه .
إذاً الشابُ مصابٌ بالتهاب الكبد من النمط C , وهو داء خطير , ليس له من دواء شاف , مثله مثل الإيدز , وإن كان أخف منه وطأة , وأقل فتكا . فكلاهما ينتقل غالبا عن طريق الجنس , وعند القليل من الناس عن طريق نقل الدم الملوث .
الشابُ لم ينقل إليه دمٌ في حياته , إذا الموضوع لا يحتاج إلى تفكير زائد حول مصدر العدوى .
أقيم في فندق خمس نجوم , أفيق صباحا ويكون الفطور جاهزا في مقصف الفندق أتناوله ثم أنطلق إلى البزنس , أعود عصرا , أستريح بعد الغداء قليلا , ثم أمضي بعض الوقت في الدسكوتك حتى العشاء …….
وكل أسبوع مرة ندلل معدتنا , فنذبح على شرفها صحنا من الفول و حبة بصل وأخرى فجل , وما إن يستقر الضيف في المعدة حتى تتجشأ هذا الأخيرة إحدى وعشرين مرة احتفاء بالضيف الكبير .
صمت الشاب هنيهة فسألته :
وفي الليل ؟؟
فابتسم ابتسامة سخيفة وقال :
ألعب مع العصافير !!
قصد بتعبيره غير المباشر الحشمة والأدب , وخاصة بوجود العنصر النسائي , ولكن كانت كلماته على مسامعي أكثر فظاظة وأشد وقاحة مما لو قال : ” أضاجع العاهرات ” .
ومن يدري ؟
فغدا سينقل إليها الفيروس القادم من فنادق خمس نجوم في أوروبا الشرقية , وقد يتهم المسكينة بأنها هي التي نقلت إليه الفيروس !!
شأنه شأن ذلك الغني الذي تحدثت عنه الصحف السرية بهذا البلد منذ عدة سنوات . هذا الثري له كلب بوليسي خمس نجوم , مر عتال فقير من أمام بيته , رث الثياب وفي رجله حذاء بلاستيكي , وشعره طويل ومنفوش , وفي يده صندويشة فلافل . لم يميز الكلب إلى أي صنف من الكائنات ينتمي هذا المخلوق , لربما ظنه ضبعا أو عفريتا , فالكلب المسكين منذ أن تفتحت عيناه يعيش بين أناس خمس نجوم ولم يسبق له أن عاشر أناسا من فئة الصفر نجمة كهذا الدرويش . هاجمه الكلب وأبطحه أرضا , فتطايرت فتات الفلافل في الهواء وسال دم الرجل على الإسفلت من جرح بليغ في الفخذ وآخر في الإلية .
ماذا لدى هذا الرجل ليدفعه رشوة لأصحاب النجوم في الدولة ؟ وماذا يدفع للمحامي ؟؟
صندويشة فلافل ؟؟؟!!!!!!
سيضربون بها رأسه , لأن معداتهم من فئة الخمس نجوم , لا تفرز أنزيمات الفلافلاز أو فيتامين الفلافلين . فيصابون بعسر في الهضم إذا أكلوها .
عندما سمع المسكين ذلك صاح قائلا :
والله العظيم …. شوفوا طمي : ما فيه ولا سن … بشو عضيت الكلب ؟ … يا عالم يا ناس .. شوفوا ها (يفتح فمه) ولا سن … ولا سن . والله العظيم ما عضيتو , هو عضني …..
قال فندق خمس نجوم قال , منذ خمس وأربعبن سنة أفيق صباحا وأرى زينو حضرت لي الفطور , وتلبسني ملابسي وتلمع أحذيتي , فأذهب إلى العمل لأعود عصرا لألاقي زينو وقد حضرت الغداء ورتبت البيت ……و……..و…..
وفي الليل ؟
قهقه هورو وأخذ وضعية القط الذي يهيئ نفسه للقفز , وألقى بنفسه فوق زينو قائلا :
أنططططط على زينو .
حاول تقبيل زينو وزينو تدفعه وهي تضحك وأضحك أنا .
وهورو يقول وقد فرط ضحكا :
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآخ , آخ يا ابني , ليس الموضوع مشي بطيء أو سريع , الموضوع هو أن قدمي لم تخلقا لتسيرا في هذه الشوارع القذرة , وإنما صممتا للسير بين الجبال والوديان بين الأشجار والأدغال , على الحشائش والمروج.
قالها وهو رجل بسيط .
قالها …… رغم أنني نبهته أكثر من مرة أن التحاميل تؤخذ عن طريق الشرج .
هبني لم أنبهه :
ألم ينتبه إلى شكلها الصاروخي الأملس ذي السطح الرطب الذي يثير شهية الشرج !
ما ذنبي أنا ؟