«جرح بحجم الذاكرة» إلى آل محمود وكل عشاق محمود وأعمال محمود في ذكرى رحيل محمود درويش


محمد الكلاف
 

  الدمع ما زال ينساب على خدنا في صمت الذهول …
والقلب هو الآخر ما زال مكلوما من فرط خيانة الزمن …

ما زلت جاهزا للبكاء وسأبقى … جرح الألم ما زال طريا …
رحل محمود جسديا … رحلت الأسطورة الشعرية … شاعر المقاومة … رسول القصيدة المتمردة … لكنه لم يرحل وجدانيا ، وسيبقى خالدا خلود قصائده …

رحل المحارب التقليدي الذي صنع قنابل شعرية من زيت الزيتون ، لمحاربة ابن آوى … نيرون روما … الشيطان الإسرائيلي …
محمود- المحمود … دفعه حبه لوطنه وأرضه إلى أن يرفع قلم العصيان في وجه عدو جبان كان وسيبقى خارج التاريخ … فكانت الكلمة المتمردة ، والقوة الشعرية المضادة لكل سلاح مادي … قوة أرقت أحلام العدو الشاذ …
محمود – المحمود … خلق معادلات لغوية تصور الاضطهاد والعنصرية ، والهمجية الإسرائيلية في أبشع صورها، بشعره الملحمي السريالي … حارب بقلمه ، بقوة كلامه ، فكان شعره بمثابة قنابل موقوتة تقتل دون موت ، تقتل أنانية الآخر … العدو …
محمود … القصيدة التي اقتسمت معنا الجمال العمومي طيلة أربع وأربعين سنة ، لبت شغبنا وروت ظمأنا …
محمود …الذي صنع حصان طروادة ، ولم يتركه وحيدا ولو للحظة ، بل اجتاز من خلاله حصن القصيدة المستعصية … قفز على الجدار كي يقطف البنفسج من حدائق : ” بيت أمه ” المعلقة باحترام ، ثم مشى عمييييييييييقا على رصيف الذهول ، متأبطا أحد عشر كوكبا ، بحثا عن مكان مقدس في تاريخ مدنس لأوباش مدنسين …بنى من الحروف الحجرية حائطا لكل التماسيح الباكية…
محمود … غيبه الموت مع سبق إصرار وبكل ترصد ، دون أن يمنحه فرصة أخرى كي يمدنا بقصائد حجرية نرجم بها الشيطان … لم يمنحه حتى فرصة الحياة كي يتذوق خبز أمه ( فلسطين ) الذي يحن إليه …
 ما أقساك أيها الموت …ا.ا.
هل توقف نبض قلبه ، أم جف مداد قلمه …؟ .
قلب محمود سيبقى دائم الخفقان ، ومداد قلمه كان وسيبقى سيالا وطريا ، بقاء صوت الرفض فينا ، ينادي بكل تحد واعتزاز : ” سجل أنا عربي “… وما دامت أمه ( فلسطين) ،  تطبخ وتطبخ الخبز الذي  كان يحن إليه … وما دام عود مارسيل يصدح بأشعاره… وما زال أطفال الحجارة يرجمون الشيطان بكلماته الحجرية  مرددين في تحد : –
أيها المارون بين الكلمات العابرة    
احملوا سماءكم وانصرفوا
واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا
أمحمود … يا ” لاعب النرد” … أنت لم تمت … لقد اخترت أن تنام فقط ، عميييييييييييقا ووحيدا لتصغي لجسدك الشعري … ألم تقل في قصيدتك الأخيرة :” لاعب النرد ”
ومن حسنة حظي أني أنام وحيدا
فأصغي إلى جسدي  …؟.ا.      
لقد اختارك الإيقاع … ومع ذلك ستبقى حاضرا في الزمان والمكان … وسنردد وصيتك التي كتبتها بدمك الذي لن يجف أبدا …. دمك الذي رسمت به خريطة وحدود وطنك … وطن حييت به ومن أجله عدة ميتات مؤجلة … فلا تعتذر عما فعلت … ولن نترك بعدك الحصان وحيدا …فاهنأ بنومك ، واصغ لجسدك … لقد بلغت الرسالة ، والكل غفر لك …وسنبكي معك ، ولك ، وعليك ، ما عن لنا البكاء…
نم يامحمود قرير العين … نم … نم …


عاشق محمود وأعمال محمود إلى حد الوله
محمد الكلاف
ناقد وقاص
 أصيلة – المغرب

Mohammed_gu@hotmail.fr

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…