لو لم اكن كرديا لدافعت عن هذا الشعب المظلوم

هذا كان جواب الكاتب والروائي والممثل والسيناريست والمخرج الكردي يلمازكوني عندما قيل له لما لا تترك نهجك النضالي في سبيل الحرية والديمقراطية والدفاع عن الشعب الكردي وتعيش حياة هادئة ولكنهم ربما لم يعرفوا مع من يتعاملون انه ذاك الانسان الذي يتسم بالشجاعة الفائقة والروح الوطنية وصاحب المبادىء الثابتة فقد كان هدفه خدمة شعبه المحروم من أبسط حقوقه. لهذا حاولوا تحطيم إرادته، وحرموه من الحرية، على مراحل؛ ومع ذلك لم يفلحوا في كسر شوكته.

عاش يلماز غوني 47 عاماً. قضى 11  منها في غياهب السجون، ونصف سنة في المنفى، وتشرد ثلاثة أعوام في ديار الغربة. لقد منحه القدر وقتاً قصيراً للإبداع، ومع ذلك كتب السيناريو لـ (53) فيلماً، ومثل في (110) أفلام، وأخرج (17) فيلماً، ونشر (4) روايات ومئات القصص  . فكم كان بإمكان هذا الكاتب الإنسان أن يبدع، لو عاش أكثر؟!.
تظهر معالم الاحتجاج في إبداع يلماز غوني بشكل جلي. فهي تحكي عن بلادٍ، تبقى فيها الديمقراطية شيئاً خيالياً، حتى بعد (50) سنة من إعلانها قانونياً؛ وعن دولة تسود فيها البيروقراطية والاضطهاد والعنف والفساد. ويتجلى ذلك في أفلامه: “اليائسون”، “المرثية”، “الضيم”، “الأب”، “الزميل” و”الطريق” “والجدار” ؛ والتي أصبحت محطات في تكوين معلمية المخرج، حيث  حصل بواسطتها على العديد من  الجوائز الكبرى، في المهرجانات السينمائية التركية والعالمية.
أفلامه “القطيع، العدو، الطريق” هي في الحقيقة مؤلفات عاطفية مريرة، مرارة حياة شعب يتمزق هي صورة سينمائية، عن البلاد التي يسودها الخوف، وسلب الحقوق علانية، والكراهية والاستبداد.
حصل (غوني) على أهم الجوائز في عالم السينما، مثل جائزة “السعفة الذهبية”، التي فاز بها عن فيلمه الشهير “الطريق- Yol”، في مهرجان “كان” السينمائي الخامس والثلاثين، مناصفة مع فيلم “مفقود” لكوستا كافراس.
في عام 1974 ألقي بيلماز غوني في غياهب السجن، وللمرة الثالثة، بتهمة ملفقة. وفي عام 1981 هرب من السجن،وغادر بلاده مهاجراً، بعيداً عن الوطن.
وفي الخارج، حقق حلمه الأخير، الذي فكر فيه طويلاً؛ حيث أخرج فيلم “الجدار”. وبغض النظر عن أن المَشاهد قد صُوّرت في فرنسا، إلا أنه تمكن من تجسيد الوضع السائد- آنذاك- في تركيا.
كان يلماز غوني يعمل نهاراً، ويكتب ليلاً. أولى رواياته كانت بعنوان “الأعناق الملتوية”، ثم غير عنوانها إلى “ماتوا ورؤوسهم محنية”، وترجمت إلى اللغة الفرنسية، ومنها إلى اللغة العربية، تحت نفس هذا العنوان،كذلك ترجمت إلى اللغة الروسية تحت عنوان “الأرواح المُزهَقة”. في روايته هذه، يبني حواراته بمهارة خارقة، وفيها مسحة من الروح الفكاهية.بالاضافة الى روايته القديرة صالبا
يلماز غوني هو أول مخرج، بل هو الوحيد للأسف، الذي استطاع قول الحقيقة عن مافيا تركيا، وبجرأة، معتبراً إياها وليدة رذائل الظلم الاجتماعي، وعدم التكافؤ الصارخ، وتفشي الرشوة، وفساد الجهاز الوظيفي والبوليسي. ويبدو ذلك جلياً في فيلمه “اليائسون”. كما كتب كتابا سياسيا (الشرائح السياسية) بين فيها الفساد السياسي في تركيا
نتيجة استفتاء أجرته صحيفة “ملليّت”، بين تسعة عشر من الشخصيات الأدبية والفنية والسينمائية البارزة، تبين أنه من ضمن أهم عشرة أفلام تركية، لأعوام 1971-1972، ذكرت أربعة أفلام ليلماز غوني، وهي: “اليائسون، الضيم، المرثية، الأب”.
في صباح يوم 9 أيلول (سبتمبر) 1984، توفي يلماز غوني في أحد مستشفيات باريس. وقبل وفاته بأيام، كان قد أوصى أن يتم تشييع جنازته من المعهد الكردي في باريس، إلى مثواه الأخير في مقبرة “بيير لاشيز”، التي دفن فيها أبطال “كومونة باريس” (18 آذار-28 حزيران 1871).
 رافق النعش الكثير من الشخصيات الفنية والثقافية والسياسية الكردية والفرنسية والعالمية، تتقدمهم عقيلة الرئيس الفرنسي، وسيدة فرنسا الأولى – حينذاك- مدام دانييل ميتيران، ممثلة لرئيس جمهورية فرنسا السيد فرانسوا ميتيران. وبعد وفاة غوني، وضعت صورته في المتحف العالمي للسينما.
    المرجع عن كتاب: يلماز غوني: الحياة- المأثرة، تأليف: أ.أ.حسينوف. الترجمة عن الروسية: لمعان إبراهيم. مراجعة وتدقيق: صلاح برواري. دمشق- 1993.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…