إبراهيم اليوسف
ثمّة كآبة شديدة ، أحسست بحبالها تلتفّ حول حلقي طوال نهار اليوم، وهو الجمعة: الذي لم يبخل بدوره أن يجرّعني من فواجعه ، وآخرها رحيل أمي الجبلية الحنون- في أحد أوراق كراسه الأليم -و الذي لا أجرؤ تناوله إلى الآن كما أروم، كما لا أستطيع التوقيع على ديوان خصصته لأبي وأنا أعنونه ب : أستعيد أبي….!
ثمّة كآبة شديدة ، أحسست بحبالها تلتفّ حول حلقي طوال نهار اليوم، وهو الجمعة: الذي لم يبخل بدوره أن يجرّعني من فواجعه ، وآخرها رحيل أمي الجبلية الحنون- في أحد أوراق كراسه الأليم -و الذي لا أجرؤ تناوله إلى الآن كما أروم، كما لا أستطيع التوقيع على ديوان خصصته لأبي وأنا أعنونه ب : أستعيد أبي….!
الكآبة في أعلى درجاتها، هل قلت لك : الكآبة؟، مادامت استمراراً لكآبةٍ أختٍ، اندلعت على نحو آخر، منذ يومين ، حيث خلت لأول مرّة في حياتي ، أنّ الغبار الذي صار يركض على قوائمه اللا متناهية خلفي من مدينة الحسكة ، إلى شارع بيتي ، في قامشلي ، ليلاحقني إلى مكتبتي ، وداخلي ، عميقاً ،كان أحد تجلياتها ، غير المفهومة، وأنا أقرأ اللّوحة في قتامتها القائمة في كلّ حدب وصوب، وألف ثوب وثوب …!
كانت النّفس منقبضة، تماماً وأنا أفلت طائر النّهار من بين يدي ، عساي أقطف رأرأةََ حلم جديد، تتلمظه روحي الكليمة منذ أبد، أستعرض طعنات الألم في روحي ، دون أن أعرف أيّها أكثر إيلاماً ، مادام النّزيف يملأ من حولي فضاء لا يحدّ.
– قضى اليوم الجمعة17-4-2009- ذكرى يوم الجلاء- إبراهيم جمعة ، مع زوجه وطفله ، ويرقد بعض أقربائه- شفاهم الله – في غرفة العناية المشددة، في أحد مشافي قامشلي الثكلى ، بعد أن صدمت شاحنة مركبته…..!
لا أدري أية حالة ألم انتابتني ، ولا سيما أن الفجيعة – حين تكون- برجل غيور ، كما كان يبدو أبو داني لقراءاتي ، المتباعدة له ، وهو- هنا- كما يخيّل إلي من الغيارى الذين قد أختلف معهم في أمور كثيرة ، أمور جدّ كثيرة ، هنا أو هناك ، لكن حبّ إنسانهم ، ووطنهم لا يبارحهم ، كما أزعم .
ولعلك تتذكر بعض المحطات التي كان يهتف فيها الرجل الرجل إليك، كإعلامي صديق ، ناقلاً إليك انتهاكاً فظاً قد تمّ ، انتهاكاً “لا يبلع” أو مشجعاً إيّاك على موقف لك في حوار تلفزيوني أجري معك ، بعد انتهائك منه، أو سوى ذلك .
– هو ذا إبراهيم جمعة…!
واحد من كثيرين أثيرين إليك في مدينة محبّة بكل أشكال فسيفسائها الجميل الذي يصرّ بعضهم على سلب كل ملامحها ، وإبقاء مجرد لون واحد منها، لا يليق بقامتها المبلّلة برذاذ المطر والحلم والهوى.
-أجل ، إنّه إبراهيم جمعة نفسه..!
إبراهيم الذي لن يتصل بك هاتفياً على رقمك الجديد.
ولن يحدثك عن ابنيه- وهما من طلابي أيام منفاي بقرار جائر إلى ثانوية الزراعة- يقرضان مرارة الهجرة بعيداً عن تشييع جنازتي أبويهما وشقيقهما الأصغر.
ولعلّ صورته الأخيرة لا تبارح مقلتي، وأنا أراه قبل ساعات من رحيله في مبنى – بريد قامشلي- – بعد غياب طويل لا أعرف متى بدؤه- يلوّح لي من على بعد أمتاربيده اليمنى ، ويهرول صوبي، وهو يكاد يقفز من فوق الجدار الحائل بيننا ، يمدّ كلتا ذراعيه يحتضنني ، وهو يبادلني القبلات : حمداً على سلامتك ، أنا أيضاً كنت مسافراً ، وتابعت أمورك من هناك عن كثب، لك السلام من كثيرين، متى ستعود؟ أحدّثه عاجلاً عن بعض شؤوني وخساراتي، وآخرها مرارة الحلق الجديد، إثر فيلم مخادع للألم الجديد.
· هاتفك تغيّر – يكمل قائلاً
· خذ الرقم الجديد أقول له..!
· أرجوك دعنا نلتق ثانيةً، نعيد سهرةً كتلك التي سهرناها مع الأستاذ حسن سعدون و المهندس بدران……
· أعدك أن نلتقي ، إلا أن وقتي ضيق ، وأنا أعيش في دوّامة سأحدّثك عنها، لو التقينا، وهو ما لن يتم …..
أعترف كانت لقاءاتي به قليلة ، ولكن أينما التقينا ، فأنا لم أكن لأجد منه إلا الابتسامة الجميلة ، والحنان الكردي الأصيل ، دون معرفة كنه خصوصياته ، شأن كلّ من يعمل في الشأن العام ، ولا يعنيه من الناس إلا ما يلمسه في ما يسمح من وقت عابر في أكثره، وسيشدّني- مؤكّداً إليه- ما يشاركني فيه من قناعات يقرّ بها أنّى التقينا ، تبدرفي حوارات سريعة، في ما لو تمت ، ما دامت تتقاطع مع دائرة اهتماماتي ، كمعنيّ بالشأن العام، لا ينساه الغيارى، من بني جلدته ، بل وبلدته ، ووطنه ، وهو ما يدعوني ألا أنساه- بدوري- البتّة كرجل شهم، في حدود اللقاءات القليلة التي تتم بيننا- والتحية الجميلة ضرب من الشهامة- ليحفر صورته في معرض الروح، مع وجوه كان لها وقعها في عميقاً ،أنى استعرضت الراحلين الجميلين، كما يتراءى لي، ولعل أبرز تلك اللقاءات إحياؤنا للذكرى الأولى لرحيل محمد شيخو في منزله مع مجموعة من الكتاب والشعراء …..!.
ما أجمل أن نحب بعضاً… ما أجمل …!
ما أجمل أن ننبذ الكراهية.. وأنى لنا ذلك…..!؟
ما أجمل أن نكون أوفياء للهواء والشمس والتراب، ولمن حولنا -في هذه الكرة الأرضية الصغيرة- أجمعين …!
– قضى اليوم الجمعة17-4-2009- ذكرى يوم الجلاء- إبراهيم جمعة ، مع زوجه وطفله ، ويرقد بعض أقربائه- شفاهم الله – في غرفة العناية المشددة، في أحد مشافي قامشلي الثكلى ، بعد أن صدمت شاحنة مركبته…..!
لا أدري أية حالة ألم انتابتني ، ولا سيما أن الفجيعة – حين تكون- برجل غيور ، كما كان يبدو أبو داني لقراءاتي ، المتباعدة له ، وهو- هنا- كما يخيّل إلي من الغيارى الذين قد أختلف معهم في أمور كثيرة ، أمور جدّ كثيرة ، هنا أو هناك ، لكن حبّ إنسانهم ، ووطنهم لا يبارحهم ، كما أزعم .
ولعلك تتذكر بعض المحطات التي كان يهتف فيها الرجل الرجل إليك، كإعلامي صديق ، ناقلاً إليك انتهاكاً فظاً قد تمّ ، انتهاكاً “لا يبلع” أو مشجعاً إيّاك على موقف لك في حوار تلفزيوني أجري معك ، بعد انتهائك منه، أو سوى ذلك .
– هو ذا إبراهيم جمعة…!
واحد من كثيرين أثيرين إليك في مدينة محبّة بكل أشكال فسيفسائها الجميل الذي يصرّ بعضهم على سلب كل ملامحها ، وإبقاء مجرد لون واحد منها، لا يليق بقامتها المبلّلة برذاذ المطر والحلم والهوى.
-أجل ، إنّه إبراهيم جمعة نفسه..!
إبراهيم الذي لن يتصل بك هاتفياً على رقمك الجديد.
ولن يحدثك عن ابنيه- وهما من طلابي أيام منفاي بقرار جائر إلى ثانوية الزراعة- يقرضان مرارة الهجرة بعيداً عن تشييع جنازتي أبويهما وشقيقهما الأصغر.
ولعلّ صورته الأخيرة لا تبارح مقلتي، وأنا أراه قبل ساعات من رحيله في مبنى – بريد قامشلي- – بعد غياب طويل لا أعرف متى بدؤه- يلوّح لي من على بعد أمتاربيده اليمنى ، ويهرول صوبي، وهو يكاد يقفز من فوق الجدار الحائل بيننا ، يمدّ كلتا ذراعيه يحتضنني ، وهو يبادلني القبلات : حمداً على سلامتك ، أنا أيضاً كنت مسافراً ، وتابعت أمورك من هناك عن كثب، لك السلام من كثيرين، متى ستعود؟ أحدّثه عاجلاً عن بعض شؤوني وخساراتي، وآخرها مرارة الحلق الجديد، إثر فيلم مخادع للألم الجديد.
· هاتفك تغيّر – يكمل قائلاً
· خذ الرقم الجديد أقول له..!
· أرجوك دعنا نلتق ثانيةً، نعيد سهرةً كتلك التي سهرناها مع الأستاذ حسن سعدون و المهندس بدران……
· أعدك أن نلتقي ، إلا أن وقتي ضيق ، وأنا أعيش في دوّامة سأحدّثك عنها، لو التقينا، وهو ما لن يتم …..
أعترف كانت لقاءاتي به قليلة ، ولكن أينما التقينا ، فأنا لم أكن لأجد منه إلا الابتسامة الجميلة ، والحنان الكردي الأصيل ، دون معرفة كنه خصوصياته ، شأن كلّ من يعمل في الشأن العام ، ولا يعنيه من الناس إلا ما يلمسه في ما يسمح من وقت عابر في أكثره، وسيشدّني- مؤكّداً إليه- ما يشاركني فيه من قناعات يقرّ بها أنّى التقينا ، تبدرفي حوارات سريعة، في ما لو تمت ، ما دامت تتقاطع مع دائرة اهتماماتي ، كمعنيّ بالشأن العام، لا ينساه الغيارى، من بني جلدته ، بل وبلدته ، ووطنه ، وهو ما يدعوني ألا أنساه- بدوري- البتّة كرجل شهم، في حدود اللقاءات القليلة التي تتم بيننا- والتحية الجميلة ضرب من الشهامة- ليحفر صورته في معرض الروح، مع وجوه كان لها وقعها في عميقاً ،أنى استعرضت الراحلين الجميلين، كما يتراءى لي، ولعل أبرز تلك اللقاءات إحياؤنا للذكرى الأولى لرحيل محمد شيخو في منزله مع مجموعة من الكتاب والشعراء …..!.
ما أجمل أن نحب بعضاً… ما أجمل …!
ما أجمل أن ننبذ الكراهية.. وأنى لنا ذلك…..!؟
ما أجمل أن نكون أوفياء للهواء والشمس والتراب، ولمن حولنا -في هذه الكرة الأرضية الصغيرة- أجمعين …!