خالد جـميل محمد
القسم الثاني والأخير
لكن الترجمة ابتعدت كثيراً عن المقاصد التي أرادها الراوي في وصفه البيتَ، فهو لم يذكر (الشوارب) ولم يذكر (الزفت ليكون مانعاً للرطوبة) كما ذهبت الترجمة، أو كما أراد المترجم أن تذهب، والبيت لم يكن قد دهن حقيقة، إنما يـبدو على تلك الهيئة التي وُصِفَ بها في الرواية، وبذلك أحدثت الترجمة انقلاباً كاملاً في بناء العبارة.
إقصاء الراوي:
الراوي رسولُ الروائي، حاملُ الخطابِ، مخلوقٌ نَصِّيٌّ، قابعٌ في مكان ما، يتـتبّع الأحداث، يترصَّدها، ينقلها بدقة، يتـنحّى ليفسح المجال للشخوص، ينـزوي في زاوية ما، ثم يعود متفاعلاً مع التفاصيل التي يسردها بواقعية لا تكلُّف فيها. لكن المترجم يتدخل في شؤونه ويمارس سلطة غيرَ شرعية بحقه، فيغيِّر من خطابه، ويحوّره وَفْقَ آلياتِ استيعابٍ غيرِ موفَّقَة، كما هو الحال في منعطف دراميٍّ يقرِّرُ فيه (حَسو) قتالَ (جرجيس) وهو قرار بعث السرور في نفْس (حمو) الذي كان بإمكانه أن يردَّ (حسو) عن سلوك هذا المسلك، لكنه لم يفعل ذلك، فالقتالُ يحقق رغبةَ (حمو)، لكن الترجمة ذهبت بعيداً عن ذلك فـأثبتتْ عُدولَ (حَسو) عن قرار القتال، وأثبتت أيضاً سرورَ (حَمو) بذلك العدول الذي لم يتحقق في الرواية أبداً، بل تنقضه الأحداث التي تلي الفقرة التي (ادّعت) الترجمة (عدوله عن قرار القتال)، حيث يحدث القتال فعلاً، وتأتي الأحداث مؤكّدة تصميم الرجلين على خلاف ما جاء في الترجمة التي سبَّـبَـتْ انكساراً وانقلاباً في أحد منعطفات أحداث الرواية، وأحدثت فجوة في إحدى حلقات السرد الروائي، بل خالفت الخطةَ التي تسير وفقها الترجمة نفسُها، والتي أكدت نشوبَ القتالِ وعَدَمَهُ أيضاً. كما هو في المقطع التالي:
“Hemo vê carê jî dikarîbû Heso haş bikira û rê nedaba pevçûnê. Lê serê wî bi xwe jî wek ê mezinê wî piçûk bûbû. [Dema Hesen çawîş lê êşkence dike, ew çawîş bi Idrîs dişibîne]*…Heso [biderxistina pevçûnê]**, biryareke tam li gor dilê wî dabû.” [98 sê şev û sê roj]
* لعل المراد: [Dema Hesen çawîş lê êşkence dikir, ewî çawîş bi Idrîs dişiband]
**لعل المراد: [biderxistina biryara pevçûnê]
الترجمة الافتراضية:
“في هذه المرّة أيضاً كان بإمكان (حمو) أن يُهدّئ (حسو) ولا يفسحَ المجال للقتال. لكن يـبدو أنه كزعيمه قليل الفهم. فعند تعذيب العريف (حسن) إيّاه، كان حمو يرى إدريس في شخص العريف… وبإعلان القتال، كان (حَسو) قد أعطى قراراً يناسب رغبته”
ترجمة المترجم:
“(حمو) هذه المرّة هدأ من روع (حسو) ومنعه من أن يسلك طريق الاقتـتال! لكن ضؤل عقله مثل معلمه (حسو) ففي الوقت الذي كان يعذبه العريف (حسن) مشبهاً إياه بـ (ادريس)… أسره (حسو) كونه تراجع عن الخوض في النـزاع مع خصومه!”
[134 (أيام حسو الثلاثة)]
عبارة “حمو هذه المرة هدأ من روع حَسو ومنعه من أن يسلك طريق الاقتـتال” أحالت إلى حدث مخالفٍ تماماً لما جاء في الأصل، وهي إحالة شوّشت على آلية التواصل بين الخطابِ الروائيِّ/حاملِ رسالةِ المبدعِ والمعلوماتِ التي أراد نقلها، وبين المرسَل إليه الذي يتلقى – في الترجمة- رسالة مغايرة للتي كان الروائيُّ قد حدّدَها، حيث ابتعدت العلامات عن هدفها وخرجت عن وظيفتها الحقيقية في إيصال تلك المعلومات.
كما ابتدَعَت الترجمة شخوصاً لم يعرفهم الروائيُّ نفسُه، وخلقتْ أحداثاً أخذتْ حيِّزاً هامّاً، كما بيّنت المقارنة بين الأصل والترجمة أن الترجمة شهدتْ تحويراً متواتراً في الأحداث وتشويهاً لم يعرفه النصُّ الكردي، ومن ذلك أن حصيلة القتال بين عائلتي (حَسو) و(جرجيس) – في الترجمة- كانت مقتلَ شخصين [ص149] وهو ما خالفت به الأصل [ص160] حيث لم يُقتل أحدٌ، لكن الترجمة نفسها عادت لتعلن خلاف ذلك [ص151][ص218] بأن أحداً لم يقتل، لتـناقض نفْسَها وأصلها، وهو تناقض يـبعث حَيْرةً لدى قارئ الترجمة الذي يجد نفسه عاجزاً عن فهم ذلك التـناقض.
في مواضع كثيرة أقحم المترجم نفسه ليترك الراوي والشخوص والسياق والسرد جانباً، وأخذ يتدخل في الأحداث ويُقْحِمُ في المتن شروحاً، وتأويلاتٍ غريـبةً عن (نسيج النص)، فأضافَ، حَذَفَ، زادَ وأنقَصَ، ففي سياقٍ يدلُّ على أن الضابط زاد من جهامة وجهه، ليظهر علامات العنف والشدَّة أمام أهل القرية، ومع (حسو) تحديداً، تحوَّلت الجهامة إلى (الحموضة المستجدة) كما تحولت (ملامح الوجه) إلى (المعدة) على النحو التالي:
“Komutan ber pê de çû, darê xwe tam di zikê wî de rakir, madê ku tirş bû tirş tir kir û bi zirt: “Erê tu dikarî serbest biaxivî!”
Heso êdî mîna şevê din ne ditirsiya.”[52]
الترجمة الافتراضية:
“تقدم الضابط نحوه، نَخَزَهُ بعصاه في بطنه، وزاد من جَهامة وجهه، وقال بعنف: نعم. تستطيع أن تتكلم بحرية.
فلم يكن (حَسو) يخاف، كما كان في الليلة الماضية”
ترجمة المترجم:
“تقدم منه الضابط ودفع برأس عصاه في بطنه ضاغطاً عليها أدى ذلك إلى مضاعفة نسبة الحموضة المستجدة في معدته مخاطباً إياه بحدة: نعم بإمكانك أن تتكلم بحرية!
“حسو” بدا مثل الليلة البارحة غير هيّاب لقد تحرر من خوفه من الضابط..”
[74-75(أيام حسو الثلاثة)]
أنكرت الترجمة أن (حَسو) كان خائفا في الليلة الماضية، وهذا تناقض مع ما أثبتـته من خوف على امتداد أحداث الليلة الماضية. فـالمعنى أن (حَسو) لم يكن خائفاً في الصباح، على خلاف حالة الذعر التي عاشها الليلة الماضية. أما الغريب عن السياق فهو (نسبة الحموضة المستجدة في معدته). وهو ما يمكن أن يحتار فيه كل من يقرأ الترجمة، ويسأل عن علاقة الحموضة المستجدة والمعدة بالسياق؟ وعن السبب الذي جعلها حموضة مستجدة؟!.
ولا يُدرى من أين جاءت الترجمة باسم (لقمان الدياربكرلي) إلا بالرجوع إلى النص/الأصل، حيث يُفْهَم من كلمة (luqûm/لُقُوم) أنها نوع من راحةٍ حلوة المذاق، أو حلوى تعرف باسم (العوّامة)، حيث جاء في الأصل ما معناه أن الرجل “ما كان يتخلى عن النميمة، فالنميمة بالنسبة إليه كانت أطيبَ من راحة (ديار بكر)” [الترجمة الافتراضية]
””””destê wî ji fesadiyê ne dibû. Ji bo wî fesadî ji luqûmên Diyarbekirê jî xweştirbû””””[136]
لكن الترجمة حولت اللقوم أو (الراحة الدياربكرية) إلى شخص اسمه (لقمان الدياربكرلي) دون أن تتمَّ مراعاة السياق الذي تهلهل بالعبارة التالية:
“وهو مولع بالنميمة..كان نمائمياً أكثر من “لقمان الدياربكرلي”
[188 أيام حسو الثلاثة]
ولم يقتصر الأمر على تحويل (الراحة) إلى شخص في الرواية، بل تحولت الذئاب أيضاً إلى شخص اسمه (كوران) في الفقرة التالية التي قال فيها (تمو) لأبيه (حَسو):
“Fehmîko kerî tebût gihandiye malê. Guran tu pez ne kuştiye. Min dewar êm kirin….Mane bi Quran ez ji te re çi bibêjim tu ê hey dîsa here yek bi yek wan heywanan saxtî bikî” [14]
الترجمة الافتراضية:
“أوصلَ (فهميكو) القطيع بسلام إلى البيت. الذئاب لم تقتل أيَّ شاة. وقد أعلفتُ البقر…أقسم بالقرآن رغم كل ما أقوله لك فإنك ستذهب بالتأكيد لتـتفحّص تلك الحيوانات واحداً واحداً.”
ترجمة المترجم:
“و(فهميكو) أوصل القطيع بسلام إلى البيت وكوران لم يصب أي نعجة بأذى وأعلفت البقر…أقسم لك بالقرآن على ما تقدم…. لو أنني أحصيت لك كل شيء ستعاود الكرة تلو الكرة مستعيداً أسماء الحيوانات!”
[25 (أيام حسو الثلاثة)]
عدَّ المترجم (كوران) شخصية في الرواية، لكنه لم يسأل عنها لاحقاً، وما جرى لها؟ ولماذا ظهر هنا و/فـ/ ثم اختفى؟ والصواب أن (كوران) ليس شخصية إنما هو لفظٌ خاطئ للكلمة الكردية (Guran/الذئاب) التي بدأت بها الفقرة الجديدة فجاء الحرف الأول كبـيراً، وفق قواعد الكتابة، فظنَّ المترجم أنه اسم علم، ولم يدرك أن المقصود منه هو (الذئاب)!
إن التناقضاتِ والأخطاءَ الكثيرة في الترجمة كفيلةٌ بأن تخسر قارئها، وأنْ تسمح للحكم على الترجمة بأنها واهنة وضعيفة وغير أمينة للأصل. ففي سياق الحديث عن إيداع مركز الشرطة مالاً عندما يستوقف شخص لا يحمل بطاقة، تحول المال إلى اسم مركز الشرطة، ليكون مقابلاً للعبارة التالية:
“Lê ên nisêbînî gava li cîhekî wek Cibiltînê…bê nasnav bihata girtin, li polîsxanê pere radizandin”[78]
الترجمة الافتراضية:
“لكن النصيـبـيني عندما كان يُستَوقَفُ وهو لا يحمل بطاقة تعريف شخصية، في مكان مثل (جب التينة)*..كان يُودِعُ مَرْكَزَ الشرطةِ مالاً”
* تُلفَظ بالكردية [جِبِل تِينَه] بإمالة المقطع الأخير من الكلمة.
ترجمة المترجم:
“لكن ساكن “نصيـبين” عندما يكون في مكان مثل قرية “جبل تينة” ….وهو دون بطاقة تعريف باسمه، يحتجز في مركزه”بره” البوليسي“
[ 108(أيام حسو الثلاثة)]
ظن المترجم أن (پَرَه/pere/المال) هو اسم (مركز بوليسي)! والصواب أنه كان “يُودِع المركزَ مالاً” وكلمة (pere) تلفظ (پَرَه) لكنها تدل على المال وليست اسم مركز بوليسي!. ولو كان اسماً لوجب أن تنـتهي كلمة (polîsxanê) بـ (a) لاحقةِ الإضافة للمضاف المؤنث، لا بـ (ê) التي هي لاحقة تلحق الاسم المجرور المؤنث كما هو في المثال المذكور: (li polîsxanê). أن يتحول اسم (pere/المال) إلى اسم مركز الشرطة، هو أمر يمكن أن يكون مقبولاً معقولاً بعد التبرير للقراءة الخاطئة. أما كلمة (يحتجز) فهي المعادل الذي اقترحته واعتمدته الترجمة مقابل كلمة (radizandin) التي تدل على (إيداع المال) لا على (الاحتجاز)!
ومن مظاهر التدخل في شؤون الراوي إقحام عبارات عجائبية في متن الرواية بطريقة أخلّت بتقنية السرد الروائي، لأن انبعاثَ النفَس من الشَّعَر هو مما لا يُعقل في رواية واقعية لا علاقة لها بعالم اللامعقول أو الفانتاستيك أو العبث، فقد جاء في الأصل:
“pişta wî ji xwêdanê şil bûbû, hilmê di porê wî de dida der“[184].
الترجمة الافتراضية:
“كان ظهر الرجل قد ابتَلّ من العَرَق. وكان الوخَم ينبعث من شعره”
ترجمة المترجم:
“تفصد ظهره عرقاً، كان نَفَسُه كان يتعالى عبْرَ شَعره“
[ص249 (أيام حسو الثلاثة)]
حيث يُدهش قارئ الترجمة بعملية التـنفس من خلال/خَلَلِ الشَّعَرِ، وهي عملية أجرتها الترجمة دون مراعاة ودون فهم لطرائق التعبير باللغة الكردية التي تنتج العلاقات الاجتماعية أنماطاً تعبيرية بها وهي أنماط لها خصوصيتها التي يُفترَض أن يكون المترجم على علم بها أو ببعض منها، أو يعتذر عن الترجمة حرصاً على شرط الأمانة في النقل.
كما أنَّ عبارة:”wek aliman dipeyivî“[139]” التي تعني:”أنت تتكلم كالعلماء” [الترجمة الافتراضية] فُهِمَتْ وتُرجِمَتْ خطأ نتيجة خطأ في قراءة الوحدة الصوتية الأولى في كلمة (aliman) التي تعني (العلماء) لكن كلمة (العلماء) صارت في الترجمة (الألمان) على النحو التالي:”إنك متكلم كالألمان” [192أيام حسو الثلاثة:ترجمة: إبراهيم محمود]. والفرق كبير بين أن يتكلم المرء كالألمان وأن يتكلم كالعلماء! وهو ناجم عن الخطأ في قراءة كلمة (aliman) التي تلفظ (عالِمانْ) أو (آلِمان) بمعنى (العلماء) والتي ظنّ أنها تعني (آلمان) بمعنى (الألمان)! حيث اعتمد الكلمة وفق صورتها الصوتية ليضيف إلى الترجمة عنصراً لا وجود له في الأصل. بل قد يكون لإضافة مثل هذا العنصر ضرراً بالغاً على السياق الذي وردت فيه العبارة. ومما جاء طريفاً في الترجمة أن شخصين تحوّلا إلى عملاقين، وذلك في الفقرة التالية:
“jin..gava dilê wê bixwaze , dikare mêr bi qasî Rûto mezin û bi qasî Şûto jî piçûk bike!” [94]
الترجمة الافتراضية:
“المرأة..عندما ترغب، تستطيع أن تُعظِّم الرجل مثل (روتو) وأن تصغِّره مثل (شوتو)”
ترجمة المترجم:
“المرأة..عندما تتملكها رغبة ما فإنها تستطيع استصغار “هوتو” و”شوتو” العملاقين“
[129 أيام حسو الثلاثة)]
وفي سياق انتظار الجماعة أن يتكلم الرجل، صار الجميع في شوق إلى كلامه، وهو ما عبّر عنه بكلمة (mereqê) التي تدل على التلهُّف إلى الشيء، جاء في النص:
“te civat di mereqê de fetisand, ka zû bibêje bê ji te re çi gotibû wî bê şeref î”[103]
وهو يقصد بذلك أنك “شوَّقتـنا إلى الموضوع، هيا اروِ بسرعة ما قاله لك عديم الشرف ذاك” [الترجمة الافتراضية: خ.ج.م] وجاءت الترجمة على النحو التالي: “لقد أتخمتـنا بالعسل الصافي هاتها وقلها سريعاً قصقص ما قاله لك الدنيء يا رجل!” [141 أيام حسو الثلاثة: ترجمة: إبراهيم محمود]. فالمترجم ظنَّ أن كلمة (mereqê) تدل على (المرَقة) التي هي (جزء من المرَق: وهو الماء الذي يغلى فيه اللحم فيصير دَسِماً). فرأى أن يستبدل بـ(المرَقة) عسلاً صافياً معرَّفاً بـ (أل) التعريف، عسى أن تناسب ذوقَ قارئ لن يفهم ما علاقة المرَقة أو العسل الصافي بالسياق كله! أما كلمة (قصقص) فتعني (اكسر/كسّرْ) أو (اقطع بالمقص). ولعله أراد “قُصَّ” بمعنى (اروِ/أَخْبرْ)!
لم تميز الترجمة بين الخيالي والواقعي في سياق وصف شخصية في الرواية، على النحو التالي:
“ji rastiya jiyanê bêtir, li gor xewnê dimeşiya”[142]
الترجمة الافتراضية:
“كان خيالياً أكثر مما كان واقعياً”
ترجمة المترجم:
“وقد كان واقعياً أكثر مما هو خيالي“
[200 ( أيام حسو الثلاثة)]
الترجمة جعلت الخيالي واقعياً، وفي ذلك من الإساءة إلى وصف الشخصية الروائية إساءة تخالف ما حقيقة في الأصل، ومن البديهي، بعدُ، أن تقع في تناقضات وهفوات كثيرة، كأن تجعل الجمع مفرداً والتمييز عدمَ تميـيزٍ، تغير مجرى الأحداث وتجعل النص الروائي مضطرباً، كما يلي:
“Qomandar dengê deremêt û mayinê ji hev nas dikin..ev karê wan e”[306]
الترجمة الافتراضية:
“الضباط يميزون بين صوت الديناميت واللغم..هذا عملهم”
ترجمة المترجم:
“الضابط لا يميز بين انفجار الديناميت وانفجار اللغم..هذا عملهم“
[399 (أيام حسو الثلاثة)]
فإذا كان الضباط لا يميزون بين صوتي الديناميت واللغم، فلماذا كان عدم التميـيز عملَهم؟! وإذا كان الضمير في كلمة (عملهم) يدل على جماعة الذكور، فلماذا كان العائد إليه مفرداً، وهو هنا (الضابط)؟! لكنّ ما يُظهره النص/الأصل أن الذين يميزون هم الضباط وهو عملُهم، ولذلك لا بد أن يميزوا بين الصوتين، وهو ما خالفته الترجمة.
والشخص الذي لُقِّب في الرواية ببطل الذئبة، أيْ (قاتلِها)، صار في الترجمة (قلبَ الذئبة) لتشابهٍ وتقارب بين صوتي (dêlegurê/ الذئبة) و(dilê gurê/ قلب الذئبة)، حيث تعني كلمة (dêle) (أنثى)، أما كلمة (dil) فتعني (قلب). وذلك في الفقرة التالية:
“Ka qehremanê dêlegurê çima nayê civatê?”[316]
الترجمة الافتراضية:
“أين البطلُ قاتلُ الذئبة؟ لماذا لا يأتي إلى المجلس؟”
ترجمة المترجم:
“لماذا لا يأتي صاحب قلب الذئبة إلى مجالسنا أين هو؟”
[412 (أيام حسو الثلاثة)]
نظام الأسماء:
نظام الأسماء له وظيفة دلالية في الرواية عامّة، وفي هذه الرواية أيضاً، وهو نظام معلَّلٌ في النص نفسه، وفي ما يمكن أن يحيل إليه من واقع موضوعي خارج عنه، إن افتُرض أنَّ ثمةَ واقعاً يمكن أن تحيلَ إليه، وهو ليس نظاماً اعتباطياً، لا سيَّما أن كلَّ اسمٍ مشحونٌ بدلالات غفل عنها، نسيها، تجاوزها أو تصرَّف في نظامها الصوتي دون مسوِّغ أو تعليل، بل إن التصرُّفَ بعيداً عن الإتقان والجودة يدل على عدم اكتراث أو عدم معرفة بدلالات الأسماء وقيمها الفنية، الجمالية، الروائية، التاريخية والاجتماعية. ومن أمثلة ذلك أن ترجمة حدثِ اقتـتالِ عائلتي (حسو) و(جرجيس) وغيرِه من الأحداث كانت تتطلب تَرَويّاً وتمَهُّلاً يُحَرِّز من التهوُّرِ الذي غيّر مَجْرى الأحداثِ. فضلاً عن أن الخطأ في نقل وتوصيف حدث الاقتتال بلغ أسماء الشخوص الذين جُرحوا أيضاً، ومنهم (حاجو بنُ جرجيس) الذي فُجَّ رأسه بضربة حجر من (لقمان بنِ حَسو) الذي جُرِحَ أيضاً بطلقةٍ في خاصرته. ففي سياق عويلِ (أم حاجو) على ولدها، واستخدامها عبارة (“Lolo lawo, lolo ciwano“[108]) التي تدل على تأسُّفها على شبابه، حيث تدل كلمة (ciwano/جوانو) على الفتوّة أو الشباب في هذا السياق، غيَّرت الترجمة اسمه من (حاجو) إلى (جوانو) [ص149] ظناً من المترجم أن اسمه (جوانو).
أما (لقمان بنُ حَسو) فقد صار اسمه في الترجمة (قاسو) نتيجة قراءة خاطئة لكلمة (qaşo) التي تلفظ (قاشو) وهي كلمة تستخدم في سياق التهكُّم بمعنى عبارة (على أساس) في العامّية، أو معنى (بدعوى) في الفصحى. مع أن اسم (لقمان) ورد بعد (قاسو) بأربعة أسطر ثلاثَ مراتٍ صُرِّحَ فيها باسم (لقمان)، دون أن ينـتبه المترجم إلى الخلل الذي أحدثه هذا الخطأ في تسلسل الأحداث، وتسمية الشخوص! فقد حولت الترجمة (لقمانَ بنَ حَسو الپزوري) إلى شخص يقاتل أهله (الپزوريين) وكان سياق الأحداث في الترجمة وفي الأصل يَـفترض أن يقاتل (الهوريـين) الذين جُرِحَ على أيديهم [ص196] [ص143]. وقد تكرر الخطأ في قراءة كلمة (qaşo) [ص56] حيث قال (جرجيس): “Qaşo ez mezinê malbatekê me.”[69] وهو يقصد بذلك: “على أساس أنني زعيم عائلة” إلا أن الترجمة غيرت اسمه إلى (قاسو) حيث جاءت على النحو التالي: “أنا “قاسو” كبير إحدى العائلات” [ص96]. وبذلك تعدد الشخوص الذين فَرَضت عليهم الترجمةُ اسم (قاسو) إضافة إلى من كان اسمه (قاسو) في الأصل.
وفي معرض الحديث عن حادثة مقتل (أكرم بن أوسڤي قسري) لم تفرق الترجمة بين الولد وأبيه، حيث حدث خلط بـينهما، فقتلَتْ أباه بدلاً منه! كما أن الخلط حدث بين دلالة (الحصان الحديدي) والدلالة التي فرضها المترجم على النص! حيث استبدل (الحصان الرهوان)! بـ(الحصان الحديدي) الذي كنّى به الروائي عن (الدراجة العادية)! ومن المعروف أن القرويين الكرد كانوا حتى أواخر القرن العشرين يطلقون على الدراجة العادية اسم (الحصان الحديدي). حيث لم توفر الترجمة حلولاً تحافظ بها على السياق اللغوي، الأدبي، التاريخي والاجتماعي، جاء في الرواية وترجمتها:
” Êh aqilê wê. Ma lawê Ûsivê qesrî Ekrem ne zarok bû ku demaçe li ser kirin! Lawik çardeh, panzdeh salî bû û bêsûc û sebeb kuştin. çima ku qomandarê qereqolê li ser hespê xwe ê hesinî siwar ne kiriye”. [17 sê şev û sê roj]
الترجمة الافتراضية:
“يا لسذاجتها! ألم يكن (أكرم بن أوسڤي قسري) طفلاً عندما أطلقوا عليه النار بالمسدس! كان الولد في الرابعةَ عشْرةَ أو الخامسةَ عشْرةَ من عمره، عندما قتلوه دون ذنْـب أو سبب. ذلك لأنه لم يسمح لضابط المخفر بركوب حصانه الحديدي*”.
*[الحصان الحديدي: يكنّى به عن الدراجة العادية]
ترجمة المترجم:
“إيه يا لسذاجتها! ألم يكن “أوسفي قصري” أكرم صغيراً لقد أفرغوا المسدس في رأسه. كان ابن أربعة عشر، خمسة عشر عاماً، لقد أردوه دون علـة ولا سبب، لأنه عندما التقى ضابط المخفر في طريق “جوفا” أبى أن يسلم حصانه الرهوان ليمتطيه“
[28 (أيام حسو الثلاثة)]
ما يدلّ عليه سياق الترجمة في قوله: ((ألم يكن أوسفي قسري أكرم صغيراً)) أن كلمة (أكرم) هي خبرٌ للفعل الناقص (يكن)، وبذلك تكون اسم تفضيل على وزن (أَفْعَلَ)، أو أن السياق يدلُّ على أن جملة (أكرمَ) هي جملة فعلية في محل نصبٍ، خبرٌ للفعل (يكن)، وبذلك تكونُ كلمةُ (أَكرمَ) فعلاً ماضياً مبنياً على الفتح، وفاعلُه مستترٌ فيه يعود على (أوسفي قسري)، ومفعولُه كلمةُ (صغيراً)، وبذلك تخسر الترجمة اسم (أكرم) الذي كان حقُّه أن يكون اسماً للفعل الناقص، ليُفهَمَ بذلك أنه هو القتيلُ لا والدُه (أوسفي قسري)..
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن (Osman/ أوصمان) – الذي تُرجِمَ إلى (عثمان) قَتَلَ العسكرُ ولدَه (Dawidê Osmên/داودى أوصمان)- صار هو القتيل بدلاً من ولده، ثم عاد إلى مسرح الأحداث وكأن قتلاً لم يكن(!) وهو ما ورد في الصفحة (29) وتكرر التأكيد عليه في الصفحة (30) ثم يفاجأ القارئ في الصفحتين (31-32) أن (أوصمان) ليس هو القتيلَ، بل ابنه (داود)، وأما (أوصمان) فقد حكم عليه بالسجن (ثلاث سنوات) في الصفحة (33)، ومثل هذا الخطأ يوقع قارئ الترجمة في حالةٍ من العجزِ عن ربط الحلقات المتـنافرة التي قد تجعله يحكم على الرواية بالخلل وانعدام التـنسيق، أما عند الرجوع إلى النصِّ/الأصل فإنه سيدرك بوضوح أن الترجمة هي التي تقتل من تشاء، وتحيي من تشاء دون اكتراث لمغبَّة هذا التصرُّف في أحداث الرواية، وهو تصرفٌ غير مقتصر على الشخوص الثانوية، إنما طال الشخصية المحورية التي تشكل عُمدة الخطاب الروائي، وهي شخصية (حَسو) (بطل الرواية بمفهوم النقد الواقعي) حيث أصاب الاسمَ تصحيف في الصفحة (120) فهو على امتداد الرواية (حسو) [بالحاء] لكنه صار في هذه الصفحة (هسو) [بالهاء]! كما أن المماثلة بين الصورة الخطية لاسمي كل من (Heso/حَسو) [بفتح الحاء] وهو محرَّف من (حَسَن) و(Hiso/حِسو) [بكسر الحاء] وهو محرَّف من (حِسين) بكسر الحاء في اللفظ الكردي للاسم (38)، أدخلت قارئَ الترجمة في متاهة التداخل بين شخصيتين باسم واحد، نتجت عنه حيرة لدى القارئ لما في ذلك من تشويش على مسار الأحداث، أما في الأصل فينعدم هذا التشويش، لأن الفرق بـين اسمي كلٍّ منهما واضح، كما تدل عليه المقارنة التالية:
“Meyro qulipîbû ser piştê. Lempe vemirî bû, laşê wê ji Heso xuya ne kir….sê qaçaxçî bi hespên xwe ve ji karwên veqetiyabûn, gihabûn quntara çiyê û karwan jî hîn li hindama gund bi kûçikan re pevdiçinin. Kûçikên gund rê ne didan karwên…yekî ji wan li bayê lezê bi dengekî sivik digot:”Hiso” gidî ez di bextê te de, ji bestê dernekeve” [24-25 sê şev û sê roj]
الترجمة الافتراضية:
“استلقت (ميرو) على ظهرها، والمصباحُ منطفئٌ، لم يَـبْدُ جسدُها لـ(حَسو)…انفصل ثلاثة مهربين بخيولهم عن الرَّكْب، وقد بلغوا حضيض الجبل، والركب لا يزال في هِراش مع الكلاب. كلاب القرية ما كانت تفسح المجال للركب…قال أحدهم على وجه السرعة:”حِِسو” أرجوك لا تخرج من الوادي..”
[اسم (حِسو) في جملة القول الأخيرة: هو (حِسو) بكسر الحاء]
ترجمة المترجم:
“وتعدلت هيئة “ميرو” حيث استلقت على ظهرها. المصباح كان منطفئاً “حسو” يلحظ جسمها….كان ثلاثة مهربين قد انفصلوا عن الركب وقد أصبحوا في حضيض الجبل، أما البقية فقد كانوا يحاولون إسكات الكلاب التي لم تهاجمهم…تناهى إلى سمعه صوت أحدهم سريعاً منخفضاً: “حسو” أنا في حماك حاول ألا تخرج من الوادي..”
[38-39 (أيام حسو الثلاثة)]
في تلك الليلة المظلمة التي وصفها الراوي بأن الرؤية شديدة الصعوبة، وقد أطفئ المصباح فكيف يمكن لـحميها (حسو) أن (يلحظ جسمها)؟! وهو ما ناقض الأصل الذي ورد فيه أن الرجل لم يرَ جسمها بعد انطفاء الضوء. أما المهرِّبون الثلاثة فكانت لهم (خيول) يُهَرِّبون بها، وهو ما أغفلته الترجمة، ولا يخفى على قارئ الرواية بلغتها الكردية ما لهذه الكلمة من أهمية، لما تحمله من دلالات تاريخية واجتماعية، ولما فيها من مؤشرات غنية بإحالاتها وإيحاءاتها، حيث تحتل (الخيول) مكانة في حياة أولئك الناس وفي بيئتهم.
التماثل الذي أحدثه تكرار اسم (حسو) -باللفظ نفسه والصورة الخطية نفسِها- مرتين وفي فقرة واحدة وموقف واحد، أحدثَ إشكالاً كبيراً؛ فـ(حسو) واقف (خَلْفَ السياج) يتـنصّت مع ابنه (تمو) الذي سمع (أحدَهم) ينادي (Hiso/ حِسو) [بكسر الحاء]، وهو كَسْرٌ لم ينتبه إليه المترجم، فاختلطت الأسماء والأحداث في (الترجمة) التي أساءت بالنقل الحرفي للاسمين (حسو) و(حسو) دون علامةٍ تمـيِّزُ اسماً من الاسم الآخَر، على نحو ما جاء في الأصل، حيث إن (Heso/حَسو) زوج (سارة) ذلك القرويُّ الموجود في بـيـته – خلف السياج- في تلك الليلة، أما (Hiso/حِسو) فهو واحدٌ من المهرِّبين الذين عبروا المنطقةَ وقد أصيب هذا الرجل فطلب أحد زملائه منه ألا يخرج من الوادي لئلا ينكشف أمره، وأمرُهم..ثم يموت (حِسو) [المهرب] في إحدى المغارات، وسُحلتْ جثته إلى القرية، بعد أن مثَّلَ بها العسكر.
كما أن الإبقاء على الاسمين (حسو) (حسو) بهذه الصورة الخطية الواحدة خَلَطَ خيوطَ الأحداث خلطاً غريـبـاً، وانتقل بالرواية من الواقعية إلى ضربٍ من توهُّمِ تداخُل الخيال بالواقع، أو ضرب من العجائبية الغرائبية اللتين قد يتوهَّمُهُما القارئ وهو يـبحث عن مخرج من المتاهة التي أوقعته فيها الترجمة التي جعلت (حَسو) الواقف خلف السياج واقفاً تحت السقيفة! وثمة فرق بين أن يقف – في تلك الليلة – تحت السياج الذي يضمن تواريَه عن الأنظار، وأن يقف تحت السقيفة التي تجعله مكشوفاً. لكن الترجمة لم تكتفِ بالخطأ في تحديد مكانه بل جعلته في الوقت نفسه مع المهرّبين، خارج السياج وخارج (السقيفة)، ثم جعلته جثة ممثَّلاً بها، وفي الوقت نفسه يُسأل (حسو) الحيُّ عن صاحب الجثَّة وهو (حسو) أيضاً، فتداخل الخيال بالواقع، والوهم بالحقيقة، وهو من أشدِّ الإساءات الناتجة عن سوء النقل، حيث كانت الترجمة السليمة تقتضي كتابة اسمَي الرجلين بصورتين مختلفتين إبعاداً للتداخل والالتباس. وقد أمر من تحدث إليه بألا يخرج من الوادي، ولم يطلب منه المحاولة بألا يخرج من الوادي.
فإذا كانت إحدى مهام الترجمة عامّة أن تصون المعاني والدلالات بالمحافظة عليها ونقلها من نصٍّ مكتوبٍ بلغةٍ إلى نصٍّ مكتوب بلغة أخرى، فإن ترجمة الرواية مشروطة بهذا الشرط أيضاً، حيث إن المعنى روح النص الأصل، وهو الشبكة النهائية للعلاقات المكوّنة للشكل اللغوي، في نصٍّ، أو مفردة في نص، أو بنية، سواءٌ أكانتْ علاقاتٍ نحْوية، أو علاقاتٍ سياقيةً يُقصَد بها علاقات مفردات نحوية أو معجمية بعناصر هامةٍ لغوياً في الحالات التي تعمل فيها تلك المفردات في النصوص[8] لكن ترجمة (أيام حَسو الثلاثة) هَمَّشت هذه المهمة، وظلَّت تغيِّر في الأسماء تغيـيراً ينهدم معه المعمار الفني للأحداث التي ترتبط بتلك الشخوص، ومن ذلك أن شخصاً اسمه (كوپو) يعمل بَنّاءً، وهو الذي عمّر بناءً لجليل الهوري، فنتج عن الخطأ في الاسم خطأ في نسبة البناء إلى صاحبه أيضاً، كما هو في الفقرة التالية:
“pêşî ji mala Celîlê hûrî dest pê kirin. Xaniyê Celîl tam di pêşiya gund de bû. Bi sipehîbûna xwe li temamê xaniyan ferq dikir. Qesirbendê omerî Kopo qesir li ser du tebeqan ava kiribû……
-“Komutanê min me zeft kir”[44 sê şev û sê roj]
الترجمة الافتراضية:
“بدؤوا من بيت (جليل الـهُوري). كان بيت جليل في أول القرية تماماً. وكان يتميز بجماله عن جميع البيوت. البَنّاء الأومري (كوپو) كان قد عمّر البناء من طابقين…..
-“سيدي لقد ألقينا القبض عليه”
ترجمة المترجم:
“نقطة البداية كانت من بيت “جليلي حوري” الذي كان يتقدم كل بيوت القرية كان متميزاً ببياض لونه عن البيوت الأخرى كان قصراً يخص عمري كوبو وقد بني من طابقين…”
[63 (أيام حسو الثلاثة)]
– سيدي لقد طليناه بالزفت!”
[64 (أيام حسو الثلاثة)]
أخطأ المترجم في قراءة اسم البَنّاء الأومري (كوپو) فظنَّ أن (omerî/الأومري) هو (عمر) وأن (qesirbend/بنّاء القصور) هو (قصر يخصُّ). ثم ظنَّ أن (zeft/القبض) (أي إلقاء القبض على..) هي (zift/الزفت) حتى أدى الخطأ في قراءة وفهم الكلمات إلى ترجمة بعيدة تماماً عن النص/الأصل!
وفي الصفحة (166) صار اسم (سمو) (علي سمو) لخطأ في قراءة كلمة (Aliyê) بمعنى (جانب) التي تسبق الاسم في الصفحة (120/في الأصل): “Aliyê Simo” حيث بدأت الفقرة الجديدة فجاء الحرف الأول كبيراً، فظن المترجم أن (Aliyê/جانب) هو اسم (علي) لتدخل شخصية جديدة في أتون الترجمة، استجابة لقدرٍ رسمه قصور في التهجية. ويلي هذا الاسمَ اسم جديد في الصفحة التالية (167) حيث يتحول اسم (أكرم) إلى (حوران أكرم) لخطأ في القراءة أيضاً، حيث ورد في الأصل (ص121) “pêgirtiyê hûran Ekremê torî”، فظنَّ أن (hûran) هو الاسم الأول و(أكرم) هو الكنية. ليدخل اسم جديد إلى قائمة المرميـين في محرقة التسرُّع في النقل دون اكثراث لمغبة ذلك.
في مكان آخر، [ص32- أيام حسو الثلاثة][ص20-الأصل] أخطأ المترجم في فهم كلمة (lorîkê/الرضيعة) فظنَّ أنها شخصية اسمها (لوريكي) ولم تكد هذه الشخصية تظهر حتى اختفت في لحظتها!! ونسي أنه لو كانت اسمَ علمٍ لكان يجب أن يـبدأ بحرف كبـير على النحو التالي:(Lorîkê)! وهي نفسها (نيرگز) الطفلة الرضيعة، ابنةُ (تمو بنُ حَسو). وبذلك زادت الترجمة شخصية لا وجود لها، وهي زيادة تدلُّ على عدمِ التـزامِ القائمِ بها شروطَ الترجمةِ، حيث استـند إلى القاعدة التقليدية التي تنصُّ على كفاية المعرفة باللغتين، وهي قاعدة ساذجة تجاوزتها نظريات الترجمة.
وقد طالت الآفات كل مفاصل العمل الروائي، بدءاً من الشخوص وانتهاء بالأحداث والخطاب والسرد ومُجْمَلِ ومُفَصَّلِ الرواية، فقد صحّفت الترجمة أسماء أخرى مثل (ميدي هزخي) و(شعبان) (ص14) والصواب أنهما (حَمِيدي هَزَخي) (Hemîdê hezexî) و(شاه باني) (Şahbanê)(ص 7 الأصل). وفي الصفحة (61) اسم (رمو) صار (حمو). وكذلك تكرر الخطأ في اسم (حمو) من جديد في الصفحة [403] حيث كان (حَسو) وحيداً في الغرفة، يناجي نفسه، في الصفحات الأخيرة من الرواية، ويقول: [309] “binere hemû deqîqeyek mabû ” وهو يريد بمناجاته تلك أنه تسرَّع، فقال:”انظر، كلُّها كانت دقيقة واحدة” في سياق التعبير عن تسرُّعه في الاعتراف بما ارتكبه من فعل ندمَ عليه، حين كلّف شخصين بتفجير بيت (جرجيس)، لكن المترجم ظنَّ أنه يخاطب شخصاً اسمه (حمو) بسبب لحن في قراءة كلمة (hemû) التي تعادلها في هذا السياق كلمة (كلُّها)، فصارت الجملة في الترجمة على النحو التالي: “تنبه يا (حمو) كان قد بقي دقيقة”! كما أصاب التصحيف اسم (حمو/Hemo) أيضاً، حيث قرأه المترجم (hemû)، في الفقرة التالية:
“Heso û Hemo bi banga sibehê re wê biçûna qereqola Sitilîlê”[152]
الترجمة الافتراضية:
“(حَسو) و(حمو) كانا سيذهبان مع تباشير الفجر إلى مخفر (ستليلي)”
ترجمة المترجم:
“كان حسو ومَنْ معه مع تباشير الفجر مهيئين للذهاب إلى مخفر (ستليلي)”
[207 (أيام حَسو الثلاثة)]
فهم المترجم من كلمة (Hemo) أنها تقابل (مَن معه) فترجمها كذلك، لأن من رافقه إلى هناك لم يكن سوى (حمو)! وفي ذلك من الخلط بين الشخوص ما أحدث تشويشاً على آليات التلقي التي عرقلتها مثل هذه الإشكالات التي قد توهم قارئ الترجمة أنه عاجز عن فهم التداخل بين الشخوص وما يرتبط بها من أحداث، مع أن النصَّ/الأصلَ ليس فيه أي خلط من هذا النوع، إنما جاءت الشخوص مدروسة بتقنية عالية، وأدخلت في مسار الأحداث دون تلكُّؤٍ يلحظه في الأصل مثل ما يلحظه في الترجمة.
في لغة الترجمة:
لا تنفصل دراسة اللغة العربية التي كانت لغة الترجمة في هذا العمل، عن دراسة الترجمة ذاتِها، حيث بيَّنت المقارنات والأمثلة الكثيرة أن الترجمة لم توفَّق في وِجْدانِ المعادِلات الدقيقة أو القريبة من الحقل الدلالي للمفردات أو العبارات أو المقاصد التي كان الأصل محمَّلاً بها في رسالته اللغوية التي اضطربت الترجمة في قراءتها قراءة سليمة، أو تعثَّرت في نقلها نقلاً أميناً.
وبمعزل عن البنية الروائية أصيبت اللغة العربية أيضاً بآفات على المستوى الصرفي والنحْويِّ والدلالي، ومن ذلك أن حرف الجر(مِنْ) جَرَّ حرفَ الجرِّ (على) مرتين في الصفحة [50 أيام حسو]: “حسو مرغماً نهض من على فراشه…يلاحظ القبقاب من على فراشه”. وفي (ص301): “من على حدود قريتكم”. فإذا كان “مِنْ” حرف جر. و”على” أيضاً حرف جر، فما إعراب “على” بعد “مِنْ”؟! أو هل يمكن لحرف الجر أن يجرَّ حرف الجر؟ الجواب بالنفي طبعاً، وهو ما يمكن التأكد منه بالرجوع إلى المصادر الأساسية والمراجع الموثقة في النحو العربي من مثل (مغني اللبيب، شرح ابن عقيل، أوضح المسالك، شذور الذهب، قطر الندى، حاشية الخضري، وجامع الدروس العربية) وغيرها.
أما اسم الشرط الجازم (مَنْ) الذي حقُّه أن يأتي جوابُه مضارعاً مجزوماً جاء الجواب مرفوعاً في الصفحة [40 أيام حسو]: “منْ يتخاذل يكون ابن زنى!” فالفعل (يكون) هو جواب الشرط، والصواب: (يكُنْ)! كذلك في جواب الطلب الذي حقّه أن يأتي مجزوماً، إلا أن المترجم أبقاه مرفوعاً دون أن يكون لذلك تعليلٌ في قوله: “دعيني أقول بعض الكلمات!” والصواب: (أقُلْ).
ومن المعلوم أن المنادى المعرف بـ(أل) لا ينادى بأداة النداء مباشرة، إنما يستعان بـ(أيها/أيتها) وقد وردت أمثلة كثيرة في الترجمة نودي فيها المعرّف بـ(ألـ)، من مثل: يا المختار (ص59)، يا الرقيب (ص65)، يا العسكري (75ص)، يا الأخ (ص80)، يا الخسيس (ص109). وكثيراً ما أدخل (أل) التعريف على المضاف والمضاف إليه معاً، كقوله (ص77): “قالها ثم عاد إلى القراءة الأسماء مجدداً”. كما أخطأ المترجم في العدد والمعدود أيضاً في نحو قوله (ص107): “عرض أربعة عساكر من مخفر (بيربوكي) ثلاث وأربعين رجلاً من سارنجي للفلقة”، والصواب أن يجعل العددَ (المعطوفَ عليه) مخالفاً للمعدود، ومنصوباً على أنه مفعول به للفعل (عرض)، على النحو التالي:(عرض أربعة عساكر…ثلاثةً وأربعين رَجُلاً للفلقة).
أما أخطاء الرفع والنصب والجر والجزم فهي كثيرة كثرة يصعبُ إحصاؤها، فعلى سبيل المثال: (ص94): (وكانت المسافة التي قطعوها ركوباً تقدَّر بمئتي متر والقرويين قد وصلوا إلى هذه النقطة وهم في حالة مزرية)، والصواب أن ترفع كلمة (القرويون) بالواو لأنها جمع مذكّر سالم، مرفوع. ومثلها كلمة (القرويين) (91): “أما القرويين فإنهم في مجملهم قد أودعوا أيديهم من ألم الضرب ما بين أفخاذهم”، والصواب (القرويون)..كما لم يفكَّ التضعيف في قوله (ص91): “نساء القرية..قد تجمهرْن وهن يضربن على ركابهن ويشدن شعورهن”، والصواب (يشددْنَ) بفك التضعيف. ولم ينصب اسم (إنّ) في قوله (ص90)” : “إذ إن كل منهم مد يديه..” والصواب: (كُلاً) بالنصب على أنها اسم “إنَّ”. وفي (ص 126): “السيارات وصلت إلى قرية “مندري” وأهالي زورافا مسكونين بخوف “بيجر” صامتين بلا حركة”، والصواب: (مسكونون- صامتون) بالرفع، لأن كلاً منهما خبر للمبتدأ (أهالي) المسبوق بواو الحال. فالجملة من المبتدأ والخبر/الخبرين حالية بعد الواو.
وفي (ص127): “كانت النساء قد تصدقن بأداء شعائر المولد النبوي، لو أن رجالهم يرجعون أحياء إليهن”. والصواب: (رجالهنَّ) بنون جماعة الإناث، والأكثر صواباً (أزواجهنَّ). وفي (ص 133): “بقدر ما كانت تدعو على “حسو” هكذا كانت تدعو إليه!” والصواب بدلاً من “تدعو إليه” بمعنى (ترغّبه في الشيء وتقرِّبه إليه): (تدعو له): بمعنى: (ترجو له الخيرَ).
وفي (ص134): “مضاهياً لخمسة رجال”. الصواب: “مضاهياً خمسةَ رجال” لأن الفعل (ضاهى) يتعدى بنفسه لا بحرف الجر. وفي (ص153): “ليشكوا كل منا الآخر..ما كان أحدنا يشكوا الطرف الآخر”. الصواب: (ليشكو) و(يشكو) لأن الواو أصلية في الكلمة وليست واو جماعة الذكور التي ترد معها ألفٌ زائدة للتفريق. فليست كل واو تأتي بعدها ألِفٌ! وفي (ص 154): “في مخاصمتنا لـ “جرجيسكو””. الصواب: (في مخاصمتنا جرجيسكو). لأن (خاصم) يتعدى بنفسه، لا بحرف الجر. وفي (ص208): “لو لم أستطيع”. الصواب: “لم أستطعْ”. علامة جزمه السكون، وحرف العلة ساكن، فوجب حذفه. وفي (ص249): “أقتل الهوريين بعضا منا؟”. الصواب: (الهوريون) الفاعل مرفوع بالواو إذا كان جمعاً مذكراً سالماً. وفي (ص255): “فلا تنسى ذلك”. الصواب: (فلا تنسَ ذلك). بحذف حرف العلة، لأنه مجزوم بـ (لا) الناهية الجازمة.
وفي (ص259): “فمن عدا الأبقار وسواها يملك ..”. الصواب: (فما عدا الأبقارَ)، أو (عدا الأبقارِ). وفي (ص269): “وضعت خمس كراس”. الصواب: (خمسة كراسٍ) العدد (خمسة) يخالف مفرد المعدود. وفي (ص289): “قرابة ستة درجات فقط”. الصواب: “ستّ درجات”. العدد (ستّ) يخالف مفرد المعدود. وفي (ص343):”أن ثمة رجلا محتم بالصخرة، جالسا”. الصواب: (أنّ ثمةَ رجلاً محتمياً بالصخرة). رجلاً: اسم “أنّ” منصوب. فصفته “محتمياً” منصوبةٌ، وياء الاسم المنقوص لا تحذف في حالة النصب! كما أن علامة النصب تظهر على الياء، ولا تقدر، كما هو الحال بالنسبة إلى حالتَي الرفع والجرِّ. وأما الخبر فمقدمٌ تعلّقَ به الظرف “ثـمّةَ”. وفي (ص350): “لأنه كان مقبل من غزوة”. الصواب: (مقبلاً). خبر كان منصوب. وفي (ص354): “في الحوش كان هرج ومرج الرجال ولما لم يمض على وصولـه “حسو” إلى البيت ساعة واحدة.” الصواب: (ولما يمض على وصول “حسو”). لأن (لما) حرف نفي وجزم يفيد في نفي وقوع الفعل في الماضي حتى زمن التكلم، أما (لم): فهو حرف نفي وجزم وقلب يفيد في نفي وقوع الفعل في الماضي فحسبُ، فليس ثمة مسوِّغ أو معنى أو تعليل لجمع الحرفين معاً؟!. وإبعاداً لافتراض عَدِّ (لمّا) اسم شرط غير جازم، فإن (لما) ليست شرطية هنا حيث انتهت العبارة كاملة على النحو الذي وردت، فإن كانت شرطية فإنها تحتاج إلى الجواب! وفي (ص388): “من يستطيع منافستي فليتقدم”. الصواب: (من يستطع). فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه السكون. فوجب حذف حرف العلة الساكنِ، قبل الساكن الأخير. وفي (ص399): “مسافة مئتي مترا”. الصواب: (مترٍ). تمييز (مئة) مجرورٌ وليس منصوباً. ويعرب مضافاً إليه مجروراً.
مَصَبُّ الدراسة:
إن إحاطة المترجم بأدقِّ تفاصيلِ النص/الأصلِ هي من أهم شروط الترجمة، فهو مطالبٌ بأن يدركها ويستوعب أبعادها بوعي لا لَـبْسَ فيه، ومهاراتٍ فنية لا تبتعد عن مضمون الرسالةِ المرادِ ترجمـتُها، ولا تُلحِقُ بفنيتها أضراراً تقضي على القيم الفنية والجمالية للرسالة، ولا تترك هفوات وفجوات تكشف عن استهانة بأبسط قواعد الترجمة، أو تكشف عن استهانة بالقراء الذين قد تدفعهم الترجمة إلى الحكم على الرواية بالوهن. فإذا كانت الترجمةُ في بعض تعريفاتها فعلَ قراءةٍ، وممارسةَ فَـهْمٍ، فإنَّ القصورَ في القراءةِ، والعجزَ عن الفهم ثُمَّ الإفهامِ يعيقان رسالةَ الترجمةِ، ويقطعان التواصل بجميع أبعاده وأطرافه وعناصره. بل إن سوء فهم المترجم يكون أول عثرة أمام عملية الترجمة والنقل قبل أن يكون عثرة وعائقاً أمام عملية التواصل بين النص والقارئ. وهذا يعني أن الترجمة أَخفقت في الجمع بين طرفي المعادلة التي تقوم عليها، وهما الأمانة للنص الأصل بأسلوبه وقيمه الفنية والجمالية، والأمانة لنص الترجمة بلغتها وتقاليدها الأسلوبية.
(SÊ ŞEV Û SÊ ROJ) رواية اجتماعية أخرجتها الترجمة من واقعيتها وأوهمت القارئ أنه أمام رواية تنحو منحى (فانتاستيكياً) يدخل فيه الخيال بالواقع دون أن يكون الأصل كذلك، ودون أن تبلغ الترجمة مستوى البناء الفانتاستيكي للرواية التي أصابت الآفاتُ روحَها، حَـبْكَتها، لغتَها وجميعَ جوانبها البنيوية، اللغوية، الفنية والجمالية، حتى أمكن القول بأن أمثلة عدم نجاح ترجمة (أيام حَسو الثلاثة) كثيرة، تتعذر معالجتها بإعادة الطباعة أو بالمراجعة، فقد فشلت الترجمة في المستويـين اللغوي والأدبي معاً، ولم تنجح في نقل أبنية اللغة الكردية وأساليـبها ودلالاتها، كما لم تنجح في توظيف طاقات اللغة العربية أيضاً، وبعبارة واحدةٍ: إن خلل الترجمة أصاب الشكل والمضمون إصابة قاتلة.
المراجع:
1. “Sê şev û sê roj” roman: Laleş Qaso. Nûdem. Stockholm:1999″
2. “أيام حسو الثلاثة”: رواية. لالَش قاسو. ترجمها إلى العربية: إبراهيم محمود. طبعت في أوغاندا- 2001.
3. “نظرية لغوية في الترجمة”: تأليف: ج. س. كاتفورد. ترجمة: د.خليفة العزابي. – د. محيي الدين حميدي. معهد الإنماء العربي. بيروت. ط1- 1991. (ص 9) ص ص(35-36).
4. “مفاهيم الشعرية: دراسة مقارنة في الأصول والمنهج”: حسن ناظم. ط1- بيروت. (ص ص201-202).
5. موقع (عفرين نت/ الكردي) في حلقات بدءاً من الشهر الثاني (شباط 2006): ( أيام حسو الثلاثة) رواية لـ” لالش قاسو” في حلقات: ترجمة وتقديم ابراهيم محمود/ عفرين -نت 13.02.06/ (الحلقة -1-). /16/02/2006/ (الحلقة -2-). /21/02/2006/ (الحلقة-3-)..