وشهر رمضان المبارك ميدان عظيم من ميادين الرحمة ، بل كثير ما يطلق على شهر رمضان بأنه شهر الرحمة ، لأنها تتحقق فيه .
وأرى أن للرحمة نوعان : رحمة الله تعالى بخلقه وعباده ، ورحمة العباد على العباد .
فرحمة الله عز وجل بخلقه وعباده يدل عليه ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أن شهر رمضان أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ) ، ويدل عليه أيضاً ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة ، وغلقت أبواب جهنم ) .
وهذه الرحمة هي ما يصبوا إليها المسلمون ، وهي الغاية القصوى التي يسعون للحصول عليها ، وهي التي تجعل من حياة المسلم سعيدة في الدنيا سعيدة في الآخرة .
وقد حث الله تعالى عباده على طلب الرحمة منه كما في قوله تعالى : ( وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) المؤمنون (118) ، كما بين أنه يتجاوز عن خطايا عباده ويغفر لهم فقد جاء في الحديث القدسي ( إن رحمتي تغلب غضبي ) .
وما رحمة العباد بعضهم على بعض إلا جزء يسير من رحمة الله تعالى ، يؤكد هذا ما ورد في البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي ، فإذا امرأة من السبي تسعى قد تحلّب ثديها ، إذ وجدت صبيا في السبي أخذته وألصقته ببطنها فأرضعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ قلنا : لا والله ، قال : فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها .تلكم هي رحمة الله عز وجل والتي جعلها مئة جزء وأنزل إلى الأرض جزأ واحداً منها والتي منها تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه !!
وأما رحمة العباد بعضهم ببعض تلك هي أثر من آثار الجمال الإلهي الباقي في طبائع الناس يسير بهم إلى بر الأمان والاطمئنان ، وقد أمر الإسلام بالتراحم العام وجعله من دلائل الإيمان الكامل فالمسلم يلقى الناس وفي قلبه لهم عطف ورحمة وبر مكنون ، ودل على ذلك أحاديث منها .
ما جاء في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ) وعند الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم قال : ( الراحمون يرحمهم الله تعالى ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) .
ومن المظاهر التي تساعد في رحمة العباد على العباد في رمضان : ترك المسلم للأكل والشرب فيشعر بالفقراء والمحتاجين الذين يحرمون مما يملكه ، فتضغى قلبه بالرحمة تجاههم .
ومنها مضاعفة الأجر في هذا الشهر الكريم ، فيتذكر الفقراء والمحتاجين لأنه بهم يحقق هذا الأجر فهو في غير رمضان مشغول بأمور الدنيا أما في رمضان فيدخل مع الكثير من المسلمين في جو العبادة … حينها يتذكر الكثير مما أنسته مشاغل الدنيا قبل رمضان ، ويمتلأ قلبه بالرحمة تجاه الآخرين .
ومنها : تذكير العلماء الناس بالفقراء والمساكين ، فيسارعون إلى تلبية نداء المحتاجين .
لذا تلاحظ أن موسم الجمعيات والمؤسسات الخيرية هو شهر رمضان المبارك حيث يرتفع فيها حجم التبرعات التي تحصل عليها هذه المؤسسات على كل الإحصاءات في الشهور الأخرى غير رمضان !!
لكل ذلك كانت الرحمة أعظم ما يملكه المسلم حتى يتعامل مع أخيه المسلم بحب ووئام ليرسموا معاً ملامح الحياة المنشودة والتي يتطلع إليها الجميع ، ويترجموها إلى واقع ملموس .
أما القسوة وعدم الرحمة عند إنسان معين دليل على نقص كبير فيه ، وفي مجتمع دليل على خطورة مخيفة !! وربما تؤدي هذه القسوة إلى ما هو أكثر نقصاً وأشد خطورة !!