المرأة والزواج والحرية

 كفاح محمود كريم
 

   يعتقد العديد من الباحثين والناشطين في المجال الاجتماعي ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة منذ شرعنة هذه الحقوق على شكل إعلان عالمي عام 1948م وحتى صدور العهدين الدوليين عام 1966م، إن الكثير من المشاكل الاجتماعية والظواهر السلبية التي تعيق تقدم مجتمعاتنا وتحررها من قيود متوارثة ترتبط إلى حد كبير بحرية الاختيار والمساواة في الزواج وأشكاله وما ينتج عنه بسياقات غير مسيطر عليها أو خاضعة لتقاليد وعادات متوارثة ولعل في مقدمتها الزواج القسري لكلا الجنسين والأكثر للنساء اللائي يجبرن على الزواج في سن مبكرة أو من شخص معين لا يرغبونه لو تم تخييرهم تحت مظلة القرابة أو النظام القبلي والديني أو تحت ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة تكون المرأة دائما هي ضحيتها.
   ويأتي تعدد الزوجات بنفس الأهمية في إنتاج التعقيدات الاجتماعية في البناء النفسي والعلاقات بين أفراد الأسرة والمجتمع مما يؤدي إلى تكاثف سلبي في تلك التعقيدات وإنتاج لنمط من العلاقات العدائية ومجاميع من الإخوة الأعداء بما يمس قدسية علاقات الإخوة ومن ثم يهدد كيانات الكثير من الأسر التي تتعدد فيها الزوجات إضافة إلى كونها انتهاك كبير لحقوق المرأة وكرامتها وبالتالي يضيف عبئا ثقيلا على مجتمعات ما زالت في أطوار تقدمها وتحولاتها الأولى، وحتى على مستوى الزوجة الواحدة ما زالت مشكلة تعدد الأولاد والبنات واحدة من مظاهر العقلية الزراعية والعشائرية التي تسيطر على مفاصل مهمة من مجتمعاتنا عموما وهي في حالة صراع عنيف مع متغيرات العصر في المدن والمراكز الحضرية مما يخلق إفرازات كثيرة تتحول في اغلب الأحيان إلى ظواهر خطرة تهدد الأمن والسلم الاجتماعيين.

    وإذا ما تفحصنا كثير من الأعراف المدمرة لنسيج مجتمعاتنا وبالذات تلك التي يسمونها بـ النهوة والفصلية والكصة* والزواج المبكر للفتيات مع علمنا بأن نسبة الأمية في صفوف النساء في الريف تقترب من 90% ندرك أي مأساة تعيشها المرأة في بلادنا الشرقية عموما والعراق خاصة، فهي الضحية على طول الخط لما يتحمله الرجل من مسؤولية في مجتمع ذكوري يمنحه سلطات لا مدى لها ولا حدود بينما يقنن المجتمع وعاداته المتوارثة وتفسيراته السطحية للشرائع الدينية والأعراف الجاهلية حركة الحياة للمرأة بالشكل الذي يلبي رغبات الرجل وحدود حكمه وصلاحياته الواسعة.
   وفي كل ما ذكرنا يفرض الرجل الشكل الذي يريده في العلاقة مع المرأة سواء في تعدد الزوجات أو الإنجاب الكثير أو حتى موضوع الطلاق الذي يمتلك الرجل فيه صلاحيات تشبه إلى حد كبير صلاحيات الرؤساء أصحاب الحكم المطلق في النظم الدكتاتورية، فهو الذي يقرر مدى صلاحية الزوجة واستمرارها وعدد الأطفال والنساء ومكان السكن والإقامة، وعلى المرأة دوما أن تنفذ تلك الرغبات وإن رفضتها في عقلها الباطني لكي تحصل على وسام الزوجة الصالحة والمطيعة.
   كل ذلك يأتي من خلال منظومة التقاليد والعادات المتوارثة والمسندة دوما بأعراف اجتماعية ترتقي إلى قوانين حادة وتفسيرات دينية لا تمت بأي شكل من الأشكال إلى فلسفة الأديان وجوهرها بل تخضع على مدى العصور لنواميس تلك العادات القبلية التي وصفت دوما في القرآن الكريم بالجاهلية لتستمر حتى يومنا هذا بلبوس ديني وتفسيرات مزاجية ظالمة لأساسيات الأديان في حرية الإنسان والعدالة الاجتماعية وإقامة مجتمع متكافل وحر وبالذات ما يتعلق بقتل النساء على خلفية الشرف الشخصي والاجتماعي مناقضين أقدس النصوص التشريعية الواردة في القرآن الكريم والإنجيل في معالجاتها لموضوعة الجنس خارج شرعية الزواج.
   أن العنف المستشري في مجتمعاتنا الشرقية ضد النساء وفي الريف بشكل واسع وفي مقدمة ذلك عمليات القتل الغامض للنساء لأي سبب كان خارج دائرة القانون والقضاء يعد من أبشع الممارسات الإرهابية في عصرنا الحالي ضد المجتمع وسلامته مما يؤدي دوما إلى إشاعة الكراهية وتفكيك المجتمع وإنتاج أجيال من الرجال والنساء المعاقين نفسيا وتربويا على خلفية ثقافة جاهلية لا تختلف بأي شكل من الأشكال عما كان يفعله الرجل في المراحل البدائية قبل ظهور الإسلام في الجزيرة العربية من قتل منظم للنساء تحت طائلة الفقر والإملاق أو دفاعا عن منظومة تعاريفه ومفاهيمه للشرف الشخصي والاجتماعي مستبعدا في كل الأحوال ما يقترفه هو من نفس ( الجرائم ) باعتباره خارج حكم ذلك القانون الجاهلي والاعتماد على عرف قروي عشائري لا يمت بأي صلة بالدين أو الشرف أو القيم العليا للمجتمعات وقوانين وتشريعات الأديان وفلسفتها بل ينحصر في بدائية ذكورية غرائزية تستمد سلطاتها وهيمنتها بإلغاء النصف الثاني من المجتمع واستعباده والتحكم في مصيره تحت شتى الذرائع والحجج.
   إن مدى ومعيار نجاح النظام الديمقراطي وارتقائه ليس بتداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع فحسب بل من خلال تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات والإيمان الفعلي بحرية الإنسان وخياراته رجالا ونساءا بما يعزز كرامته ويحترم رأيه بصرف النظر عن نوعه أو عرقه أو لونه أو دينه وفي مقدمة كل ذلك الإيمان الفعلي والحقيقي بحرية المرأة وكرامتها وخياراتها وموقعها الرائد في المجتمع وحقوقها الإنسانية التي لا تختلف قيد أنملة عن الرجل تحت أي ظرف كان أو حال.
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
النهوة:
وهي منع ابن العم زواج ابنة عمه من غيره حتى وإن تزوج هو من غيرها اذا طلبها ورفضت الزواج منه وتبقى المرأة أسيرة هذا المنع ربما حتى الموت.
 
الفصلية:
وهي تبادل منح البنات بين الأطراف المتنازعة كجزء من صفقة المصالحة، وهي عادة تمارسها العشائر في الأرياف وخصوصا في أحداث القتول فتكون جزء من الدية ويخير أصحاب الحق للتنازل عن الثأر بأخذ ما يشتهون من البنات كزوجات لهم!
 
الكصة:

وهي البديلة التي تؤخذ مقابل زوجة أخيها حتى وان رفضت ذلك الشخص ورغم إرادتها

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

 

رجع “أبو شفان” إلى البيت في ساعةٍ متأخرة، يجرّ خطواته كما لو كانت أثقل من جسده المنهك. وجهه مكفهر، ملامحه كانت كمن ذاق مرارة أعوام دفعةً واحدة. ما إن فتح باب الدار، حتى لمح ابنه البكر “مصطفى” جالسًا في العتمة، ينتظره كأنه ينتظر مصيرًا لم يأتِ بعد.

– “أهلاً أبي… تأخرتَ الليلة”.

– “كنتُ في مشوار…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

مَدرسةُ فرانكفورت ( 1923 _ 1970 ) هِيَ مَدرسة للنظرية الاجتماعية والفلسفةِ النَّقْدية ، مُرتبطة بمعهدِ الأبحاثِ الاجتماعية في جامعة غوتة في مَدينة فرانكفورت الألمانية ، ضَمَّتْ المُفكِّرين والأكاديميين والمُنشقين السِّياسيين غَير المُتَّفقين معَ الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية المُعَاصِرَة ( الرأسماليَّة ، الفاشيَّة ، الشُّيوعيَّة ) في ثلاثينيات القرن…

عبدالاله اليوسف

 

لكن الهواءَ يحفظُ صوتكَ في الشقوق

بين تنهيدةٍ

ونَفَسٍ لم يُكمِلِ الطريق

 

قلبُكَ

ساعةٌ لا تُعيرُ الوقتَ اهتمامًا

تمرُّ عليها الأزمنةُ

ولا تشيخ

 

تخجلُ

من مرايا الوجوه

فتعيدُ تشكيلنا

كما تشاء

كأنك تصنعُنا من بُعدٍ

بحركةِ عينيك فقط

 

نلتفت

حولنا

أضيافك

نرتدي ظلالًا

ولا ندري

غريب ملا زلال

ليست سوى الحرب
تأكل أضواءنا
و رجالها
في دهاليز المملكة
يكيلون دماءنا
مُذ عرفت
أن الرب
في عليائه يستريح
كمحارب قديم
أتى تواً
من الجبل
و أحلامنا ..
آمالنا
تذهب في الريح
بحثاً عن أشلائنا
هل كانت الأمور
في السموات العشرة
على ما يرام
حين خلت المدينة
من أبنائها
إلا من بقي نائماً
تحت الركام
و زخات المطر
بعد القصف
هل كانت
دموع الرب في عليائه
على عباده
أم كانت
رذاذات صرخة
لطفل يبحث عن أمه
كل المعابد
لا تصلح لإطفاء الحريق
فالرب متعب
والكهان متعبون …